النهضة لا تتحمل مسؤولية شيء.. حتى انتصارها
كثّف رئيس الحكومة المكلّف خلال الأيام القليلة الماضية من لقاءاته، مستقبلا ممثلي كل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية الكبرى تقريبا، بغرض تشكيل فريقه الحكومي. إلا أنه تحادث مع الجميع فاختلط الحابل بالنابل .. فالسيد الحبيب الجملي خلط بين الغث والسمين .. بين علية القوم وسقط المتاع .. بين أصحاب السوابق العدلية وكبار المفكرين والمثقفين .. بين المتهربين من الضرائب وأبرز رجال الإقتصاد. فحين نراه يستقبل كلا من عماد دغيج وسيف الدين مخلوف وزياد كريشان والفاضل عبد الكافي، يحق لنا أن نتساءل عن المقاييس التي اعتمدها الرجل في اختيار أشخاص لا قاسم مشترك يجمعهم .. لقد تم تكليفك بتشكيل الحكومة فإذا تعتبر نفسك قادرا على أن تشغل هذا المنصب، فلتتولّ تشكيل فريقك الحكومي دون استشارة أي كان أو الأخذ برأيهم والإستماع لمقترحاتهم .. أنت القائد ومن واجبك أنت تقديم المقترحات وعلى البقية أن ينفذوا، فإن أعجبهم ما اقترحت عليهم فيا حبّذا وإن كان عكس ذلك فليكن الأمر كذلك .. ثم عليك بعد أن اخترت فريقك الحكومي وشرعت في العمل، أن تتحمّل منفردا مسؤولية أخطائك مثل نجاحاتك .. قائد يستشير ويحاول إرضاء أقصى قدر ممكن ويخشى الوقوع في الخطأ ولا يرغب في إغضاب من حوله، ليس قائدا جيدا فالقائد الحق ليس بحاجة إلى أن يكون محبوبا فما حاجته بأن يحبه دغيج أو كريشان؟ عليه فقط أن يقوم بواجبه كرئيس للحكومة.
فتونس في وضعها الحالي محتاجة إلى القيام بعملية جراحية موجعة وعلى رئيس الحكومة أن يستأصل الداء مباشرة ويقطع مع أخذ الحبوب المسكّنة.
أسبوع مرّ على تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة ويبدو أن الحبيب الجملي ليس مدركا لما يجب فعله .. فهو يستشير هؤلاء وأولئك ويستمع إلى آراء الجميع لكن ماهو رأيك أنت؟ لم يتم اختيارك لتجميع وجهات نظر الآخرين وخططهم وإلا لتم تكليف سكرتيرة في هذه الحال وهي ستقوم بهذه المهمة كأحسن ما يكون. نتفهّم أن يستدعي رئيس حكومة، رؤساء الأحزاب ليعرض عليهم خطته ولاستشارتهم أو التظاهر بذلك، حتى يتمكن من تمرير مشاريع قوانينه في البرلمان، لكن ليس هذا ما يقوم به حاليا الحبيب الجملي فهو بصدد استشارة كل من هبّ ودبّ دون أي فرز أو تمحيص.
فأنت حين تستقبل سعيد الجزيري (4 مقاعد في البرلمان) يعدّ هذا مضيعة للوقت، لأن هذا الرجل (صاحب سوابق ويقوم بقرصنة ذبذبات إذاعية) لا وزن له البتّة في المشهد السياسي وتخصيص ساعة من وقتك تعتبر ساعة ضائعة من وقتك الثمين وكذلك الشأن بالنسبة إلى عصام الشابي وخليل الزاوية.
وحين تستقبل الفاضل عبد الكافي لمعرفة رأيه حول العديد من المسائل الإقتصادية فهذا يعد أيضا مضيعة للوقت لأن هذا الرجل ليس مستشارا لديك ولا عضوا في حزبك ليقدم لك الحلول جاهزة أو يقترحها عليك .. لو كانت لعبد الكافي حلول لترشّح للإنتخابات.
