العنف ضد النساء يقتل كيما الوباء!
7 الاف ضحيّة -العنف ضدّ النساء، الفيروس الذي لا نتحدث عنه!
خلف أبواب الحجر الصحي: العنف ضد المرأة يتضاعف بنسبة 5 مرات في تونس!
الكاف: عون أمن يُطلق النار على زوجته ويُرديها قتيلة
رواد الفيسبوك: رفقة الشارني قتلها القضاء المُتهاون في تطبيق القانون وقتلتها النيابة العمومية
رفقة الشارني هي شابّة تونسية قُتلت بستة رصاصات لم يُطلقها فقط زوجها السفّاح، بل ضغطت على الزناد معهُ، الدولة التونسية.
حين يُمارس رجال الأمن العنف والتعذيب والقتل، ترتفع التبريراتُ التي تحيطهم بدروع الافلات من العقاب- تتواطئُ الدولة والقضاء في اخفاء كلّ أثر لجرائمهم، وقد يُحاصر زملائهم قصر العدلة ويقتحمونه لاخراج الجُناة من المحاكم، لأّنهم "الرُجلة تعرف الرُجلة" ولأنّ التضامن السكتاريّ بين النقابات الفاسدة اذ دُعّم بتضامن ذكوري فانّه أصبح لا يُقهرـ ولأنّ الدولة البوليسية هي ذاتُها الدولة الذكورية- المبنيّة دون حياء على هيمنة "الرُجلة"، ولذلك فان جريمة قتل المواطنة رفقة الشارني هي جريمة دولة بقدر ما هي جريمة مبنية على النوّع الاجتماعي لم نجد لها بعد تسمية في المعجم العربي:
féminicide / أو جرائم قتل النساء هي جرائم قتل ترتكب ضد النساء بناء على الجندر ومركزهنّ الاجتماعي المُستضعف وليست مجرد تسمية نسوية منمّقة. هي جريمة قتل يتساهل معها المجتمع المحافظ القاتل للنساء والدولة التي تحكمها الذكوريّة المركزية ويسنّ قوانينها وسياسياتها رجال. وتحدث هذه الجرائم بوتيرة متكررّة وممنهجة، لأتفه الأسباب، ودون أسباب ويشترك فيها كلّ من القاتل والمحرّض على القتل والمتساهل مع القتل في خانة الجناة.
رفقة الشارني لم يقتلها فعليّا زوجها، بل الدولة التي تحمي الذكورية وترعاها وتفرشُ لها أرضية الافلات من العقاب وتتعاطفُ معها، وتساهم في جعل النساء فئة هشّة مرتهنة للوجود الذكوريّ ليوفر لها شرعية وجودها- رفقة بنت فلان حرم فلان ... لفلان الحقّ في تعنيفها وحبسها واغتصابها وبيعها وشرائها ومنعها من التنقل والسفر والعمل والدراسة، فلان هو الوصيّ عليها وعلى جسدها وأفكارها و وهو "رئيس العائلة" وعليها أن تطيعه.
الدولة التي ساهمت في تشبيك بنى الهيمنة الأبوية واقامة سُلطانها على أجهزتها العدليّة والأمنية... الدولة التي تتشبث بتشريعات متخلّفة تجعل النساء مواطنات من درجة ثانية، الدولة التي حاكت ببراعة سرديات ربّ العائلة وعرّفته على أنه المتحكم في الموارد المالية للأسرة ومنحته سلطة الهيمنة على نواة المجتمع الأولى ثم على المجتمع ببرمتّه - الدولة التي ضمنت للنساء الهشاشة والارتهان لذكر، والتي تقصي النساء من مراكز القرار، وتتكاسل في محاربة العقليات البارترياكية خوفا على النمط المجتمعي... النمط الذي أنتج أجيالا من الذكور القتلة والنساء-القبور.
