ماذا بإمكان إلياس الفخفاخ أن يفعل ومعه شركاء فاسدون؟!
مدّة القراءة : 5 دقيقة
ستة أسابيع والبلاد في حالة حجر صحي شامل، بما أثّر في الوضعية المالية لمختلف الفئات والقطاعات وحتى في النفسيّات.. أما المستقبل فهو سيء وذلك على المدى القريب والمتوسّط على الأقل. ولا شك أنّ الأضرار ستكون عديدة، مع أنه لا توجد إلى غاية اليوم تحاليل استشرافية لتبيّن لنا ملامح تونس ما بعد الحجر الصحي. المؤكد أن المجتمع برمّته سيتغيّر بعد هذه التجربة الصعبة لكننا لا نعلم كيف سيكون هذا التحوّل.
فالإستشراف هو ذاك العلم الذي أسسه الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرجاي (1896-1960) ومن أهدافه دراسة أسباب تقنية وعلميّة واقتصادية واجتماعية تسرّع في تطوّر العالم المعاصر واستشراف الوضعيات التي يمكن أن تنجرّ عن تأثيراتها المتضافرة. فلمعرفة مستقبلنا لا بدّ من تحليل الحاضر.. وهذه هي ملامحه من خلال مجريات الأحداث في هذا الأسبوع.
مما شغل الرأي العام وجلب اهتمام وسائل الإعلام تلك الحادثة الشبيهة بما يحدث في أي حمام شعبي والتي جرت أحداثها بين النائبين في البرلمان عياض اللومي وعبير موسي. فهذه الأخيرة كانت تريد مساءلة الوزير صالح بن يوسف، أمام لجنة برلمانية، بخصوص شبهة فساد. لكنه تم منعها من ذلك بمختلف الأساليب من طرف بعض زملائها من الدكتاتوريين والغشاشين وأعداء التواجد النسائي وعلى رأسهم اللومي. خلاصة القول: لسنا مستعدّين بعد لقبول قواعد اللعبة الديمقراطية وحرية التفكير والنقد ومحاسبة مسؤولينا.
الموضوع الثاني الذي أثار جدلا واسعا وأسال كثيرا من الحبر، ما أعلن عنه وزير التجارة من إجراءات تحدّ من استيراد منتجات لها ما يضاهيها في تونس.
الخلاصة: لسنا مستعدّين بعد لقبول قواعد السوق الحرّة ولا لسحب البساط من تحت أقدام المهرّبين. فتطبيق إجراءات للحد من السوق النظامية سيؤدي إلى فتح الأبواب أمام السوق الموازية والتهريب. حدودنا ليست محصّنة بما يكفي والمنتوجات التي يريد الوزير منعها من الدخول عبر موانينا ومطاراتنا ستتوفّر أحبّ أو كره في أسواقنا وبأسعار مرتفعة أكثر. ستعبر هذه البضائع الحدود بفضل بعض الورقات المالية التي تدخل إلى جيوب بعض المهرّبين أو البعض من أعوان الديوانة.
الموضوع الثالث الذي أثار كثيرا من الجدل واستقطب اهتمام الناس (ويبدو أنه ليس رسميا إلى الآن) هي مسألة تعيين أسامة بن سالم وعماد الحمامي وهما عضوان في مجلس شورى النهضة، مستشارين في القصبة.
الخلاصة: الحزب الإسلامي يريد الأخضر واليابس ويسعى إلى زرع جواسيسه في كل مكان بمن فيهم أوسخهم وذلك بمرآى ومسمع الجميع وإلا فإن النهضويين مستعدون لفرقعة الحكومة وحتى البلاد بأكملها. الفساد والمحسوبية والمحاباة وغسل الأموال وتجاهل القوانين كلها مظاهر مازالت ستسود في تونس لسنوات قادمة.
أما الموضوع الرابع الذي لم يسل كثيرا من الحبر للأسف رغم خطورته وعواقبه وتبعاته فهو الإيقاف الفجئي للسنة الدراسية.
