الجافال والوباء، وحتى القذف لا !
00:00
أُقهقه تحت خيمة غِطائي من التعليقات المضحكة التي وجدتها على هاشتاق #Corchid-19، يُشّع من تحتِ البطانية ضوء هاتفي في ظُلمة قاعة الجلوس كنارِ البدو فوق أرض الله ويشع من خلفه وجهي كالمسيح في أفلام الكرتون. أم كلثوم تُغني في غرفة والديّ، والأغلب أنهما نائمان. أتمنى أن أجد حُبا مطمئنا كحُبهما، يدوم سنينا ويكبرُ دون أن يشيخ.
كُرشيد، أين وضعت نفسك أيها المحامي القومي؟
لقد صدّك ميكانيزم الفُكاهة التونسي وأخذ يُسلي نفسه بهواية الاحتجاج دون أن يغادر حجره الصحي. يا أُستاذ، أي حرية تريد أن تسلب ليعلو شخصكم الإعتباري فوق جثث شهدائنا غارسا راية الانتصار بقلبِ زهير اليحياوي! مهلك. التفت شمالا، التفت يمينا، اقرأ المعوذتين ونم.
نم. ودع عنك ثقل إستلهامِ فقه القانون من كُراسات الغرب الصفراء. لقد تكفلت الكورونا بتغيير العالم وقريبا لن تكون فرنسا التي تتشدّق بقوانينها، مرجعا تُسقطه على رقاب التونسيين. تريد أخلقة الحياة السياسية؟ استيقظ صباح الغد، كُل خبزك مغموسا في الجافال كبقيتنا، وانطلق في سيارتك الجديدة إلى باردو، اجمع زملائك وأَخْـلِـقهُم براحتك.
أغلقوا باب البرلمان وأَخْلِقوا بعضكم، ماهمُنا لو غِبتُم عنا شهرا أو اثنين أو عامين؟ سنُرسل لكم الملاوي إن ظلّ بمخازننا سميد لم تمتد له أيدِ الفاسدين من (بعض زملائك المحترمين). سنُرسل لكم فودكا وراقصاتٍ شرقيّات يرشق عليهن (بعض زملائك المُحترمين)، سنرسل لكم أشرطة للقرضاوي وكُتبا لابن تيمية وسأسجل صليل الصوارم على 'فلاش ديسك' حتى لا يُـغادر الإلهامُ صدور (بعض زملائك المحترمين). سنبحثُ في القمامةِ عن صور لـبن علي ونغسلها من البُصاق والعفنِ والعار ونرسلها حتى لا يفارق النومُ أعين (بعض زملائك المحترمين). سنُرسل لكم ماء الفرق، وحبة البركة والحصن الحصين والنفّة. سنرسل لسامية أقراص البنادول حتى لا يؤلمها رأسها من تهديداتِ إئتلاف الرُجلة. وسأحرص شخصيا أن أخبّئ حصتكم من عائدات الفسفاط والبترول في صدريتي ريثــما تنتهي الكرنا.. الكوريـنا.. الكورونا.
تـأخلقُوا بعيدا عنّا يكفينا الوباء وقلة الحُب والحشو في لغة الرئيس ووزارة الصحة التي تحملُ لنا الموت في بيان أزرق كل ليلة. نتشبث بالحياة لأننا نحبها، نشبث بالبلد لأننا نحبه، لكنّ أيدينا زلقة والحافّة تزدادُ انحدارا كل يوم. اتركونا بسلام.
أغلقوا باب المجلس وعلموا بعضكم ماتريدون إملاءه على شعبٍ يستمد من باردو شُحنة عنف يُوزعها على سماءه فتُمطر السموم، ونبتل بماءها، ويخرج الأطفال ليلعبوا في الوحل خارجا مُرددين:
"-اسكت وانت تهبهب كِ الكلبة .. هات الكُرة يا داعشي .. يا كلوشار!
- ايجا نلعبو غميضة يا كاراكوز .. شد حُليلة يا زغراطة!
- يا يتامى بن علي.. هيا نحّيو التوت من شجرة عم الهادي.. أطلع فوق الشجرة يا كافر يا عدو الله."
لم أرى بعُمري اشاعات، تحارب الاشاعات.
4 صباحًا.