لم هي جريمة دولة وليست جريمة مجتمع؟ لأننا لم نعد مجتمعا عشائريا أو عقائديّا لا كيان سياديّ فيه، لأنّه بيننا وبين الدولة عقد اجتماعي يمنحها السلطة السياسية والتشريعية والتنفيذية والموارد اللازمة لحماية النساء (والمواطنين بصفة عامة). لأنّ المجتمع مهما كان قبليّا ومُتخلفا ومهما حكمته النزعة الأبوية فانّه يمتثل لدولة يحكمها القانون- لأنّ رفقة حين قررت أن تتقدم بشكوى لم تتقدم بها لرجل دين أو شيخ القبيلة بل تقدمت بها للمؤسسة الأمنية التي تجاهلتها وتفهّتها وتهاونت في التعامل معها بجديّة وقتلتها بستّ رصاصات. هذه الجريمة ليست فرديّة وليست معزولة أو شاذّة كما يحاول الجهاز الأمني المتواطئ تصوريها عبر المداخلات الاعلامية المثيرة للشفقة، من الغباء أن نجرّد الدولة من مسؤوليتها السياسية التي فوّضناها لأجلها- والا فما قيمةُ الدولة، وأي نفع قدّمته لنا؟ الصورة الظلماءُ كما هي لا تحتاج تحليلا عميقا : بوليس حامل للسلاح (يمثّل الدولة)، بعد أن أفلت من عقاب الاعتداء على زوجته بالعنف الشديد بتواطئ من وكيل الجمهورية والأمنيين الذين تلقوا الشكوى (يمثلّون الدولة) يقتل مواطنة بدمّ بارد. اعادةُ صياغة الجملة تفضي الى : الدولة تقتل مواطنة بدمّ بارد.
طبعا، وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بولاية الكاف لم تقم بدورها، لأن مثل هذه الوحدات الشكليّة هي مجرد تعبيرات أخرى عن الادراة التونسية الفاشلة التي تُغلق أبوابها ظهر الجمعة لتأدية الصلاة جماعة، ولا تتضمن أعوانا مختصين ومدربين في مكافحة العنف المبني على النوع الاجتماعي... مجرد مكتب اخر، خال من المختصين في المتابعة النفسية، يضم حاسوبا وكرسيّا وبوليسا بعصا غليظة وكومة أوراق مصفرّة. إذا تم اتخاذ تدابير وقائية طارئة في ذلك اليوم..حين قدمت رفقة لتقديم شكوى، كما هو منصوص عليه في القانون 58 لمكافحة العنف ضد المرأة.. لتمّ ايقاف المجرم وحماية السيدة وأبنائها، وتوفير المتابعة القانونية والنفسية لهم واعلامها بحقوقها واحاطتها علما بمسار التقاضي الممكن... لكانت رفقة حيّة. لكنها واجهت ثلّة من المجرمين، المتواطئين مع صديقهم المجرم، في دولة يحكمها المجرمون ويسن تشريعاتها المجرمون.
منذ 2017 تاريخ دخول قانون مكافحة العنف ضد النساء الى اليوم ..لم يتم تسخير الميزانيات اللازمة لتوفير آليات حماية النساء المتعرضات للعنف وتركيز مؤسسات الحماية والتعهد العمومي بالضحايا. واقع مراكز الشرطة والمحاكم ليست واقع الخُطب السياسية كل عيد مرأة، غياب التطبيق الفعلي للقانون يترجم من خلال عدم الجدية في التعامل مع شكاوي ضحايا العنف وأحيانا العنف المضاعف الذي لاقينه من قبل أعوان الأمن الذي يحاولون منع الضحايا من تقديم شكوى أو يرفضون كليا تلقي شكاويهنّ بحجة أنها ليست من ضمن أولوياتهم! لا يسعنا أن نتخيل ما مرّت به رفقة من تتفيه وتلاعب لحقه تلكؤ وكيل الجمهورية في اتخاذ تدابير استعجالية و في الإذن بإبعاد المعتدي أو حتى مصادرة سلاحه لى غاية تسوية وضعيته القانونية. هشاشة البنية التحتية للتعهد بالنساء ضحايا العنف، واستحالة وصول النساء للعدالة في مراكز الأمن والمحاكم الصورية قتلا رفقة أيضا... ما حدث هو أنّ الدولة ربّتت على كتف المعتدي ومنحته ستّ رصاصات بعد أن تمت برمجتهُ لسنوات على أنّه "راجل" ويمكنه أن يفعل ما يشاء- ثم تمّت برمجته على أنه "حاكم" يملك امتيازات تجعله فوق القانون.
العنف ضدّ النساء يقتل كيما الوباء*... وقد تكونين أنت التالية. لست بأمان، لأن الدولة تخلّت عنك، وعن دورها الاجتماعيّ في حمايتك من جرائم القتل المنظم ضد النساء، لأنها تُصنّع القتلة وترعى النموذج المجتمعي العفن الذي يعمل على أن تكون النساء، في حالة عزاء دائم.
عبير قاسمي
*الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
تعليقك
Commentaires