يبدو أن العودة المدرسية ستكون مع غرة سبتمبر وسيتم الاكتفاء بثلاثيتين هذه السنة. الخلاصة: لم يتم التفكير جيدا في تبعات ومخلفات تعليم رديء وبيداغوجيا ضعيفة على كافة المجتمع.. وزير سابق أتى إلى الزعيم الراحل الحبيب بورڨيبة ليقول له "سيادة الرئيس، إن كلفة التعليم باهضة" فأجابه الزعيم بما معناه: "آه لو تعلم ماهي كلفة الجهل". فأبناؤنا تأثروا كثيرا ودفعوا ثمن السنة الدراسية (2018-2019) بسبب إضراب الأساتذة وخسروا ثلاثة أشهر من الدراسة. هذا العام أيضا سيخسرون ثلاثة شهور إضافية.. هذه الأشهر الستة ستترك آثارها في بقية المسار التعليمي وحتى في مسارهم المهني. فتلامذة اليوم سيجدون أنفسهم في المستقبل أمام مشغّلهم عاجزين عن الشغل. سيجدون أنفسهم أمام منافسيهم الدوليين عاجزين عن المنافسة. سيقفون ضعفاء أمام كثير من التحديات التي تنتظرهم وسيقفون صغارا أمام الكبار.
الفساد ليس فقط مرتبط بالمال فهو مسألة عقلية.. محمد عبّو، أحد أكبر المدافعين عن محاربة الفساد، مهما كانت نواياه صادقة وعزمه راسخ فلن يقدر على فعل شيء يذكر أمام أصحاب النفوس المريضة والممارسات القذرة.. فماذا يقدر أن يفعل هو ومعه إلياس الفخفاخ في عالم مثالي.. وأقول مثالي لأن ما أقترحه عليه لا يمكن تحقيقه في بلدنا أو على الأقل ليس الآن.
ففي ديمقراطية عادية وبالنظر إلى الأحداث التي جدّت خلال الأسبوع المنقضي فإنه كان يفترض بمحمد عبّو وإلياس الفخفاخ أن يطالبا زميلهما صالح بن يوسف بالإستقالة. بإسم أخلقة الحياة السياسية وبعنوان إعطاء القدوة والمثال وتحت شعار الرسالة التي عليهم توجيهها إلى الشعب، كان عليهم الحصول على هذه الاستقالة لمجرد حصول شبهة فساد. نفس الشيء بالنسبة إلى الوزير أنور معروف الذي تلاحقه شبهة بتسليم سيارة إدارية لابنته القاصر وبذلك كان بالإمكان تفادي النقاش وتحقيق برلماني للغرض.
بخصوص الموضوع الثاني كان على الفخفاخ أن ينفي أمام العلن ما قاله محمد المسيليني وذلك حتى يوجّه رسالة واضحة للمؤسسات الوطنية ولشركائنا الدوليين. لا لن تلعب تونس ورقة الحماية البدائية والخارجة عن سياق الزمن.. لا لن تشجّع تونس على التجارة الموازية وعلى التهريب والفساد. بل بالعكس فإن تونس ستساعد الشركات القانونية.
في ما يتعلّق بالموضوع الثالث، صحيح أنه يبدو حساسا نوعا ما ويستحيل على إلياس الفخفاخ أن يقاوم إرادة ومحاولات النهضة في اختراق أجهزة الدولة دون أن يتعرّض إلى تهديد عدم مرور مشاريع القوانين في البرلمان. فرئيس الحكومة لا خيار له سوى قبول حصان طروادة ضمن فريقه الحكومي.. ماهو العمل إذن؟ الجواب: توخّي الحنكة السياسية.
فبما أنه يجد نفسه مجبرا على القبول بجاسوس، فلمَ لا يكون ذلك الجاسوس شخصا نظيفا على الأقل. كان بمقدور إلياس الفخفاخ أن يطلب من حركة النهضة تغيير أسامة بن سالم، مؤسس قناة تلفزية غير قانونية وصاحب ثروة مجهولة المصدر والذي يدفع حقوق البث بالعملة الصعبة ودون أن يدرك أحد من أين له بذلك.
في عالم مثالي وفي ديمقراطية محترمة،كان يفترض بالياس الفخفاخ أن يلجأ للنيابة العمومية حتى تهتم بهذه القناة وبمؤسسها لأن الأمر يتعلق بشبهة تبييض أموال في هذا الملف.