أنا والانسومنيا نأكل البسيسة ونشاهد وصفات تصفية الوجه على يوتوب، القهوة وزين الزيتون يقشران الجلد الميت تقول هذه الفتاة المصرية التي تنشر نصائح عن تصفية الوجه وحلق الشعر وارضاء الأزواج. ذهبتُ الى المطبخ، وضعت البنّ والزيت في صحن وخلطتهما بأسفل الشوكة، انطلقت للحمّام فرحة بالخليط المُعجزة القادم من الصّعيد، فركته على وجهي بأصابع مبللة في حركات دائرية وانتظرت ربع ساعة لأرى وجهي الجديد. في ذاك الوقت، عُدت الى يوتوب لأكمل البحث عن وصفات أخرى وانتظروا المفاجأة: يوجد سيدة أمريكية تتحدثّ عن فوائد المنّي. يبدو أنّ المني يمنح الوجه إشراقة ونضارة.
أتذكر أني تابعت يوما احدى جلسات البرلمان، لا أتذكر ما المناسبة، لكنني جلستُ في مكتبي أقضم قلما وأتفحص وجوه الحاضرين. قفز إلى ذهني حينها سؤال عن وجوه بعض النواب وهُم يستمنون. البعض منهم، لشدة انقباض ملامحهم طيلة الوقت ولكثرة العرق الذي يغزو جباههم، يبدون أنهم على وشك القذف. على كل حال القذف العلني في البرلمان ليس غريبا عنهم.
أستغفر الله، أعوذ بالله. وما شأني؟ أنا لا أقذفكم يا أستاذ، هذه أفكار الفجرِ يتقاذفها عقلي المُسيس. ليت كل الدنيا فجر- قال المسعدي.
أنا أصارِع أفكاريَ القذرة طُول اليوم لكن الأرق والبسيسة والأريكة التي أخيّم بها يجعلونها أسوء. لا يُقلقني فعلًا أيّ تصوّر يأتي بهِ عقلـي الفاسقُ هذا طالمـا حُوصر بين جدرانِي، لكنني أخاف ردة فعل أمي. طُوبى للوُدعاءِ المُحتشمين الذيّن يخافُـون السؤال وينامون باكرا.
الورطةُ، أنك حر بمجرّد ما تصبح الرقابةُ الذّاتية ورائك. ثم سيظهـرُ عدوّ أخطر: العائلة، العائلة التي تُغرقك بالمحبة والدفء حتى تصير ليّنا فيعجنونك بين أصابعهم لتُصبح مايشاؤون. يُمكننـي في هذا الفجر والجميع نيام أن أكون أيّ أحد. يُمكنني أن أُغلق الباب المؤديّ لمن كُـنت، وأصيرَ من أريد، أو أن أُوصد الباب المؤديّ إلى إحتمالاتِ من أكـُون، وأعلق مع نفسي ستيّن سنة أخرى على الغالب، أتخيل السياسيين عُراة كي لا أهابهم، أكتبُ الأخبار وأعُد الموتى. أكررّ: يسقط النظام، ولا يسقط.
النظام يا سي مبروك، النظام الذي يُضاجع الهامشيين الذين لن يقدروا أثناء هذا الحجر أن يقرؤوا الروايات ويشاهدوا الأفلام؛ أترى يا أستاذ، أنا أيضا أتَبرجزُ مثلك وتُعميني رفاهية العمل من المنزل وثلاجتي ممتلئة، عن الملايين ممن لا يملكون قوت يومهم وسيخسرون الكثير بعد مرور الأزمة. تُعميني عن الطلبة الذين قد يُحرمون من النجاح لأنهم لا يملكون حواسيب وانترنت للتعليم عن بُعد. التعليم عن بعد.. قولوا هذا للشبابيك المكسورة والكراسي الصدئة والأسقف الماطرة.. قولوا هذا لشقوق الجدران والقاعات الايلة للسقوط. قولوا هذا للمخابر الفارغة، والمكتبات الفارغة، والميزانيات الفارغة.
نزعتُ قناع القهوة والزيت، ولم يتغير شيء بجلدي. أنا ألبس الأقنعة وأنزعها منذ مدّة يا سي كرشيد لو تعلم.. كلنا نريد أن نرتفع حتّى فوق الجثث، كلنا ننسى مبادئنا وأولوياتنا أحيانا.
9:30
اليوم التاسع من الحجر الصحي. أستيقظ على صوت أختي تبحث عن قميص نظيف بخزانتي وتغني; "باغي نتزوج فاطمة.. 2020 سنة سعيدة..لا لا لا"
- ايّ، هانا. غارقين في السعادة للعنكوش.
صباحُ الخير أيها العالم.. يلا، فاجئني.
تعليقك
Commentaires