القروي والزبيدي والشاهد وجمعة ... لن ينتصر بالضرورة الافضل لتونس
رحيل رئيسنا الباجي قايد السبسي لم يمر مرور الكرام بل شغل العالم بأسره .. عبارات الرثاء والثناء على خصال الرجل جاءت من كل حدب وصوب، داخل تونس وخارجها ومن قبل شخصيات مرموقة .. الفاجعة تناقلتها كبرى وسائل الإعلام العالمية مثلما يليق ذلك برجل بارز سيظل أحد الكبار. وبالطبع فإن أفضل تكريم للفقيد هو بلا شك تلك الهبّة الشعبية المتمثلة في خروج عشرات الآلاف من التونسيين في يوم شديد الحرارة ليبكوا رئيسهم ويودعوه الوداع الأخير.. المثل القائل "لا كرامة لنبي في وطنه" تم نسفه ودحضه بالكامل نهاية الأسبوعا الماضي .. حتى ألد خصومه مثل سامية عبو ومنصف المرزوقي انحنوا أمام رحيله. سواء كانت تصريحاتهم صادقة أو مزيّفة لا يهم ما داموا لم يبخسوا الرجل حقه .. لذلك فإن هذا السلوك وهذه الوحدة شكلا أبرز مكاسبنا وخصالنا كتونسيين. فقليلة هي الشعوب التي تتصرف على هذه الشاكلة .. قد يبدو الأمر عاديا بالنسبة إلى الأوروبيين لكن ليس عند معشر العرب مثلما عكسته ريبورتاجات قنواتهم التلفزية.
إلى جانب التكريم الذي خص به التونسيون رئيسهم، علينا أن نحيي المؤسسة العسكرية والحرس الرئاسي وقوات الأمن على حسن تنظيم مراسم قبول التعازي والدفن في وقت قياسي .. جميعهم مبعث فخرنا واعتزازنا.. شكرا لنا جميعا لأننا كنا في الموعد .. الشكر الموصول كذلك لأشقائنا وأصدقائنا الذين قدموا من كل أصقاع الكون لتقيد واجب العزاء .. شكرا لك سيدي الرئيس لأنك وحّدتنا في أصعب الظروف وجمعتنا بعد رحيلك .. رحم الله الباجي قايد السبسي أو البجبوج كما يحلو للتونسيين مناداة رئيسهم.
هذه اللحظات المفعمة بمشاعر التضامن والوحدة بين التونسيين منذ 25 جويلية 2019، تذكّرنا بما عشناه خلال الفترة المتراوحة بين 14 و17 جانفي 2011 .. مظاهر تآزر ولُحمة مثالية ما لبثت أن تبدّدت بعودة الفارين من النظام واللاجئين وغيرهم من الإسلاميين الذين كانوا يقيمون بالخارج .. جاؤوا لتفرقتنا وكسر وحدتنا وقد أفلحوا في ذلك .. وحدة التونسيين خلال الفترة من 25 إلى 28 جويلية ستتبدد هي الأخرى ابتداء من الإثنين 29 جويلية .. فاليوم تنتهي آجال تقديم الترشحات للإنتخابات التشريعية وتنطلق الحملة الإنتخابية الحقيقية .. بالتوازي مع ذلك ونظرا للتغييرات الجذرية التي أدخلت على الرزنامة الإنتخابية سيتم الشروع في الحملة الإنتخابية للرئاسية.
قد ندرك كيف نكون بدا واحدة في الظروف العصيبة لكننا أيضا نعرف كيف نتشتت ونتقاتل حين يتعلق الأمر بالسباق الإنتخابي ..
بعد الهجمات التي تعرض لها وما يزال كل من نبيل القروي وعبير موسي (يصفهم البعض بالمافيوزي والمستبدين)، هاهو يكتوي بالنيران ذاتها شخص لم يعرب بعدُ حتى عن نيته الترشح .. يتعلق الأمر بوزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي الذي طالته صواريخ بعض صفحات الفايسبوك وعدد من قياديي الحزب الحاكم، حركة تحيا تونس برئاسة يوسف الشاهد وكلذك من طرف البعض من أنصارها الذين شرعوا في حملتهم على الرجل منذ السبت الماضي أي اليوم الذي شيّع فيه جثمان الفقيد الباجي قايد السبسي .. ذنبه أنه كان وفيا للرئيس ونجح في تنظيم مراسم الجنازة .. فهو لم ينطق بحرف واحد ولم يصرّح حتى للمقربين منه لكن نسب إليه البعض طموحاته للمنصب الرئاسي .. حتى أن أحد الزملاء المختص للأسف في السياسة الخيالية، خصّه أمس بمقال يدعوه فيه إلى توضيح موقفه من المسألة لأن التونسيين، حسب رأي صاحب المقال، سئموا أساليب التكتّم والتلاعب .. لذلك طلب من الزبيدي بمصارحة الشعب عوضا عن اللجوء إلى خدمات أشخاص مشبوهين يعملون في الخفاء .. وقد ذكر صاحب المقال إسم كمال اللطيف واتهمه بكونه يقف وراء عبد الكريم الزبيدي وذلك بعد أن فشل في إيصال مصطفى كمال النابلي ولطفي براهم ونبيل القروي.. هراء في ثوب كلام جدي ومعلومات موثوقة لكنها تفتقر إلى أدلة أو حتى التثبت من تلك المعطيات على غرار هذه الجملة التي أوردها في مقاله إذ يشير فيها صاحب المقال إلى إعلام مأجور دون تقديم أي دليل على مزاعمه.. فإذا تتهم وسيلة إعلامية زميلة لها بكونها مأجورة فكيف نلوم عامة الشعب ؟ .. كان على صاحب المقال أن يتحلى بالجرأة ويذكر أسماء وسائل الإعلام المأجورة التي تحدث عنها، مع الحرص على تقديم ما يدعم به كلامه.
