الغنوشي ينتقل من منصب رئيس حركة النهضة إلى زعيم مؤسّس للحزب
يفصل الحركة الإسلامية النهضة عن عقد مؤتمرها الحادي عشر شهر فقط لإنتخاب رئيس جديد للحركة، هذا المؤتمر أصبحت بوادر عدم انعقاده هذه السنة واضحة وشبه مؤكّدة حيث انقسمت قيادات النهضة بين من يُريد أن يُحافظ على ألوهية راشد الغنوشي على رأس الحركة وجعله زعيما لا بديل له وبين الذين يؤمنون بمبدأ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة مندّدين بتواصل ترأس الغنوشي للحركة في دورة ثالثة مخترقا بذلك النظام الداخلي للحزب.
وتفاديا لخرق القانون الداخلي للنهضة الذي ينصّ في فصله 31 على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحركة لأكثر من دورتين متتاليتين''، حاول أنصار راشد الغنوشي إيجاد حلّ وسط للحفاظ على مكانته داخل الحركة واقترح القيادي في الحركة الإسلامية ورئيس مجلس شوراها عبد الكريم الهاروني، رفقة رفيق عبد السلام، مبادرة تحمل عنوان ''من أجل مؤتمر توافقي يجدد مشروع النهضة ويحقق التداول القيادي'' وقاما بإرسالها لكلّ قيادات الحركة بتاريخ 16 أكتوبر الجاري. هذه المبادرة تهدف إلى تفعيل الحوار داخل قيادات الحركة للحفاظ على وحدتها ولتجنّب كلّ أشكال التجاذبات والخصومات الداخلية، كما تهدف إلى استحقاق التداول القيادي والجيلي في إطار من المرونة والتدرّج المرحلي. ودعا الهاروني وعبد السلام من خلال هذه المبادرة إلى تأجيل إجراء المؤتمر هذه السنة لمدّة سنة أو سنتين متعذّرين بالحالة الصحية التي تمرّ بها البلاد في حين أنّ الحالة الصحية الحرجة التي تمرّ بها النهضة من انشقاقات داخلها بسبب رغبة هؤلاء الحفاظ على الغنوشي في زعامة الحركة هو سبب تأخير المؤتمر.
ومن الأسباب التي تمّ ذكرها في المبادرة لتأجيل المؤتمر الحادي عشر للنهضة لسنة 2023، هي الحاجة لإدارة حوار معمّق واستيفاء الوقت الكافي لصياغة تصوّر تجديدي للحزب مع ضبط أولوياته في المرحلة القادمة. الهاروني من خلال هذه المبادرة أراد إيجاد حلّ جذري وناعم للحفاظ على دور هام للغنوشي وأطلق عليه اسم ''دور الزعيم المؤسّس'' ودعا إلى الفصل بين رئاسة الحركة والترشّح للمناصب العليا في الدولة بعد انتخابات 2024. أنصار راشد الغنوشي من خلال هذه المبادرة دعوا إلى الإعلان خلال المؤتمر الحادي عشر أنّ زعيم الحزب هو المرشّح الرسمي للمناصب السيادية في الدولة وتقنين ذلك على مستوى النظام الأساسي مع الإلتزام بإسناد زعيم الحزب ومساعدته للقيام بدوره في ما تبقى من عهدته النيابية.
الهاروني وعبد السلام أبناء الغنوشي بهذه المبادرة أرادا استبلاه عقول القياديين بالحركة وأن يُثبتا أنّ زعيم الحركة راشد الغنوشي حجر أساس في الحزب لا يمكن المساس به وحتى إن تمّ انتخاب رئيس جديد للحركة الإسلامية فإنّه لا يساوي شيئا أمام الغنوشي وزعامته. هذه المبادرة هي رسالة مضمونة الوصول للمئة قيادي الذي وقع على عريضة ضدّ ترشّح الغنوشي لدورة ثالثة، في حين أنّ الهاروني يدّعي أنّها ليست كذلك وأنّها لاقت ترحاب من قبل العديد من القيادات داخل الحركة. وفي تصريح إعلامي له كشف الهاروني عن مدى ولائه للغنوشي قائلا ''رئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي هو شخصية كبيرة في النهضة وشخصية وطنية كبيرة في تونس وإقليميا ودوليا وهذا زعيم كبير لحزب كبير ولا يمكن التعامل معه بمجرّد تطبيق قانون حرفي أي بانتهاء مهمّته نقول له أن يذهب ليرتاح ويكتب مذكّراته''.
