قطر تفعلها مرّة أخرى
اصبحت قطر تجمع التبرعات لفائدة ورثة قرطاج و عليسة.
اثارت تلك الصورة صخبا كبيرا لدى التونسيين الذين حافظوا على بعض الاهتمام بصورة البلاد في الخارج. تلك الصورة آلمت كل من عمل طوال سنوات من اجل تونس و دولتها.
منذ بضع سنوات، كان اساتذة تونس يسافرون لبلدان الخليج لتدريس ابناء الامراء و الاعيان. كان اطباء تونس يعملون في مستشفيات الخليج لمداواة شعوب امتلكت التجهيزات و غابت عنها الكفاءات. فجأة، اصبحت شعوب "فوق الصفر" تجمع تبرعات لبلاد كانت و لا تزال قدوة في مجالات غريبة عن ابناء الخليج كحقوق المرأة و حرية التعبير.
للأسف، وجدت هذه الحملة انصارا لها في تونس. بعضهم التحف برداء موضوعية كاذبة و اصبح ينظّر علينا في مدى صحة حاجة تونس للإعانة. وجدوا لذّة رخيصة في الافتراء على بلادهم و تفنّنوا في التعبير عن مدى استعدادهم لخيانة بلدهم. لا لوم على هذه الملّة فهم أناس يعيشون بالتمويلات الخارجية و مستعدون لكلّ الخيانات للحصول على ما تيسر من دولارات. أليس النفاذ للبلدان و زعزعتها بحاجة للخونة و المرتزقة؟
بالرغم من كل ما قيل للملمة الأزمة، فإن الصورة التي نشرتها قطر الخيرية إساءة عميقة لتونس و لشعبها. إنّها طعنة توقظ آلاما قديمة أتتنا من علاقاتنا بهذه البلاد. في أيام ليست بالبعيدة، كان رئيس جمهوريتنا يحذرنا بغلظة من مغبة الإساءة لقطر. كان نفس ذلك الرئيس تلقى ظاحكا دروس البروتوكول من عند أمير إنقلابي.
صحيح أن الخارجية التونسية ردت الفعل بسرعة، لكن وجب علينا التّساؤل بجدية عن الأسباب التي جعلت بلادنا تُستباح بهذا الشكل المهين. لا شكّ في إمتلاك قطر لعملاء متواجدين حتى في اعلى مراتب السلطة في تونس.
أصبح اليوم من الواجب محاصرة هؤلاء حماية لبلدنا. من ناحية أخرى، وجب أيضا أن نتوقف عن الإساءة لبلادنا. نفس الأساتذة عازفون اليوم عن العمل و يراكمون الإضرابات، نفس الأطباء يفضّلون الإنتقال لبلدان أوروبية لممارسة نشاطهم في ظروف مقبولة.
أدمغتنا و كفاءاتنا يهربون من تونس إيمانا منهم بإنعدام الآفاق و الآمال في بلدهم الأم. هذا التصحر الرهيب يعرّض البلاد لخطر إنشقاق الأعمدة التي انبنى عليها النموذج التونسي. ذلك النموذج الذي مكّننا طيلة سنوات من تجاوز كل بلدان الخليج.
تعليقك
Commentaires