قراءة أوّلية في مشروع قانون المساواة في الميراث: أخطاء يجب تجاوزها
تابعت أوّل أمس الجلسة الأولى التي انعقدت بمجلس النواب للاستماع إلى ممثلين عن رئاسة الجمهورية لمناقشة مشروع قانون المساواة في الميراث.. تابعت باهتمام لأنّي اطلعت على هذا المشروع ولأنّي حريصة على أن أواكب عن قرب ملاحظات السيدات والسادة النواب في أوّل لقاء لهم مع من وضع هذا المشروع..
ولا أخفيكم أنّني خشيت من مسائل كثيرة انضافت إلى تحفّظاتي من نصّ المشروع.. فالظاهر أنّ ملاحظات السادة النواب لا يدلّ على تعمّق في جميع الدقائق التي تضمّنتها هذه المبادرة، والخشية تزداد إذا استحضرنا أنّ المصادقة عليه بما يحمله من هنات ستنعكس حتما على ترجمته إلى قوانين، وسيفتح أبوابا من التأويلات القانونية نتيجة ما فيه من إشكالات قد تؤدّي إلى تعطيله..
لذا أرى من واجبي أن أنبّه إلى نقاط تبعث الإنسان على التحفّظ، وأدعو، في لطف، من أشرف على صياغة النصّ المقترح إلى مراجعته حتى نحفظ النصّ من خطر الغموض والالتباس. وأجمل ملاحظاتي فيما يلي:
تضمّن المشروع فصلين، فصل أوّل قائم على تنقيح الفصل 146 من الباب السابع بمجلة الأحوال الشخصية. وتضمّن سبعة فصول مكرّرة. ثمّ فصل 2 يضبط الإجراءات القانونية لتطبيق القوانين التنقيحية.
الحيرة تمتلكنا منذ الوهلة الأولى ، فالمشروع المعروض يخصّ من عمل بنظام المساواة في المواريث، إذ ينصّ الفصل 2 على" تطبيق أحكام الفصول من 146 مكرر إلى 146 سابعا من هذا القانون ما لم يصرح المورث في قائم حياته لدى عدل إشهاد باختياره تطبيق أحكام الفصول الواردة بالأبواب من 1 إلى 7 من الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية دون غيرها." والغريب أنّ ممثّلي رئاسة الجمهورية يؤكّدون في الجلسة على أنّ هذا المشروع عامّ يشمل من يعمل بنظام المساواة ومن يلتزم بأحكام الفقه التي نصّت عليها المجلّة.. وسؤالي من المسؤول عن هذا الاضطراب؟ ولماذا لم يتمّ إصلاحه؟ هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تعالوا نتناقش في الغاية من هذه التنقيحات التي تخصّ من يريد تطبيق المساواة:
فإن كان قانون المساواة مستنبطا من روح وفلسفة القانون الوضعي، كان بالإمكان التنصيص عليه في فصل وأن يصاغ بعبارة عامّة وشاملة وواضحة وملزمة، مثل " المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى"، ويفصّل بترجمة الأنثى والذكر: امرأة كانت أو بنتا أختا أو زوجة أو جدّة... ولم لا الاستئناس بنموذج تركيا التي سبقتنا في نظام المساواة في الميراث؟
إليكم أمثلة من القانون التركي في المواريث: الأبناء هم الأصل في الميراث ويتقاسمون التركة بالتساوي( فصل 495)، ويليهم في الترتيب الآباء، ثمّ إذا لم يوجد أبناء أو آباء فالأجداد أحقّ بالميراث.. وتلاحظون دقّة هذه الفصول في بساطتها على وجه الخصوص، وأنّها فصول تركّز على ترتيب الورثة بحسب أحقيتهم في الميراث على التوالي وليس على أساس الاشتراك في القسمة. ومن هنا ندرك أنّ قانون الميراث التركي لا يقف عند حدود المساواة فحسب بل يرتّب الأولويات فيمن له الحق في الميراث. وعلى هذا الأساس فالدعوة إلى المساواة هي دعوة مبتورة ولن تحلّ المشكل.
لنعد إلى مشروعنا، ولنقرأ ما تضمّن من قوانين تترجم مفهوم المساواة. في هذه القضية أذكر نماذج ، لأنّ التحليل يطول، وأقف عند النقاط التالية :
- فالفصل 146 يندرج في مجلة الأحوال الشخصية مثل الفصلين 144 و 145 ضمن الباب السابع، وعنوانه " أحكام خاصّة" ، وهذا يعني أنّ هذه الفصول مرتبطة ببعضها بعضا، وهي تندرج في الفروع الفقهية لا غير. ومن هنا ندرك أنّ المساواة عند من وضع المشروع هي من الفروع وليست من الأصول.
- 2. على أيّة إشكالية فقهية تقوم هذه الفروع؟ والجواب هي أحكام تتنزّل في إشكالية النظر في : " المرأة إذا تركت زوجا وأما أو جدة وإخوة للأم وشقيقا فأكثر". وتلتزم المجلّة في هذه الفصول بما ورد في المسائل الخلافية في أحكام الفرائض، فيتقلّب الحكم الفقهي بين المساواة والنصف في الميراث.