أي أنه حتى قبل أن يفكّر المعني بالأمر في مسألة الترشح من عدمه، ها أن النواب ورواد الفايسبوك وبعض المتعاونين مع وسائل الإعلام قرروا وتحدثوا بدلا منه.. يطالبونه بالإفصاح بكل صراحة قبل حتى أن تنقضي مدة 24 ساعة على مراسم دفن الرئيس .. فلنحترم على الأقل فترة الحداد الوطني ولنؤجل هذه الحسابات السياسوية الضيقة والخسيسة.
إذا قرر عبد الكريم الزبيدي الترشح فلا شك أنه سيعلن ذلك في الوقت المناسب .. ليس من شأن نواب البرلمان أو الإعلاميين أن يملوا عليه أجندته ويستعجلوا رجلا في حالة حداد .. وهنا يجدر التوضيح لبعض "المتآمرين": أنا لا أعرف عبد الكريم الزبيدي لكن تصريحاته العلنية القليلة وسمعته الطيبة كشخص وطني ورجل دولة، لا تجعل منه ذلك المرشح فوق الجميع مثلما يدعيه البعض .. غير أن قربه من بعض اللوبيات لا يستدعي التهجم عليه مثلما يقوم به آخرون.
الوصفة معروفة ومستهلكة، منذ سنوات، من قبل جماعة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية .. تضع قليلا من "كمال اللطيّف" وتضيف كمية من "وسائل الإعلام المأجورة" أو "رجال الأعمال الفاسدين" في نص أو مقال مما يعطيه طابعا جديا وعلميا وحسن الإطلاع مع الظهور في هيئة المنشغل والمهتم بمستقبل البلاد. هذه العبارات الفضفاضة هي أنجع وسيلة لمغالطة القراء غير المتبصرين وما أكثرهم .. لكن تلك العبارات الفضفاضة تخفي عقلية تآمرية قد تعصف بالبلاد .. توضيح ثان أتوجه به للمتآمرين: "اللوبيات موجودة في كل الديمقراطيات بل لا يمكن لأي ديمقراطية أن تعيش دون لوبيات .. لذلك حان الوقت للكف عن شيطنة هذه الآلية الضرورية لحسن سير دواليب الدولة".
هذا ما سنتأكد منه طوال الأيام القليلة القادمة .. فالمهدي جمعة ونبيل القروي ويوسف الشاهد ومنصف المرزوقي أو كذلك عبير موسي سيتلقون جميعا طعنات خصومهم والعكس صحيح أيضا.. لا وجود لملائكة في عالم السياسة .. انطلاقا من اليوم سننسى جميعنا مظاهر الوحدة التي عشناها خلال الفترة من 25 إلى 28 جويلية وسنواكب معركة حامية الوطيس وحربا ضروسا بين السياسيين حيث سيتولى الجميع تسديد طعنات للجميع في الظهر وفي كل الأماكن .. ستسيل الدماء (بالمعنى المجازي طبعا) وسنشهد وضعيات غريبة وعجيبة.
وقد لاحظنا بعدُ شيئا من هذه الوضعيات من خلال سفيان طوبال (رئيس كتلة النداء) الذي ترشح على رأس قائمة حزب نبيل القروي وكذلك حافظ الزواري (كتلة تحيا تونس) الذي ترشح في قائمة لحزب مهدي جمعة أو محمد بن صوف (نائب عن نداء تونس) والذي ترشح في قائمة لحزب يوسف الشاهد، إلى جانب فيصل دربال (المستشار لدى رئيس الحكومة) وقد ترشح في قائمة لحركة النهضة .. الكل سيحاول القضاء على الجميع ولن يخرج سالما إلا أكثرهم ضراوة وشراسة .. المشكل أن هؤلاء "القتلة" المترشحين للتشريعية والرئاسية ليسوا بالضرورة هم الأفضل لتونس وللتونسيين.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires