هذا البلد يحكمه حمقى وأغبياء
منذ 11 يوما تم تجريد طفل من ثيابه من قبل بعض الأمنيين، خلال اشتباكات بين الشرطة وعدد من المحتجين بمنطقة سيدي حسين .. بعد اتهامه بأنه "كان في حالة سُكر وتعمّد التجرّد من أدباشه في الطريق العام في حركة استفزازية لأعوان الأمن"، تراجعت وزارة الداخلية عن هذه الرواية وذلك أمام النفي القاطع من الضحية .. بعد 11 يوما لا شيء يُذكر عن هذه القضية .. فالأمنيون المعتدون لم يدخلوا السجن ولا أحد يعرف أسماءهم ولا التتبعات العدلية في حقهم .. دولة تدّعي أنها تحترم القانون عليها الإبلاغ بمثل هذه المعلومات حتى يحافظ الناس على ثقتهم في الأمن أو على الأقل يسترجعوها من جديد .. من واجب دولة القانون والمؤسسات حماية الضحية وليس الوقوف إلى جانب الجلاد، لمجرّد أنه يمثّل السلطة.
أكيد أنكم تتساءلون عما إذا كنت قد قرأتم هذه الكلمات من قبل ؟ أنتم على حق لأنني أعدت نشر الفقرة الأولى من مقالي للأسبوع الماضي .. بما أن لا شيء تغيّر بخصوص تلك القضية ارتأيت أن ألجأ إلى جرعة التذكير هذه علّها تنفع.
منذ 21 يوما والمدوّن سليم الجبالي يقبع في السجن، فقط لأنه نشر تدوينة عبر الفايسبوك وبعض الصور "المسيئة" لرئيس الجمهورية .. تم الحكم عليه بالسجن مع النفاذ من قبل القضاء العسكري الذي يعتبر أن رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، فوق كل أنواع النقد أو الإنتقاد مثل المؤسسة العسكرية تماما. النيابة العسكرية قدّرت بالتالي أن المدنيين يمكن محاكمتهم أمام أنظارها لمجرد أنهم تهجّموا وأساؤوا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
لم يكن سليم الجبالي المدوّن الوحيد الذي تم استدعاؤها للمثول أمام القضاء العسكري فقد لحقت به أمينة منصور المتهمة هي أيضا بالإساءة لرئيس الجمهورية من أجل تدوينة نشرتها عبر حسابها على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك.
هذا الهوس باستدعاء المدنيين للمثول أمام النيابة العسكرية، انطلق مع الرئيس الأسبق غير المأسوف عليه، منصف المرزوقي الذي كان وراء سابقة في تاريخ تونس ما بعد الثورة، بدفعه مستشاره السابق أيوب المسعودي للمثول أما المحكمة العسكرية.
رغم أن منصف المرزوقي كان في السابق رئيسا لمنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان، فإنه نسي بمجرّد دخوله قصر قرطاج ماهي حقوق المدنيين.
بدوره قيس سعيّد ورغم أنه أستاذ مختص في القانون إلا أنه نسي معنى حقوق المدنيين بمجرد دخوله قصر قرطاج .. بل ذهب إلى أكثر من ذلك حين قام بتقريع وزيرة العدل لأنها لم تحرّك النيابة العمومية حينما تمت الإساءة لرئيس الجمهورية.
أي نظام يدّعي أنه يحترم دولة القانون، لا يحاكم المدنيين أمام القضاء العسكري.
نظام يحترم دولة القانون لا يلاحق المدنيين أصلا أمام القضاء، لمجرد أنهم انتقدوا رئيس الجمهورية، مهما كان ذلك النقد لاذعا.
نظام يدّعي أنه يحترم دولة القانون، عليه أن يحترم حرية التعبير، حتى وإن تجاوز بعض المدوّنين حدود اللياقة.
إذا كان من حق المدنيين اللجوء للقضاء حين يتعرضون للثلب والشتم أو التنمّر، فإن على رئيس الجمهورية أن يترفّع عن ذلك ويبقى فوق هذه الممارسات .. ليس عليه أن ينزل إلى مستوى مدوّن يبقى تأثيره محدودا مهما كان حجمه.
بتقديمه شكاوى ضد أمينة منصور وسليم الجبالي، وأمام النيابة العسكرية، فإن الرئيس قيس سعيّد يعطي الإنطباع بإنه من نفس مستواهم.
الحدث السياسي الأبرز خلال الأسبوع المنقضي كان ذلك اللقاء الذي جمع بين قيس سعيّد وراشد الغنوشي. لا شيء يُذكر سُرّب عن هذه المحادثة .. مؤسسة الرئاسة قدّرت أنه لا جدوى من تقديم الإيضاحات اللازمة حول المسألة، فيما اكتفى الغنوشي بوصف اللقاء بكونه كان إيجابيا. لكن بما أن هذا الرجل لا يتمتّع بأية مصداقية وبما أن قيس سعيّد متقلّب الأطوار ولا يستقر على رأي واحد فلا يمكننا أن نستنتج بأن اللقاء كان إيجابيا. لذلك لا يمكن وصف حدث ما بأنه هام إذا كنا نجهل مضمونه ولا نعلم عنه شيئا .. ! هذا هو حال الجمهورية التونسية في زمن الرئيس قيس سعيّد.
