alexametrics
آراء

لا تقتلوهم مرتين

مدّة القراءة : 2 دقيقة
لا تقتلوهم مرتين

 

اهتز المجتمع التونسي هذا الاسبوع على وقع حادثتين شنيعتين راح ضحيتها الأولى شاب من أصل ايفواري مقيم بالعاصمة فيما راح ضحيتها الثانية شاب تونسي مقيم بمدينة القصرين. ورغم بشاعة هاتين الحادثتين فقد سعى البعض من التونسيين للأسف الى التقليل من شأنهما وتتفيهما  وتقديمهما في صورة الحادث العابر. كما سعى البعض الآخر متحررا من كل النوازع الانسانية ومن الضوابط الأخلاقية الي استثمارهما في تجاذب سياسي يعصف بالبلاد منذ أشهر عديدة وأصبح ينذر بالكارثة الوشيكة. وعوض ان تكون هاتين الحادثتين ناقوس خطر يصم آذاننا وينبهنا لأخطار تحدق بمجتمعنا ويحفزنا على مواجهة واقعنا ومعالجته، اخترنا الهروب الى الأمام فقتلنا الضحيتين مرتين.

في ضاحية سكرة بالعاصمة، فجعنا هذا الاسبوع في مواطن ايفواري يقيم في بلادنا منذ سنوات كان تعرض لعملية سلب جماعي وطعن مرتين كانت احدهما قاتلة. وأمام سخط المواطنين من الدول الافريقية جنوب الصحراء الذين تحركوا بقوة ضد هذه العملية العنصرية، انبرى عدد من التونسيين للتقليل من أهمية هذه الجريمة متجاهلين طابعها العنصري و معتبرين ان عمليات السلب تكاثرت في الاعوام الاخيرة وان رئيس جمعية الايفواريين في تونس لقى حتفه في احدى هذه العمليات الاجرامية ولم يكن مستهدفا لذاته.

 

لكن الواقع للأسف يشير الى وضعيات أكثر تعقيدا تصب كلها في خانة العنصرية التي تستهدف المواطنين من الدول الافريقية جنوب الصحراء الذين اختاروا أوأضطروا للعيش في بلادنا. فهم مستهدفون من الصعاليك والمجرمين التونسيين باعتبارهم من الفئات الهشة جدا. فالعديد من هؤلاء يخيرون عند تعرضهم لأي اعتداء سواء كان لفظيا او ماديا وحتى جنسيا، عدم الالتجاء الى الأمن لأنهم لا يملكون بطاقات اقامة تتباطأ الادارة التونسية حتى الملل في تسليمها للمستحقين منهم. انهم يخافون ان يستنجدوا بالأمن التونسي فيتم ترحيلهم. انهم يسكتون على الظلم خوفا من ظلم أعظم.

 

والواقع أيضا ان المواطنين من الدول الافريقية جنوب الصحراء المقيمين بيننا يتعرضون للتمييز في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية، داخل الأحياء التي يقطنون بها وفي وسائل النقل العمومية، ويتعرضون للابتزاز والاضطهاد والى امتهان كرامتهم في مواطن عملهم ويمنع شبابهم حتى من ارتياد نوادى الترفيه لا لشيء إلا لكون بشرتهم داكنة.

 

والحقيقة أيضا أن الدولة التونسية رغم اصدار القوانين التي تجرم الممارسات العنصرية فإنها ما زالت مقصرة في التعريف بهذه القوانين وفي تأهيل الأمنيين والقضاة وتشجيعهم على الحزم في مواجهة وردع التصرفات العنصرية المتواترة عند التونسيين بسبب الجهل أو التعود. وهي ما زالت مقصرة لأنها لم تصادق حتى الآن على أى من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالهجرة رغم ان عدد المهاجرين التونسيين في الخارخ يناهز المليون ومأتي ألف مهاجر بما يمثل نسبة اثنى عشر بالمائة من مجموع التونسيين.وهي مقصرة لأنها مازالت تتجاهل واقع ان بلادنا أصبحت منذ سنوات عديدة بلد استقرار وليس مجرد بلد عبور بالنسبة لأعداد كبيرة من المهاجرين من مختلف الدول الافريقية.

 

كل هذه الحقائق والوقائع تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن مجتمعنا مازالت تتقاذفه النزعات العنصرية. وما علينا إلا ان نعدد عدد المسؤولين التونسيين من أصحاب البشرة الداكنة في جميع مؤسسات الدولة حتى نخجل من أنفسنا. وعلينا أن نلاحظ فقط كيف يتم التفريق بين الاموات في المقابر في العديد من جهات البلاد على أساس لون بشرتهم حتى يصيبنا القرف.

 

وينتابنا نفس هذا القرف حين نستمع الى سياسيين من الموالين للسلطة يفسرون فاجعة انتحار شاب مراسل لإحدى القنوات التلفزية الخاصة بالقصرين حرقا بأنها مؤامرة ضد الحكومة. كيف نصدق ان يقبل شاب لم نعرف عنه انه يعاني من مشاكل نفسية حادة ان يساهم في مؤامرة ضد الحكومة بإشعال النار في جسده حتى الهلاك؟

 

 ألم يستمع هؤلاء الي هول الاحباط وحجم اليأس الذي انتاب هذا الشاب، الى صرخاته عشرين دقيقة فقط قبل مفارقته الحياة، أم ان مصالحهم الشخصية وحساباتهم السياسية الضيقة صمت آذانهم وغشت أبصارهم وغلفت قلوبهم؟ لماذا لا يقرون بأن السخط ارتفع منسوبه لدي معظم فئات الشعب التونسي وخاصة الشباب، وأنهم فشلوا في ان تمنح بطاقة التعريف الوطنية نفس شروط المواطنة لجميع التونسيين دون اعتبار لانتماءاتهم الحزبية أو الجهوية؟ لماذا لا يعترفون انهم تداولوا منذ ثمان سنوات على اغتيال حلم التونسيين والتونسييات؟ لماذا لا يعترفون أنهم فاشلون؟

يقول الشاعر محمود درويش متوجها الى أعداء شعبه، " أيها المارون بين الكلمات العابرة..آن أن تنصرفوا.. وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا.. آن أن تنصرفوا".  

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0