دلائل الغباء ثلاثة .. العناد، الغرور والتشبث بالرأي
اليوم هو الثامن من مارس .. أي أننا نحتفل باليوم العالمي للمرأة .. احتفالا سعيدا لزميلاتي الصحفيات، اللاتي لولاهن لما صدرت جريدتكم الرقمية هذه في الشكل الذي ترونه اليوم .. نادية، سارة، عبير، يسرى، إيمان، فاطمة، هدى، مريم، رباب، ياسمين ... إليكن جميعا خالص عبارات المحبة !
عيد سعيد لرئيستي التحرير، سندة وإخلاص .. بفضلهن حققت الصحيفة قدرا كبيرا من الجودة ومن التفاعل.
عيد سعيد لقارئاتنا العزيزات .. فهن سبب وجود هذه الجريدة.
عيد سعيد لصاحبات التعاليق من بين قرائنا، بفضل تعاليقهن تتطور الصحيفة.
عيد سعيد لكل شريكاتنا لأنه بفضلهن أمكن لصحيفتنا التواصل والإستمرار في الظهور.
عيد سعيد لكل التونسيات الأحرار والمتحررات.
بالنسبة إلى كل رجل عادي وبلا عقد فإن المرأة تمثل العقل .. بفضلها هي نتقدّم ونرتقي .. فالويل لمن يحتقرها ويعتقد ولو لحظة واحدة أنها أقل منا مكانة.
على الصعيد الوطني لم يشهد الوضع أي تحسن يُذكر .. منذ 26 جانفي الماضي، صادق مجلس نواب الشعب على منح الثقة للحكومة الجديدة .. وبعد خمسة أسابيع ما زال الوزراء الجدد لم يؤدوا اليمين الدستورية بعد.
سيقول رئيس الدولة الذي يرفض تنظيم موكب أداء اليمين من قبل وزراء تتعلق بهم شبهات فساد، إنها غلطة رئيس الحكومة.
وسيقول رئيس الحكومة الذي يرى أن القضاء وحده مؤهل للحكم إن كانوا فاسدين أم لا، إنها غلطة رئيس الجمهورية.
بقطع النظر عمّن يكون صاحب الغلطة، حالنا يقول إن تونس في طريق مسدود .. فالعقل والمنطق السليم يستوجبان أن يقدّم رئيس الحكومة استقالته .. لن يكون باستطاعته الحُكم بالنجاعة المطلوبة وهو لا يحظى بدعم وثقة رئيس الجمهورية وحوالي نصف أعضاء البرلمان .. حتى السند الوحيد الذي يحظى به متأت من نواب هم بدورهم محل جدل. فهو يلقى الدعم والمساندة من الإسلاميين (حركة النهضة) ونواب قلب تونس الذين يقبع رئيسهم في السجن ونواب ائتلاف الكرامة المورّطين في عديد المناسبات في أعمال عنف مختلفة تحت قبة البرلمان.
في دولة يتعيّن عليها أخلقة الحياة العامة، لا يمكن مساندة هشام المشيشي المتهم بعدم احترام أسس هذه الأخلاقيات .. فالرجل تنكّر وأدار ظهره لمن كان سببا في وصوله لهذا المنصب، كما أعفى من غير أسباب مقنعة بعض وزراء فقطبعد مرور ثلاثة أشهر على تعيينهم .. حتى الأشخاص الذين يدعمونه ليسوا محل ثقة، فضلا عن أن بعض وزرائه تتعلق بهم شبهات .. وهذه عيوب وأخطاء كثيرة بالنسبة إلى شخصية تم تعيينها حديثا في هذا المنصب الهام. هذا غير ممكن .. لا يمكنه أن يستمر على رأس الحكومة هكذا بوزراء بالنيابة .. وإعلام معاد لسياسته وتحالف برلماني قائم على المصلحة وعلى الشر .. ورئيس للدولة همه الوحيد أن يتخلّص منه.
