الإسلاميون والثورة: من الازدراء إلى الاحتواء
بقلم: سفيان بن حميدة
مع اقتراب الاحتفالات بالذكرى الثامنة للثورة، تواترت وتسارعت تصريحات القيادات الاسلامية. وكانت كلها تصب تقريبا في خانتين اولهما تمجيد الثورة وتعداد مناقبها مع ابراز دور الحركة الاسلامية في نجاحها ابان اندلاعها وخلال السنوات الثمانية الماضية التي تلتها. وقد ذهبت احد القيادات الاسلامية الى القول ان حركة النهضة هي التي اهدت الحرية الى الشعب التونسي فيما لم تخجل قيادية اخرى من حزب النهضة من التأكيد أن حركتها هي التي شيدت القناطر ومدت الطرق. أما الملف الثاني الذي تركزت حوله تصريحات القيادات الاسلامية فيتعلق بالتعويضات وأحقية الاسلاميين بها وعدم قبولهم بمناقشة الموضوع أو مراجعته.
وقد تبدو هذه المواضيع متباينة الا أنها مترابطة أيما ترابط في جوهرها. ذلك ان اعادة كتابة التاريخ السياسي للبلاد في شكل يعطي للحركة الاسلامية دورا سابقا ولاحقا للثورة من شأنه ان يوفر للنهضة شرعية تاريخية يسمح لها باقتسام غنيمة التعويضات بين عناصرها. ولا يهم تبعا لذلك ان كانت هذه الصياغة للتاريخ موجهة أو مشوهة مادامت تخدم الهدف الأسمى وهو التعويض عما يعتبرونه نضالهم طيلة سنوات طويلة ذاقوا خلالها أنواع الاضطهاد والقمع.
الا أن التاريخ لا تكون صياغته أبدا وفقا للأهواء الشخصية أو الأهداف الضيقة. ويظهر تاريخ الثورة ان الاسلاميين لم يشاركوا البتة في أي مرحلة من مراحلها بدءا باعتصامات الحوض المنجمي وصولا للمظاهرات التي عصفت بنظام الحكم والتي تواصلت في جميع مدن البلاد من 17 ديسمبر 2010 حتى 14 جانفي 2011. وقد ذهب محام من القيادات الكبرى لحركة النهضة، صبيحة الرابع عشر من جانفي الي غلق باب دار المحامي في شارع باب بنات حتى لا يحتمي بها المواطنون الهاربون من الغاز المسيل للدموع ومن هراوات البوليس.
والحقيقة ان شعارات الثورة التونسية المطالبة بالشغل والحرية والكرامة الوطنية هي أبعد ما تكون عن اهتمامات الحركة الاسلامية طيلة تاريخها. فصراعها مع النظام لم يكن من اجل المطالب الاجتماعية وانما من أجل الحكم. وشعار الاسلاميين الأساسي والأوحد كان شعار الاسلام هو الحل. لذلك لم يشارك الاسلاميون في الحراك الشعبي الثورى الذى قاد الى سقوط النظام لانه كان حراكا لا يحرك سواكنهم ولا يخدم هدف قيام الدولة الاسلامية. وقد دأب الاسلامييون على النأي بانفسهم عن المشاركة في كل التحركات الشعبية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال لنفس الاسباب وبالدوافع ذاتها. فخلال الأزمة الاجتماعية التي شهدتها البلاد في نهاية السبعينات والتي أدت للاضراب العام في 26 جانفي 1978 أصدرت حركة الاتجاه الاسلامي التي أصبحت حركة النهضة فيما بعد، بيانا تعلن فيه عدم مساندتها للتحركات الشعبية التي كان يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل ودعت مناصريها لعدم المشاركة في الاضراب العام.
وللحقيقة أيضا فأن المسألة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان لم تكن بدورها البتة من اهتمامات الحركة الاسلامية. وقد كانت علاقة الاسلاميين بالحركة الحقوقية وبالحركة الديمقراطية في مجملها علاقة نفعية وانتهازية بالأساس. فقد استجاروا بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان طلبا للحماية وانخرطوا في الحركة الديمقراطية في اطار التقية. بل ذهب بهم الأمر خاصة بالنسبة لقيادات الصف الثاني الى الانخراط في الأحزاب الديمقراطية لا سيما حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والتجمع الاشتراكي التقدمي. وقد رأينا الاسلاميين فرادى وجماعات يغادرون الحزب الجمهوري بعد الثورة ويعلنون انتماءاتهم العميقة ويلتحقون بكوادر حركة النهضة.
ووجدت لحركة الاسلامية ضالتها بعد الثورة في رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة فساندتها مساندة مطلة وأطلقت يديها لتعبث بملف العدالة الانتقالية ايما عبث. ولم يكن ذلك ليقلق الاسلاميين ما دامت رئيسة الهيئة تقاسمهم حقدهم على الدولة البوقيبية وتسعى مثلهم لاعادة صياغة التاريخ السياسي للبلاد بشكل يعطي لمعارضي الزعيم بورقيبة وخاصة الاسلاميين دورا أكبر ويمنحهم الشرعية التاريخية التي تخول لهم اقتسام الغنيمة الراجعة للمنتصرين. ولئن فشلت هيئة الحقيقة والكرامة ورئيستها فشلا ذريعا في اعادة كتابة التاريخ السياسي لتونس الحديثة وصدت دون العبث بالذاكرة الوطنية فانها استطاعت في آخر لحظات مدتها ان تضمن بعضا من الغنيمة للاسلاميين وتوزيع التعويضات عليهم. ولم يكن ذلك ممكنا دون تواطؤ فئة من الحداثيين الذين سايروا الاسلاميين في منطقهم الغنائمي لاعتبارات وحسابات سياسوية وانتهازية.
تعليقك
Commentaires