تكليف إلياس الفخفاخ اول لبنة في طريق انجاز المشروع السياسي لقيس سعيد
بقلم: سفيان بن حميدة
يجوز اعتبار تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة وفقا للفقرة الثالثة من الفصل 89 من دستور الجمهورية الثانية مفاجئة غير منتظرة للكثيرين. فرئيس الحكومة المكلف ولئن كان من بين المرشحين الذين تقدمت بهم الكتل البرلمانية والنواب المستقلين فان ترشيحه جاء من طرف كتلة برلمانية واحدة وهي كتلة تحيا تونس مع عدم اعتراض كتلة التيار الديمقراطي على ذلك الأمر الذي يجعله من المرشحين الأضعف حظا اذا اعتبرنا مقياس الحزام السياسي الذي يتوفر لديه, كما ان إلياس الفخفاخ كان وزيرا للسياحة وخاصة وزيرا للمالية في حكومتي الترويكا المتعاقبتين اللتين ترأسهما حمادي الجبالي ثم علي لعريض التي انتهت باسقاطها تحت ضغط اعتصام الرحيل بباردو خلال صائفة 2013. ويالتالي فان رئيس الحكومة المكلف كان وزيرا في حكومات مرفوضة شعبيا.
اما على المستوى الشخصي فان وزير المالية إلياس الفخفاخ تحمل مسؤولية مباشرة في القبول باغراق الادارة التونسية بالمنتفعين بالعفو التشريعي العام وانهاك المالية العمومية و تضخم كتلة الأجور في الوظيفة العمومية. كما يتحمل مسؤولية الارتماء بمعية محافظ البنك المركزي الهاشمي العياري في احضان صندوق النقد الدولي وتقديم تعهدات "سرية" للحصول على قرض، تحولت بمرور الوقت الى املاءات حقيقية ومهينة زادت من هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
لكن ما يرجح بعضا من كفة رئيس الحكومة المكلف هو مواقفه التي اعلن عنها خلال حملته للانتخابات الرئاسية الماضية والتي كانت منتصرة للديمقراطية وللحريات العامة والفردية بقطع النظر عن النتائج التي حصل عليها خلال الدور الأول للانتخابات الرئاسية أو النتائج التي حصل عليها حزبه التكتل من أجل العمل والحريات خلال الانتخابات التشريعية الماضية.
لذلك لم نلاحظ حماسا فياضا لدي الأحزاب السياسية وهي تتلقف خبر تكليف رئيس الجمهورية إلياس الفخفاخ بتشكيل حكومة جديدة. بل ان مواقفها كانت تركز على أمرين أولهما الاقرار بحق رئيس الجمهورية قيس سعيد الدستوري في اختيار الشخصية التي يراها الأقدر على تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان مشددين على ارتياح هذه الأحزاب لعدم اختيار رئيس الجمهورية شخصية من خارج المنظومة الانتخابية أى من خارج قائمة الأسماء التي اقترحتها الكتل البرلمانية والنواب المستقلون. اما الأمر الثاني الذي ركزت عليه هذه الأحزاب فهو تأكيدها أنها لا ترفض تكليف إلياس الفخفاخ من حيث المبدأ ولبس لها اعتراضات على شخصه في انتظار ان تتعرف على "برنامجه الحكومي" وهي الكلمة السحرية التي تعني في قاموس السياسة التونسية مقايضة التصويت لفائدة الحكومة بالمناصب التي يتحصل عليها كل حزب.
وقد جاء الاستثناء الوحيد كما كان منتظرا من كتلة احزب الدستوري الحر التي أعلنت أنها لن تصوت لفائدة حكومة عمل رئيسها وزيرا ضمن حكومتي الترويكا. اما حزب قلب تونس الذي يمكن اعتباره أكبر الخاسرين من تكليف إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة اذ وجد نفسه معزولا داخل المشهد البرلماني والسياسي بعد عشرة أيام فقط من تصدره لهذا المشهد بمناسبة اسقاط حكومة سلفه الحبيب الجملي. فقد حاول تجاوز مرارة الاقصاء وعبر في بيان له عن عدم اعتراضه على شخص إلياس الفخفاخ من حيث المبدأ مع توجيه لوم غير مبطن لرئيس الجمهورية قيس سعيد بسبب تجاهله حزب قلب تونس ومرشحه وهو الحزب الثاني داخل البرلمان.
والحال ان رئيس الجمهورية سعى بتكليفه إلياس الفخفاخ تشكيل الحكومة الى ارباك كل الأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان واستغلال واقع انها مكبلة حتى يضع لبنة جديدة في بناء مشروعه السياسي. فالواضح ان رئيس الحكومة المكلف لا يحظى بارتياح تام لدى الكتل البرلمانية لكنها قد تصوت لمنحه الثقة بكثافة حتى تتفادى سيناريو حل البرلمان والتوجه لتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بما تحمله من أخطار على تمثيلية هذه الأحزاب. وفي هذه الحالة فان رئيس الجمهورية يكون قد ساهم في مزيد اضعاف وتهرئة هذه الأحزاب وتقزيمها أمام الرأي العام وتقدم بخطوة حاسمة نحو مزيد اضعاف المؤسسة البرلمانية واحكام قبضته على كامل السلطة التنفيذية. أما في حالة انتفاض الأحزاب السياسية على محاولات تقزيمها والغاء دورها فتقوم بحجب الثقة عن حكومة إلياس الفخفاخ كما فعلت سابقا، لأسباب أخرى، مع الحبيب الجملى، وهذا فيه نوع من التحدي لارادة رئيس الجمهورية فان لهذا الأخير التوجه لحل البرلمان والاستفادة من شعبيته خلال الانتخابات الرئاسية الماضية لخلق توازنات جديدة داخل البرلمان المقبل تنحاز لمشروعه السياسي الذي يقوم على "تبخيس" الأحزاب السياسية والبرلمان بصيغته التقليدية المعروفة واحلال منظومة جديدة محلها تقوم على الحكم المحلي وعلى توظيب جديد للسلطة تقلب المعادلات الموجودة حاليا مع الابقاء على سلطة رئيس الجمهورية وتوسيعها في أعلى هرم التنظيم السياسي المقترح الجديد. ولعل تصريح شقيق الرئيس الأخير هو اشارة واضحة للبدء في انجاز المشروع السياسي لرئيس الجمهورية.
تعليقك
Commentaires