ولمّا تستقبل زياد كريشان للإستماع لمشاغل أهل الصحافة والإعلام والمقترحات ذات الصلة فهذا مجانب للصواب لأن كريشان لا يمثّل القطاع الذي يمثلانه كل من النوري اللجمي بصفته رئيس الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري (الهايكا) وناجي البغوري باعتباره نقيب الصحفيين التونسيين (تم استقباله في اليوم التالي) إلى جانب كل من الطيب الزهّار (جامعة كديري الصحف)وكمال ربّانة (نقابة أصحاب الإذاعات) ولسعد خذير (نقابة أصحاب التلفزات). فزياد كريشان هو من أفضل المحللين السياسيين في تونس ولكن هذا لا يجعل منه مستشارا لدى الحبيب الجملي حتى يقترح عليه الحلول السياسية أو الإقتصادية أو القطاعية. ولو كانت لديه الحلول لاتبع السياسة ولقدّم ترشحه للإنتخابات.
هذه الملحوظة تسري كذلك على لطفي بوشناق فهو ليس الممثل الرسمي للفنانين فهم لديهم نقابة تمثلهم ويترأسها مقداد السهيلي. وهنا نتساءل لماذا اختار الحبيب الجملي استقبال مطرب ولم يستقبل سينمائيا أو مسرحيا أو فنانا تشكيليا؟.
فالقائد الحقيقي له برنامج واضح المعالم وخطة متكاملة الأركان وبإمكانه بعد ذلك أن يعرضهما أمام شخصيات من أمثال عبد الكافي وكريشان وبوشناق والبغوري وذلك في إطار خطة اتصالية وتسويق سياسي لما هو مقدم على إنجازه.. لكن لا معنى لأن يستقبلهم قبل بلورة هذه الخطة إلا إذا كان بغاية التقاط صور فوتوغرافية معهم وتدوين إهداء خلفها.
الحبيب الجملي كثّف من الإستشارات والإستقبالات والمشاورات مع الجميع وهو ما أعطى إنطباعا بكونه ليس مستعدا للمهمة الموكولة له وأنه بحاجة إلى كثير من الدعم والمساندة إن لم نقل متواطئين أو شركاء في الجريمة.
فحين نكون في مرحلة تشكيل الحكومة لا نستقبل شخصيات عامة لاستشارتها بل نتحادث مع كفاءات وطنية لنقترح عليها حقائب وزارية لتنفيذ برنامج واضح ومحدّد.. في ديمقراطية محترمة وتحترم ذاتها، حيث تحترم الأحزاب السياسية ناخبيها، كان يفترض أن يكون هذا البرنامج جاهزا ومطروحا أمام الجميع خلال الحملة الإنتخابية.. وبمجرد النجاح في الإنتخابات يتم المرور مباشرة إلى مرحلة تنفيذ وتجسيد ذلك البرنامج.. نظريا كان يفترض أن يكون إسم كل شخصية مرشحة لمنصب ما، معلوما وجاهزا قبل حتى خوض الإنتخابات لأن برنامج كل حزب مترشح تم إعداده من قبل كفاءات حزبية قادرة على تنفيذه وبالتالي يفترض أن تشغل تلك الكفاءات المناصب الوزارية المقترحة أو على الأقل وبالنظر إلى النتائج التي أفرزتها الصناديق كان على الحزب الفائز أن يلجأ للكتل البرلمانية التي سيتحالف معها لتتولى كفاءات تلك الكتل تنفيذ برامج أحزابها، كل في خطته الوزارية.
لكن الواقع يشير إلى أن الحبيب الجملي بعيد عن هذه الحقائق مثله مثل حركة النهضة، الحزب الفائز في الإنتخابات. فالإسلاميون لا يريدون تحمّل مسؤولية فوزهم ولا يرغبون في تسيير شؤون البلاد بمفردهم مثلما تنص على ذلك القواعد الأساسية للديمقراطية ومثلما كان يعتقد ذلك من انتخبهم وصوّت لفائدتهم .. ومتى تحمّل الإسلاميون مسؤوليتهم في يوم ما؟.