إذن ما الحل للخروج من هذه الأزمة ؟ رغم كل ما سبق ذكره، فإن هشام المشيشي كان بمقدوره التوصل إلى أحد الحلول عبر توخّي شيء من المرونة في مواقفه .. ما يطلبه الرئيس ليس أمرا مستحيلا .. بإمكانه أن يقابله مباشرة ويوضّح له بعض الأشياء .. التحفظات التي أبداها رئيس الدولة معروفة وقد أعلن عنها في أكثر من مناسبة. فالرئيس مستعد أن يتغافل ويتناسى خيانة المشيشي الذي أعفى الوزراء الذين اختارهم سعيّد لكنه يرفض قطعيا تسمية وزراء تتعلق بهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
كان على هشام المشيشي، وهو مازال قادرا على فعل ذلك، أن يضحّي بهؤلاء الوزراء .. هذا التعنّت في الحفاظ، مهما كلّف الأمر،على وزراء تتعلق بهم شبهات، غير معقول ولا معنى له البتة. لا بد في لحظة ما أن يعرف متى يتنازل .. بإسم الصالح العام .. بإسم المصلح العليا للدولة .. عليه أن يراجع حساباته ويتحلّى بشيء من المرونة وأن يتراجع قليلا إلى الوراء إذا ما أراد أن يقفز أبعد.
لكن يبدو أن هشام المشيشي متعنّت وعنيد ولا يتحلّى بالخصال التي تخوّل له أن يتجاوز الأزمة بسلام. وكما يُقال: "دلائل الغباء ثلاثة .. العناد والغرور والتشبث بالرأي".
المطلوب اليوم وهذه مسألة تتعلّق بالمنطق السليم، هو تهدئة الأوضاع قليلا .. يجب إجبار الطرفين على الجلوس حول طاولة واحدة من أجل النقاش .. كان يُفترض أن يضطلع بهذا الدور، رئيس البرلمان، راشد الغنوشي .. لكن زعيم الإسلاميين عوض أن يتحمّل مسؤوليته ويقوم بواجبه، انخرط في لعبة صبّ الزيت على النار .. هذا الدور كان يمكن أن يلعبه رئيس منظمة الأعراف أو الأمين العام للمركزية النقابية .. ومع أن ماجول والطبوبي حاولا القيام بدور الوساطة، إلا أن رئيس الجمهورية أبلغهما مطالبه: على المشيشي أن يتخلّص من الوزراء الذين تتعلّق بهم شبهات لتعود الأمور إلى سالف عهدها.
لتقديم الصورة بطريقة أوضح وبشكل موجز .. لدينا رئيس مستعد للتحلي بشيء من المرونة، من خلال قبول "ما يمكن قبوله" أي (القيام بتحوير بعد ثلاثة شهور) ولكنه يرفض قطعيا أن يقبل (بتسمية وزراء تتعلق بهم شبهات فساد). في المقابل لدينا رئيس للحكومة يرفض أن يتزحزح عن موقفه ولو قيد أنملة .. هو مصرّ على أن يفعل ما يريد دون أن يعترض على ذلك أحد .. كما لو أنه شمشون الجبّار.
الأكيد أن المشيشي لا يتمتّع بكل هذه القوة الخارقة، لكنه ينطبق عليه المثل الشعبي التونسي: "عريان وفي صبعو خاتم".
بدلا من السعي إلى تهدئة الأوضاع (وهو أمر منطقي)، اختار هشام المشيشي اللجوء إلى التصعيد .. وقد أكد يوم السبت الماضي رفضه البات لمبدإ الإستقالة من منصبه .. بل أسوأ من ذلك فقد أعلن أنه لا يجيد المعارك ضد طواحين الهواء ولا يهتم بها .. أي أن الرجل لا يعتقد أنه شمشون الجبّار ولكن دون كيشوت .. هل كان يشير إلى ثيربانتس ؟ في المخيال التونسي من يدير الطاحونة هو (....) جميعكم تعرفون إلى ما تحيل له هذه العبارة القبيحة والمبتذلة في لهجتنا العامية .. القراءتان واردتان وهشام المشيشي لم يأخذ حذره بالشكل الكافي من تعدد التأويلات والتفسيرات.
سواء كان يقصد ثيرابتس أو المعنى الآخر لصاحب الطاحونة في المخيال التونسي، فإن هشام المشيشي لم يتبع خيار التهدئة مع رئيس الجمهورية وفضّل التصعيد.
فإلى أين يتوقّع المشيشي أن يصل من خلال هذا التصعيد ؟ أكيد إلى المجهول حيث لا حلول .. الأكيد أننا أمام طريق مسدودة وأننا لم نقم بخطوة واحدة إلى الأمام منذ أسابيع .. الكل يعلم أن صندوق النقد الدولي نبّهنا إلى خطورة الوضع الراهن .. وكالة موديز قامت بتخفيض تصنيفنا السيادي .. وسائل الإعلام دقت جميع نواقيس الخطر .. ومع ذلك يبدو أن هشام المشيشي يعيش فوق كوكب آخر .. إلى متى ؟ لقد تجاوزنا بعد كل الحدود الممكنة !.. لقد طفح الكيل !
تعليقك
Commentaires