عبد الكريم الهاروني لم يُبالي رفقة رفيق عبد السلام باستراتيجية الغنوشي الأنانية في إدارة شؤون الحزب منذ توليه رئاسة الحركة لمدّة دورتين، ونسي أنّ زعيمه ساهم في تفجّر بنيان ووحدة أوصال هذا التيار الإسلامي الذي ما انفكّ يدّعي اللحمة والوحدة، وكان تفكّك قواعد النهضة تجسّد في تمرّد العديد من القيادات على سياسة الغنوشي وتقديمهم لإستقالتهم من النهضة على غرار كلّ من أمين عام الحركة زياد العذاري وزبير الشهودي و لطفي زيتون وكانت أقوى استقالة غير متوقّعة هي استقالة القيادي وعضو مجلس شورى حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في مارس الفارط بعد 40 سنة تجربة في الحركة الإسلاميّة. وكان الجلاصي بعد استقالته كشف أنّ قيادات النهضة تعاملوا مع الدولة بمنطقة الغنيمة بطريقة سيئة ورديئة، واعتبر أنّ محاولات الإبقاء على الغنوشي في رئاسة الحركة هو تكرار لخطأ الحزب الدستوري وبورقيبة والنداء والباجي قائد السبسي. كما أكّد أنّ المؤتمر الحادي عشر هو المؤتمر الانتقالي ولو كان الغنوشي ينوي تمرير السلطة لبدأ في تفويضها تدريجيا لكنه لا ينوي المغادرة وسيبحثون عن آليات قانونية لتجديد عهدته.
في شهر سبتمبر الفارط، تفاجئ الغنوشي بإمضاء 100 قيادي من الحركة على وثيقة بعنوان " مستقبل النهضة بين مخاطر التمديد وفرص التداول"، طالبوا من خلالها بعدم التمديد لراشد الغنوشي لولاية ثالثة واستنكر الموقعون على هذه الوثيقة عدم احترام الغنوشي للقانون الداخلي للنهضة الذي ينصّ في فصله 31 على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحركة لأكثر من دورتين متتاليتين". هذه الوثيقة كشفت أنّ أبناء النهضة نفسهم لا يثقون بالغنوشي او على الأقل 100 منهم ممن يعتبرون أنه أضر بالحركة في السنة الأخيرة وخلق حولها وهما بأنها تقدّس الزعامات وتشرع للرئاسة مدى الحياة، كما تؤكّد هذه الوثيقة أن ترشح راشد الغنوشي في المؤتمر القادم أو التمديد له هو ترجمة للاستبداد والديكتاتورية. قياديو الحركة الموقعون على العريضة يشددون على أنه يوجد تناقض بين ماضي الحركة التي ناضلت ضد الاستبداد وبين حاضرها الذي يمهد للرئيس الأوحد، كما يصرون على أن ترشح الغنوشي أو التمديد له لن يجلب سوى التنازع وإفقاد الثقة وإضعاف الهياكل ويشجع على استهداف المنظومة الحزبية ونسف ما تبقى من ثقة المواطنين في الأحزاب وكان من أبرز الموقعين على هذه العريضة سمير ديلو ونورالدين العرباوي وآمال عزوز وفتحي العيّادي وعماد الحمامي ومنية إبراهيم ومحمد النوري وجميلة الكسيكسي وعبد اللطيف المكّي ومحمد بن سالم وأسامة الصغير.
مبادرة الهاروني ورفيق عبد السلام لاقت رفضا كبيرا من أبرز قيادات الحركة الإسلامية على غرار القيادي محمد بن سالم الذي اعتبر أنّ تلك ''المبادرة مضحكة وولدت ميّتة''ووصفها ''بمبادرة الضحك على الذقون'' وأكّد أنّ المبادرة "ليست حل وسط وليست مقبولة أخلاقيا" بل هي مباردة تسعى إلى إعطاء مخرج لرئيس الحركة. كما أنّ القيادي بالحركة زبير الشهودي والناطق باسم ما يعرف بمجموعة المائة الرافضة لتمديد ترؤس راشد الغنوشي لحركة النهضة، أكّد أنّه سيعتمد كلّ الوسائل النضالية والديمقراطية بما في ذلك التوجه الى القضاء في صورة تم تحوير القانون الأساسي للحركة بغاية التمديد لراشد الغنوشي على رأسها وبين الشهودي في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء اليوم الثلاثاء، أن التيار الرافض لتمديد تجديد ترؤس راشد الغنوشي لحركة النهضة يعد وازنا صلب الهياكل الرئيسية للحركة بما في ذلك مجلس شوراها ومكتبها التنفيذي اضافة الى كتلة الحزب البرلمانية.
راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وزعيمها وهو رجل ذو شأن كبير في الدولة على مستوى وطني ودولي ولا يمكن أن تتمّ معاملته كبقية القيادات في الحركة وإنّ مسألة عدم ترشّحه لرئاسة النهضة في المؤتمر الحادي عشر حُسمت بتنصيبه زعيما للحركة ولا يحقّ لغيره أخذ مناصب سيادية في البلاد، هذا ما يسعى إلى تفعيله كل من عبد الكريم الهاروني ورفيق عبد السلام بالمبادرة التي أطلقاها سويا.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires