ما مذكّر كلمة عذراء؟
صباح الخير أيها العالم، لا تكن قاسيا اليوم.
الساعة 9.
الإكتئاب يسكنُ تحت جلدي، لكنّ الشمس التونسية تكنس كلّ الشرور. أمي وضعت قوانينا جديدة، تنفضنـا كالملاءات من غبار النوم ثم تطعمنا البسيسة، عوّضت "الجال دوش" بقالب الصابون الأخضر وعدّلت ماء الحمّامِ على الحرارة القصوى. لذيذة راحة البال، والهدوء، الذي ينتابنا بعد حمام ساخن وكوبِ نيسكافي.
اليوم أتّم الجزء الأخير من رأس المال لماركس، انقليزيته صعبة جدّا وتحتاج تركيزا. أعزائي في مكتبة الكتاب، لو علم ماركس بالثمن الذي تبيعون به كُتبه التي تتحدث عن العمّال والطبقية لـانتحر. ربي يهديكم.
رسالة من البنك تقول أن "الشهرية تصبت" لكن بأحرف لاتينية صلبة. لا أستحق مالا في هذه الفترة الذي انخفض فيها مصروفي إلى الصفر، لكن في حال تواصل الحجر أسبوعين آخرين سيكون مرتبي ذا نفع في ميزانية العائلة. طلبت من أبي أن يوصلني. لم أغير ملابسي، لبست حذاء رياضة وخرجت، من منافع نهاية العالم أنّها خففت ثقل 'المظاهر' خاصة على أكتاف النساء، الجميع خارجًا بملابس المنزل أو سراويل الرياضة.
لم أكن أحب حي النصر كثيرا، الى أن قدمت الى بيزنس نيوز وتحول هذا الحي الراقي (ليس كثيرا) الى منزل ثان. سأحدثكم (ليس اليوم) عن شخص في بيزنس نيوز لم أكن أحبه كثيرا أيضا، لكن التعود والألفة يكشفان في الانسان جوانبا لا تظهرها الاجتماعات والاراء السياسية.. جوانب تستحق الحب.
الساعة 11.
ما مذكّر كلمة عذراء؟
كانت هذه الفكرة الوحيدة في ذهني. تصلني رسائل مفرحة قليلة ممّن قرؤوا النصوص السابقة، نحن عالقون هنا معا، أنا سعيدة جدا لأنني جزء صغير من يومكم رغم أنني عوضا عن اخباركم عن يومي أجرّكم داخل رأسي المضطرب لتشاهدوا زواياه المظلمة! في مثل هذا اليوم رحلت عنا ريم البنا، كنتُ في قاعة تحرير الاذاعة الوطنية حينها وحزن البعض حزنا يُشبهني فاستغربت، هل يعرفون ريم البنا؟ لي فكرة بالية أن الفنانين الملتزمين يقبرهُم النسيان قبل أن يذكرهم أحد.
"يا ليل ما أطولك.. هدّيتلي أكتافي
ميزان.. ما أثقلك.. مشيتني حافي.." غنت ريما يومها من مبنى الاذاعة الوطنية بلافايات وأعلم أنّ الله توقف عن الحساب لدقائق.. واستمع.
الساعة 16.
ما جمعُ عذراء؟ أي كلمة هذه التي لا مذكر لها ولا جمع، رُبطت حبلا خشنا على أعناق النساء وشنقتهن على مذبح الشرف؟
لا أقصد العذرية في معناها الأول. دعوني أفسّر. حيـن تتجاوزُ الهوس الذي يسكُنك بأن يكون كلّ شيء مثاليّا ستدرك أنهم خدعونا لسنوات، وأنه لا يجب على الجنس أن يكون مثاليا كالأفلام التجارية. ستتلعثـم .. و يُمكن أن تقول شيئا سخيفًا لأنّـك متوتّر. يُمكن أن تُزعجك الإضاءةُ العالية والتوقّعات العالية. بإمكانك أن تُخطىء، أن تُبطىء. ربّـما يمرّ صمت جافّ، أو تُثقلك كثرةُ الكلام. يُحتمل أن تحسّ بغرابة خـشِنة. أو أن لا تحسّ بأيّ شيء على الإطلاق. يمكن أن تشتهي الرجال، أو النساء، أو كلاهما، أو لا أحد منهما. يمكن، ألاّ تصيب محاولتك الأولى. أن يصـدّك ماضيك. لا يجب على الأمر أن يكون نموذجيّا. لا أحد يطلب منك أن تكون أحد آلهة الإغريـقْ أو ممثل بورنو. عليكم أن تشاهدوا "Euphorie" أو "Nymphomaniac" لتفهموا من اين جاءتني هذه الفكرة الغريبة. أنا أؤمن أنّ ممارسة الحبّ تجلِ للإنسانيّة الخطّاءة، و أنّ الجنس الذي تُدمن مشاهدته على المواقعِ الزرقاء نوع من الفنّ (بالكاد) لكنّهُ ككلّ منتجاتِ هذا القرن، مُبالغ فيه. زيف. خُدع. تـسويـق ذكيّ، لبضاعة. وأنا شيوعيّة، أرفض رأسملة الرغبات.
الساعة 23.
الوطنية الأولى تعيد بث فيلم عربي قديم.
مقابل سلعنة الحبّ، يوجد على الضديد الآخر الحشمة والتعففّ و"العذرية" بمفهومها القبلي العربي. يوجد من يضاجع إمرأة واحدة كامل عمره بموجب عقد قانوني، لكنّهما على الأغلب سيعيشان بلا جنسٍ طيلة الشهور الأولى، لأنّ لا أحد منهمـا سيتجرّأ على لمس الأخر حتى يبدأ الجميعُ بالتساؤل عن سبب تأخر الحمل. حينها يتحول الجنسُ إلى واجب روتيني. شكرا ليوسف شاهين على كسر التابوهات. شكرا للسينما المصرية التي تسللت الينا عبر الشاشات الصغيرة لتخلص التونسيين- أو بعضهم من فوبيا الحبّ. للأسف إلى اليوم، الأمهات يخترن العرائس كالبطاطا والقرع. لا يخترن الفتاة الصاخبة التي تمزحُ حول الجنس عارية الصّدرِ في حمّام عُرس احدى صديقاتها، بل يخترن الفتـاة التّي تنظـرُ إلى الأرض حين تسمعُ المزحة. وليلة العرس يجلسانِ معا، على حافة اللّحاف مرتاعين، يأكلانِ أصابعهما!
لاتموتوا قبل أن تتخلصوا من تلك الأفكار. ستظل بتولا (أظن أنها مذكر عذراء وفق ما أخبرني صديقنا غوغل) الى أن تتخلص من الأكذوبات التي تجعل الجنس سلعة، والأكذوبات التي تجعله عارا. لا تدعهم يعيشون على أكتافك كالملائكة والشياطين، الرأسمالية على اليمين والعادات والتقاليد على الشمال، حتى يعوّج عودك. فكّر.
لا أريد أن أموت عذراء.
الى الغد. كونوا بخير.
تعليقك
Commentaires