الغنوشي رئيسا لتونس...
لم تفاجئ النائب بمجلس نواب الشعب عن كتلة حركة النهضة يمينة الزغلامي، المتابعين للشأن السياسي عندما قالت إنّه «وفق القانون الأساسي للنهضة فإن راشد الغنوشي هو مرشحنا للانتخابات الرئاسية».
هل أنّ مثل هذه التصريحات، هي مجرّد بالون اختبار وجسّ للنبض؟ أم هي عاكسة لرغبة سياسية لدى الغنوشي للوصول الى قرطاج؟
كلّ شيء يوحي بأنّ الحراك السياسي الراهن في البلاد، غير منفصل عن الانتخابات التي ستجري في الثلاثية الأخيرة من هذه السنة، فالبلاد، رغم الخطابات التي تدّعي الاهتمام بمشاكل المواطنين ومشاغلهم، تسير على وقع الحملات والحملات المضادة بغاية دفع المضرّة وجلب الأنصار.
يوسف الشاهد يعيد سيناريوهات مازالت عالقة بأذهان التونسيين عن الزيارات الفجئية الفلكلورية غير المجدية مع التركيز على التصوير والترويج.
الباجي قائد السبسي لا يجد مناسبة الاّ ويذكّر فيها بأنّه الضامن للدستور رغم الخروقات اليومية التي نشهدها، وأنّه الضامن للاستقرار في البلاد رغم سكوته حدّ التواطئ مع وضعيات سياسية مربكة للبلاد وحتّى مدمّرة للسلطة القضائية.
حمّة الهمامي يبحث عن نفسه وسط وسائل الاعلام ليكرّر نفس الجمل التي تعوّد عليها الناس دون أدنى مضمون يمكن أن يقدّم بديلا وأجوبة عن الأسئلة التي تطرحها المرحلة.
مهدي جمعة خرج من كلّ الحسابات بعد أن أخذ بنصيحة غير المنغمسين في الوضع التونسي، فكوّن حُزيِّبًا، أخرجه من المعادلة وجعل منه شخصية بعيدة عن اهتمام التونسيين بعدما كان يتصدّر استطلاعات الرأي.
محمّد عبّو استطاع أن يرسم لنفسه صورة الرجل الصادق الجدّي ولكن لم يستطع أن يمحو من ذاكرة التونسيين أنّه جزء من الترويكا التي كانت مسؤولة عن الانهيار السياسي والقيمي والأخلاقي والاقتصادي في تونس بل كانت المسؤول الرئيسي عن الاغتيالات.
سامية عبّو التي وجدت نفسها ضمن المتسابقين حسب شركات سبر الآراء التجارية، القادرة على إخراجها من الثلاثة الأوائل اذا تغيّرت المعادلة السياسية المالية، فلقد استطاعت أن تمارس دورا رقابيا خاصة في علاقة بقضايا الفساد الاّ أنّه اعتمدت سياسة اتصالية عنيفة يتمّ الترويج لها عبر الفايسبوك من قبل صفحات ومجموعات، كانت الى وقت قريب أداة من أدوات ماكينات التشويه والاعداد للعنف
عبد الفتاح مورو ينظر اليه التونسيون نظرة فولكلورية وأحيانا كاريكاتورية، فالرجل قادر على تبديل الموقف مرّات ومرّات في اليوم الواحد.
المنصف المرزوقي، أصبح مجرّد ذكره بالنسبة الى العديد من التونسيين بمن فيهم من كانوا الى وقت قريب أنصارا له، هو إحالة واشارة على تحقير الدولة ومؤسساتها، فالرجل تنقصه الجدية ويعوزه العقل والثقة، ألم يتمّ اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي وأبناء هذا الشعب من الجيش الوطني، دون أن يقنعنا بأنّه ضدّ أولئك القتلة، ألم يستقبل حاملي تلك الرؤى ومنظري تلك المقاربات في قصر قرطاج. إنّ الإرهاب هو ممارسة بالفعل للترويع والتكفير والعنف ولكنّه أيضا هو حالة كمون بالقوّة يمكن أن تتجسّد اذا توفّرت أدوات وعناصر ذلك التجسيد.
نجيب الشابي، له تجربة سياسية راسخة وصورة جيّدة لدى التونسيين خاصة في علاقة بمقاومة الديكتاتورية، الاّ أن الرجل كان كالماء يجري لم نقف له في حياته على وقفة قطّ كان كالمستعدّ الى الرحيل لا ينقضي عنه الرحيل السياسي، فللرجل عشرات المواقف أحيانا من القضيّة الواحدة.
أمّا بالنسبة الى راشد الغنوشي، فالرجل يخوض معركة اتصالية دقيقة، أصبح يهتمّ بأدق التفاصيل حتى تلك التي لا يعتني بها الإسلاميون أو على الأقل لا يعتبرونها من تقاليدهم، من تغيير "اللوك" الى ''ربطة العنق الافرنجية'' الى صور السيلفي مع الشقراوات و''السافرات''... أليس تلك هي سياقاتهم المفاهيمية؟
أولئك المتصارعون دون موجب أو مبرّر واضح للصراع، ودون برنامج أو رؤية أو تصوّر يستحقّ القتال الدائر، هم يضعون نهاياتهم بأياديهم ويفتحون طريقا سالكة لصعود المقاربة الاسلاموية، التي لم تثبت بعد أنها قادرة على بناء الأحزاب والعمل ضمن سياقات الدولة المدنية أو الايمان بالديمقراطية التي هي بالنسبة اليهم المدخل الأوّل للوصول الى السلطة ثم الاجهاز عليه، فالاسلاميون لا يمكن أن يعتقدوا أو يؤمنوا بإرادة الشعوب حتّى وإن قالوا ذلك أو صرّحوا به.