تلاحظون أنّنا ابتعدنا شيئا فشيئا عن الطابع الوضعي لقانون المساواة، وسرعان ما ارتمينا في يمّ القلق الفقهي الذي غرق فيه الفقهاء ولم يكن لهم من مخرج سوى الاحتماء بمسلّمة القداسة.. ونكون بذلك، من حيث هربنا من أحكام التأويلات التشريعية قيّدنا أنفسنا بمسائل لم يحسم فيها القدامى أمرهم. ويكون واضعو المشروع قد التزموا وألزموا من اختار المساواة بالعودة إلى طابور الشريعة المجحف.
أوردت اللجنة هذه التنقيحات منفصلة عن غيرها من الفصول في مجلّة الأحوال الشخصية، وأكرّر هي فروع في المسائل ، والسؤال المحرج : كيف نتعامل مع بقية الفصول، وخاصّة منها الفصول العامّة ؟ كيف سنقرأ هذه التنقيحات من منظور الفصل 90 الذي يذكر تحديدا أصناف الوارثين" الوارثون من الرجال : 1) الأب ـ 2) والجد وإن علا بشرط أن لا ينفصل بأنثى ـ 3) والابن ـ 4) وابن الابن وإن سفل ـ 5) والأخ ســواء كــان شقيقــا أو لأب أو لأم ـ 6) وابــن الأخ الشقيــق أو لأب ـ 7) والعــم الشقيــق أو لأب ـ 8) وابن العم الشقيق أو لأب ـ 9) والزوج.
والوارثات من النساء : 1) الأم ـ 2) والجدة للأم بشرط عدم الانفصال بذكر وللأب بشرط عدم الانفصال بذكر غير الأب دنيا ـ 3) والبنت ـ 4) وبنت الابن وإن سفلت بشرط عدم الانفصال بأنثى ـ 5) والأخت الشقيقة أو لأب أو لأم ـ 6) والزوجة."
فصل، كما ترون، يعتبر العمّ من الورثة وابن الأخ وابن العمّ.... متى ستكتمل الجرأة حتى ينقّح هذا الفصل ليصير متناغما مع التنقيحات؟
أعتقد أنّه يجوز لي أن أسأل: هل تحرّر من وضع مشروع القانون المتعلّق بتنقيح مجلّة الأحوال الشخصية من المرجعية الفقهية القائمة على العرف؟ وما فائدة التشريع للأكدرية والحمارية في قانون وضعي؟ ألقت المسائل المشتركة في علم الفرائض بظلالها على هذه الفصول التعديلية ، فطغى عليها الاضطراب ؛ وليتهم انضووا إلى مقالات الفقهاء في المسائل المشتركة، لأنّهم على الأقلّ منّوا المرأة بشيء من المساواة مع الذكر، إذ قالوا" بالتشريك سووا في الميراث بالنسبة لأولاد الأم ، ولأولاد الأب والأم بين الذكر والأنثى ، لأن الميراث ثبت لهم باعتبارهم أولاد أم . والحكم فيهم المساواة"
وجدت نفسي وأنا أقرأ هذه التنقيحات في خضمّ الفروع الفقهية التي كان الفقهاء أنفسهم يتندّرون بها .. ولا بأس في أن أذكر لكم نكتة فقهية حتى تدركوا أنّ للفقهاء ظلاّ خفيفا:
" تَزَوَّجَتْ أَرْبَعَةً أَخَذَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا تَرَكَ : جَوَابُهُ تَرَكَ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ وَابْنًا وَبِنْتًا فَأَعْتَقَا الْعَبِيدَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُمُ الْبِنْتُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَرِثَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ الرُّبُعَ بِالنِّكَاحِ وَثُلُثَ الْبَاقِي بِالْوَلَاءِ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
فَمَا ذَاتُ صَبْرٍ عَلَى النَّائِبَاتِ ... تَزَوَّجَهَا نَفَرٌ أَرْبَعَهْ
فَتُحْرِزُ مِنْ مَالِ كُلِّ امْرِئٍ ... لَعَمْرُكَ شَطْرًا لَهُ مَرْبَعَهْ
وَلَا ظَلَمَتْ وَاحِدًا مِنْهُمْ ... نَقِيرًا وَلَا رَكِبَتْ مَقْطَعَهْ
أعتقد جازمة أنّ من حرّر هذا المشروع قام بعملية انتقائية لفروع فقهية، وغفل عن أنّ الانتقاء في الفروع يسقط صاحبه في مآزق، وفي فرضيات ما أنزل الله بها من سلطان . ولا أريد أن أكون قاسية لأصدر أحكاما على العمل . وليس لي سوى أن أقول لهم: " لقد هرمنا لأجل هذه اللحظة الحاسمة " فلا تثقلوا علينا بقانون أعرج إن لم أقل زنيما، فنحتاج في وقت قصير إلى مراجعته، ولن تكون سوى مراجعة جذرية. فالصبرَ الصبرَ.. وفي العجلة الندامة.
تعليقك
Commentaires