أولا، ينكر النهضويون انتماء الحبيب الجملي لحزبهم.. وهذا غير صحيح لأنه عضو في حركة النهضة وقد تم تقديمه بصفته هذه في 2011 حين تم اختياره عضوا في الحكومة. في ديمقراطية تحترم ناخبيها ومواطنيها، مثل هذه الأكاذيب كانت تتسبب في زلزال سياسي وتفقد الجملي مصداقيته.
بالأمس القريب أقر النهضويون بماضيهم الدموي بعد أن تقدموا باعتذارات محتشمة وهاهم اليوم لا يريدون تحمل مسؤولية ذلك الماضي ويحاولون استفزاز كل من يسعى إلى إنعاش ذاكرتهم.
ألم يقسموا في يوم غير بعيد بأنهم سيحكمون لوحدهم ودون من كانوا يعتبرونهم "فاسدين"؟ .. اليوم وقد نجحوا في تخدير وخداع الناخبين وفي التموقع في الصدارة، لم يعودوا راغبين في تحمل مسؤولية هذا الفوز.. بل هاهم يبحثون عن تحالفات هشّة وغير مضمونة العواقب بما في ذلك مع أصحاب السوابق العدلية.. رغم أن تونس ليست إيطاليا ولا بلجيكا حيث لا توجد ضمانات بشأن منح البرلمان ثقته للحكومات، لكنها أيضا ليست تونس 2014 إذ اضطُرّ حزب النداء وقتها للتحالف مع الإسلاميين وإلا لما كانت حكومة الحبيب الصيد نالت الأغلبية المطلقة من الأصوات في البرلمان. حركة النهضة تلقّت الضمانات والتطمينات اللازمة بأن حكومتها ستنال ثقة البرلمان الحالي دون الحاجة إلى توزيع الحقائب الوزارية على هذا وذاك. فكثير من الأحزاب السياسية وعلى رأسها التيار الديمقراطي، طلبوا من النهضة أن تحكم بمفردها وتعهدوا بمنحها ثقتهم دون أي مقابل.
إذا كانت حركة النهضة لا تريد أن تتحمّل لوحدها مسؤولية فوزها في الإنتخابات وتقوم (عبر الحبيب الجملي) بمشاورات هنا وهناك مع الجميع وتخلط الحابل بالنابل فهذا يعني أنها تخشى مسؤولية الحكم. فالنهضة في حاجة إلى أكباش فداء يتحمّلون غدا فشلها فهي غير واثقة من نجاح خطتها وبرنامجها الذي أعدته بنفسها لذلك هي تستبق الفشل ولا تثق في قدرتها على النجاح.
أي حزب مفعم بالعزيمة على النجاح برئاسة قائد له رؤية واضحة ومستقبلية، لا يمكن أبدا أن يستبق الفشل والهزيمة.
فإذا كانت البداية مع استباق الفشل وتكثيف اللقاءات للتعرف على برامج ووجهات نظر الآخرين فهذا يعني أن النهضة لا برنامج لها وأنها تدرك جيدا أن الوعود التي قدمتها لناخبيها خلال الحملة الإنتخابية لم تكن سوى وعودا زائفة وشعارات كاذبة.
هذه حقيقة النهضة وحقيقة الحبيب الجملي .. فالوزراء الجدد (غير نهضويين) ممن سيقبلون المشاركة في هذه الحكومة سيكون كذلك حالهم أيضا وسيكونون شركاء في هذه الخديعة.. بل أسوأ من ذلك لأنهم غير نهضويين وسيعلّق عليهم النهضويون فشلهم القادم قبل أن يعودوا لخداع الناخبين من جديد.. الطريف مع الإسلاميين أنه يمكننا أن نكون واثقين بأنهم سيسقطون مرة أخرى في الفخ ذاته وهم يصدقون دائما أكاذيب قادتهم .. فليعتظ ويراجع حساباته كل من يأمل في الحصول على خطة في حكومة الحبيب الجملي لأنهم سيكونون الضحايا القادمين للمفرمة النهضوية الإسلامية.
تعليقك
Commentaires