اليوم هناك العديد من المؤشرات على أنّ راشد الغنوشي يرغب في أخذ نصيب من قصر قرطاج مثلما أخذه الكثيرون.
العديد من المتابعين يعتقدون أنّ الغنوشي لن يترشّح خلال الانتخابات الرئاسية، لأنّ شركات سبر الآراء لم تضع اسمه ضمن الثلاثة أو الأربعة الأوائل، ولكن لنبحث أولا عن العناصر التي تجعلنا نعتقد، ولو نظريا، بأنّه سيترشّح.
لم يكن كلام النائب بمجلس نواب الشعب عن كتلة حركة النهضة يمينة الزغلامي كلاما عبثيا، فهي تعلم مجالاته وحدوده.
المؤتمر العاشر لحركة النهضة المنعقد في ماي 2016 أجمع فيه الخبراء والمتابعون حتى العديد من النهضاويين أنّه كان على قياس شق راشد الغنوشي، الذي طالب بدعم سلطاته وتمكينه من صلاحيات أشمل.
لكن عندما نبحث في تفاصيل المؤتمر الذي يتجسّد من خلال لوائحه وليس من خلال التصريحات الصحفية المتناثرة هنا وهناك، فانّنا نجد بوضوح أنّ اللائحة الهيكلية والتنظيمية تقرّ صراحة « أن يكون رئيس الحزب هو مرشحه الطبيعي لتولي المناصب العليا في الدولة (رئاسة الدولة أو الحكومة أو البرلمان)» وذلك تجنبا للازدواجية على حدّ ما ورد في النص.
اذن حسب لوائح المؤتمر وهو أعلى سلطة في الحزب فإنّ المناصب العليا في الدولة هي حكر على راشد الغنوشي الاّ اذا قرّر هو التنازل.
وفي صورة التنازل فلا شكّ أنّ سوف يرشّح شخصية لا مجال فيها للاختلاف معه أو حتّى مجرّد الإمكانية لذلك.
راشد الغنوشي، حسب المؤشرات السياسية والقانونية والحزبية والاتصالية أصبحت له الجاهزية والاستعداد للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فالنظام الداخلي لحزب النهضة يتيح له ذلك ولوائح المؤتمر العاشر تمت صياغتها لذلك الغرض ونصّت اللائحة الهيكلية والتنظيمية على ذلك بوضوح، وله الأغلبية داخل حزبه.
لقد استطاعت نهضة الغنوشي أن تحيل، ولو مؤقّتا، الباجي قائد السبسي على التقاعد المبكّر، وأن تنهي علاقتها بابنه الذي تزداد عزلته بين رفاقه، وأن تجعل من يوسف الشاهد جوادا للمعركة وأن تطبّع مع محسن مرزوق الملتحق بحكومة النهضة وأن تجعل من سمير بالطيب كثير الصمت وأن تحيل الجبهة الشعبية على الاهتمام بقضايا النهضة دون سواها وأن تصالح التجمعيين وأن تنشر ثقافة اليأس والنكوص وأن تدفع الى الأزمة الاقتصادية ... اذ اثبت التاريخ وهو ما أكده علم الاجتماع السياسي والاقتصاد السياسي أنّه عندما تشتدّ الأزمة الاقتصادية يميل الناس الى تفسير الظواهر تفسيرا غيبيا ميتافيزيقيا فتنتعش ''الذهنيات'' الغيبية وينتشر ''المفسّرون'' والمحقّقون والناقلون لرسائل غير مادية، إنّ اليمين الديني يستفيد من الأزمات ومن انسداد الأفق ومن ظواهر العنف وظلال الإفلاس... وهي كلّها عناصر متوفّرة في الواقع التونسي الراهن.
قد يعتقد الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد، أنّ تصفية أحدهما للآخر سوف تعود الى المنتصر بالفائدة، وهذا خطأ، فالسبسي سلّم سلاحه الفتاك لابنه فأرداه به، أمّا الشاهد فإنّ قاتليه ينصحونه بتأسيس حزب حتّى يتمكّن من خلاله من البرلمان ليتمكّن من الحكومة التي لها صلاحيات أكبر في الدستور، إنّما يعيد تجربة المهدي جمعة، وبمجرّد خروجه من الحكومة ببعض الأيام سوف يحال على النسيان.
بالنسبة الى حمّة الهمامي، لن يكون رقما في المعادلة إن لم يغيّر الخطاب والقيادة والبرنامج، أمّا المرزوقي فلا حاجة له للالتفات يمينا أو شمالا اذ لا تنظر عيناه الاّ لقرطاج، ولكن الطريق أمام وعرة ومقطوعة، أمّا بقية المرشّحين فإنّ شرف المشاركة قد يكفيهم باستثناء محمّد عبّو إن تنصّل بوضوح من ارث الترويكا القاتل.
تبقى الطريق شاسعة واسعة سالكة معبّدة أمام راشد الغنوشي، ولكن يعيقه شيء وحيد وهو غياب حبّ الناس له، فمن لا يحبّه الفقراء وأبناء الشعب قد لا يأمل كثيرا في الوصول، اللهم اذا سلك مسلك المتحيلين كما فعل أسلافه المفترضين.
تعليقك
Commentaires