اختارت مؤسسة الرئاسة التزام الصمت في علاقة بذاك اللقاء .. رئاسة الجمهورية التي ليس لها مسؤول عن الإتصال ولا ناطق بإسمها .. الرئيس لا يظهر في حوارات صحفية ولا حتى يستقبل صحفيين .. صرنا نتساءل عما إذا كانت السياسة الإتصالية للرئاسة في كوريا الشمالية أفضل حالا مما هي عليه في مؤسسة الرئاسة لدينا.
ما يأتيه قيس سعيّد مخالف للقواعد الأساسية ولأبجديات الديمقراطية .. ففق الديمقراطيات الحقيقية، يكون الشعب مطلعا بدقة على أجندة أنشطة الرئيس ولقاءاته .. فالرئيس يعلن عن تصرفاته وتحركاته .. يفسّر ويوضّح ويطمئن الشعب .. في البلدان السكندينافية يصل بهم الأمر إلى الكشف عن الفواتير الخاصة بمصاريف القصر مفصّلة .. في الولايات المتحدة الأمريكية يتم إبلاغ الشعب بكل كلمة ينطق بها الرئيس خلال لقاءاته أو مكالماته الهاتفية .. رئيسنا قيس سعيّد لا يقول شيئا ولا يوضّح ولا يفسّر بل يتحدّث بالرموز ولا يطمئننا أبدا لذلك نحن قلقون .. قطعا هو لا يحترمنا بل يحتقرنا.
قررت الحكومة أمس الأحد الترفيع في سعر السجائر .. زيادة تصل إلى نسبة 17،8 بالمائة بالنسبة إلى بعض الماركات .. على غرار النظام السابق، تدرج التعديلات والزيادات في الأسعار خلال الصائفة وفي يوم الأحد .. لا أعلم من قال لهم إن الشعب يتقبّل بشكل أفضل الزيادات حين يتم الإعلان عنها في مثل هذه الظروف ؟ .. إلى جانب الغباء فإن هذا التصرّف يعكس احتقارا للشعب من قبل بعض موظفي الدولة السامين .. كلهم متشابهون، سواء قبل الثورة أو بعدها.
حتى أنني أتساءل عما إذا كان يحق لنا الحديث عن ثورة وعن ديمقراطية بالنظر إلى هذا الإزدراء الذي يتعامل به معنا حُكامنا ؟
هذه الزيادات الهامة في أسعار السجائر قد يدفع بالبعض للإقلاع عن التدخين وهذا أمر جيد بالنسبة إليهم، لكن الأغلبية ستبقى مدمنة على تدخين السجائر وستعاني الأغلبية الساحقة ماديا من هذا الترفيع في الأسعار .. هذه الأغلبية تتكوّن من المواطنين العاديين ذوي الدخل المتوسط والمحدود .. ما يخصصونه لشراء السجائر ينفقونه على حساب بعض الحاجيات الأخرى الهامة لعائلاتهم.
أن تتوخّى الحكومة الزيادة في الأسعار، في إطار خطة وطنية شاملة تهدف إلى الحد والتقليص من عدد المدخنين، هذا قد يجعل الأمر مقبولا إلى حد ما .. لكن ليس هذا هو هدف حكومتنا التي تجهل تماما معنى استراتيجية صحية .. فهي لا تعرف ما هي تكلفة مضار التدخين على الصحة العمومية .. لا وجود لدراسة واحدة أنجزت للغرض.
هذه الزيادات ستخدم في المقام الأول مصلحة المهرّبين الذين يجعلون السجائر تباع بأسعار غير سعرها الحقيقي .. تقدّر مداخيل المضاربات ما بين 365 و450 مليون دينار في السنة.
كانت الحكومة أعلنت أنها ستقضي على المضاربات بالترخيص للفضاءات التجارية الكبرى ببيع السجائر بسعرها الحقيقي. كان يفترض أن يدخل هذا الإجراء حيز التنفيذ منذ غرة جوان وها نحن على مشارف شهر جويلية ولم يطبّق القرار بعد .. يبدو أن الحكومة وضعت العربة أمام الحصان.
حكومتنا ليست منشغلة بالتفكير في القدرة الشرائية للتونسي ولحماية التونسيين من الهشاشة الإقتصادية فهي لا تفكّر إلى في ميزانيتها وفي مداخيلها. الحكومة تدرك أن المواطن غير واع ويفضّل شراء علبة سجائر على مواد تنفع عائلته لذلك فهي تنضم للمضاربين لتلحق المزيد من الضرر بهذا المواطن المسكين.
الدولة هي المسؤولة عن حماية المواطنين.
الدولة هي المسؤولة عن الضرب على أيادي المضاربين.
الدولة هي المسؤولة عن الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن .. لكن دولتنا لم تقم بأي واجب من هذه الواجبات.
هذا هو حالنا وهذا هو واقعنا .. ليست لنا ديمقراطية، خلافا لما يدّعيه حكامنا .. ليسنا نعيش في ظل دولة القانون، خلافا لما يقوله حكامنا .. دولتنا لا تهتم لصحتنا ولا لقدرتنا الشرائية، خلافا لما يزعمه حكامنا.
دولتنا ضعيفة وفاشلة وهي في حالة انهيار أيها القراء الأعزاء .. حُكامنا حمقى وأغبياء وكاذبون، يا قراءنا الكرام.
تعليقك
Commentaires