فبدعم من وسائل الإعلام ومن المجتمع المدني وبعنوان محاربة المحسوبية والمحاباة، كان بالإمكان وضع حركة النهضة في موقف الدفاع لتحاول حماية إبنها أسامة بن سالم عوضا عن فرضه، بكل وقاحة، مستشارا في القصبة.
الموضوع الرابع هو الأكثر حساسية والأكثر كلفة من البقية.. أولا بالنسبة إلى أبنائنا لأنهم خسروا هذا الثلاثي الدراسي للأبد.. ولكن خسارة كذلك للدولة فهي ستدفع أجور خمسة شهور للمربّين في حين أنهم يقبعون في بيوتهم دون أي مردود يذكر. هذا نوع من الفساد الفكري وظلم لا مثيل له.. لماذا وبسبب الكوفيد 19 يجد تونسيون أنفسهم محرومين من رواتبهم لمجرد أنهم يعملون في القطاع الخاص (نادل في مقهى أو مطعم على سبيل المثال) في الوقت الذي يستفيد فيه غيرهم بعطلة مدفوعة الأجر لمجرد أنهم موظفو الدولة. في عالم مثالي وفي ديمقراطية حقيقية وباسم المساواة بين المواطنين، وبما أن الياس الفخفاخ هو نظريا رئيس كل التونسيين وليس فقط الموظفين، كان عليه أن يقتطع جزءا من رواتب هؤلاء ليمنحه لأجور الآخرين ممن لا رواتب لهم أصلا.
في عالم مثالي وديمقراطية تحترم نفسها، كان على الفخفاخ أن لا يرضخ بسهولة لقرار الإيقاف الفوري للسنة الدراسية، لأن مستقبل أبنائنا ليس لعبة في يد أي كان. لا نرتقي من مستوى دراسي إلى آخر دون استكمال كل الثلاثيات وكل المناهج والدروس.. في بعض الدول المتقدّمة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا، لا يُسمح أبداء بدرس منقوص لتلميذ واحد، لأنه من غير المعقول لديهم أن يرتقي تلميذ ما إلى السنة السادسة مثلا في حين ينقصه درس من السنة الخامسة.. أي أنهم هناك يعتبرون أن هذا التلميذ ليس أهلا ليرتقي إلى الفصل الموالي وهو ليس مؤهلا لذلك بالفعل.
إذن ماذا كان على الفخفاخ فعله بخصوص هذه النقطة الرابعة؟ أنا صحفي ومن مهامي النقد وأنا كذلك من دافعي الضرائب وبالتالي عليه هو إيجاد الحل وليس هذا من مهامي أنا. فأنا أدفع والجميع يدفع من أجل إيجاد الحلول وهذا لن يكون على حساب ارتهان مستقبل أبنائنا .. فالأفكار موجودة لكن يجب إعمال العقل والتعويل على مستشارين جيدين عوضا عن جوهر بن مبارك وأسامة بن سالم. فبالإمكان توفير مكيفات هواء، مهما كانت تكلفتهم، في كل الأقسام، حتى تكون الدراسة في جوان أو جويلية متاحة وممكنة وستكون الكلفة في كل الأحوال أقل من خسارة هذا الثلاثي دون دراسة.
اليوم نقدّم لهؤلاء الأطفال مستوى ضعيفا من التعليم بل ومنقوصا كذلك.. مستقبلهم تعدّه حكومة اخترقها إسلاميون مارقون ووزراء مشبوهون. القوانين القادمة سيصيغها ويصادق عليها برلمان متكون من بعض الصعاليك.
هذه هي أحداث أسبوع واحد بإمكانها أن تساهم في ملء صفحة من دراسة استشرافية حول تونس الغد.
كلنا ننتظر بفارغ الصبر الخروج من فترة الحجر الصحّي الشامل وعودة نسق الحياة العادية.. كما نأمل وننتظر حالة من الوعي بالخاطر التي يمثلها الفيروس الإسلاموي وفيروس الجهل والأمية في صفوف مجتمعنا.. وهي جراثيم وفيروسات أخطر وأكثر فتكا من الكوفيد 19.
تعليقك
Commentaires