فرضيات وسيناريوهات "مُضحكة" قد نعيشها يوم الإقتراع للإنتخابات الرئاسية وبعده
مدّة القراءة : 4 دقيقة
على بعد ستة أيام فقط من الإنتخابات الرئاسية يبدو أن حالة التوتّر على أشدّها صلب فرق الحملات الإنتخابية لمختلف المترشحين حيث أن الغضب أخذ مكان الشعور بالذعر والإنفعال وهي حالة عامّة ولا تقتصر على مترشح بعينه.
شرعت التلفزة التونسية بقناتيها العموميتين في تنظيم وبث مناظرة دعت إليها كل المترشحين للرئاسية وهي تجربة غير مسبوقة في العالم العربي. الحضور كان منقوصا من مترشحين إثنين بارزين وهما سليم الرياحي ونبيل القروي ولدي شعور بأن من سيحظى بأغلبية الأصوات لا يوجد من بين المشاركين في هذه المناظرة التلفزية .. وبطبيعة الحال قد يتباهى البعض بأن الحملة الدعائية تجري في أجواء انتخابية ديمقراطية وبتنظيم مناظرة تلفزية بين المترشحين، هي الأولى في المنطقة العربية، لكن المشكلة تكمن في أنه لم يتم احترام مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة إلى هذين المترشحين الغائبين. فلئن كانت المبادرة إيجابية وطيبة إلا أنها منقوصة .. فلا يمكننا أن نعتبر انتخابات 2019 انتخابات ديمقراطية بحق باعتبار أن مترشحين إثنين من بينهما متصدّر نتائج عمليات سبر الآراء، تم منعهما من خوض حملتهما الإنتخابية مثل غيرهما من المتنافسين.
ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ لا بد من التفكير جيدا في كل الإحتمالات بما أنه يبدو أن الأطراف المسؤولة والمعنية بعملية إبعاد المترشحين الإثنين لم تفكّر في المسألة.
مالذي يمكن أن يحصل يوم 15 سبتمبر وفي الأسبوعين اللذين سيعقبانه على الساحة الوطنية والدولية؟ فلنتصوّر ولنقم ببعض الفرضيات والإحتمالات على المدى القريب .
صبيحة يوم 15 سبتمبر 2019 سيصوّت عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الناخبين لفائدة نبيل القروي.
يوم 15 سبتمبر بعد الظهر تبدأ أولى نتائج سبر الآراء في الظهور وقد نجد أنفسنا أمام وضعية يكون فيها نبيل القروي أحد المتأهلين للدور الثاني في حين ما يزال إسم المتأهل الثاني مجهولا.. قد يكون نائب رئيس البرلمان، عبد الفتاح مورو أو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي (في عطلة) أو رئيس الحكومة يوسف الشاهد (فوّض صلاحياته). فكيف سيتصرّف هذا الثلاثي الذي يمثّل أعلى هرم السلطة عشية يوم الإقتراع في حدود الساعة الثالثة ؟.
يوم 15 سبتمبر على الساعة الثامنة مساء .. يتم الإعلان عن النتائج وسيكون لدينا خاسران من بين هذا الثلاثي .. فهل سيعود يوسف الشاهد إلى قصر الحكومة بالقصبة ويواصل عمله بشكل طبيعي علما وأن الشعب قد رفضه؟ فهل سيقبل بالهزيمة أم أنّه سيعطي تعليماته بإلقاء القبض على منافسه الفائز ؟.
هل سيقبل عبد الكريم الزبيدي هزيمته دون أن يرسل دبابتين تابعتين للجيش أمام باب مجلس نواب الشعب أو قصر قرطاج ؟. وهل سيقبل عبد الفتّاح مورو الخسارة أم أنه سيحاول تمرير قانون بصفة استعجالية لقطع الطريق أمام الفائز ؟ .. هذه ليست سيناريوهات لأفلام الخيال السياسي فقد شاهدنا مثل هذه الفرضيات العجيبة والغريبة تحدث منذ أشهر قليلة في إحدى الدول الديمقراطية.
إذن مالذي يمكن أن يحصل في اليوم التالي من الدور الأول أو الدور الثاني، في صورة ما فاز نبيل القروي ؟ لا بد من التفكير في هذه الفرضية من الآن أليس كذلك ؟.
كيف سيتم التعامل مع مئات الآلاف من الذين اختاروا نبيل القروي قبل أن يضعوا بطاقة الإقتراع في الصندوق؟ هل سيسكتون عما يجري ؟ وهل أنهم سيقبلون أن تُسرق منهم أصواتهم بتعلّة إجراء قضائي مازال متواصلا ولم يُحسم أمره بعد ؟
هل سيكون نبيل القروي قادرا على أداء اليمين وهل سيُسمح له بذلك أصلا ؟ .. هل سيتم إخراجه من السجن ؟ ومن سيتحمّل مسؤولية اتخاذ قرار الإفراج عنه ؟ .. لكن من الذي زجّ به وراء القضبان ؟ فقاضي التحقيق المكلّف بالنظر في ملفّه رفض الحكم عليه بالسحن، معتبرا أنّ ملفّه لا يتطلب اتخاذ مثل هذا القرار. دائرة الإتهام هي التي اتخذته في تعارض مطلق وصارخ مع الأعراف القضائية التي تنص على أن الأحكام القضائية لا يمكن أن تتخذ ضد من يقوم بالإستئناف أو الطعن ولا يمكن في كل الأحوال تسليط عقوبة أشد مما عوقب به. فالقضاة (يقول البعض إنهم ليسوا من أهل الإختصاص) الذين زجوا به في السجن، هل سيقررون الإفراج عنه أم أنهم سيذهبون إلى خلاف الرأي العام الوطني والدولي وضد أصوات ميئات الآلاف من الناحبين الذي اختاروا التصويت لسجين ؟
كل هذه الإحتمالات والفرضيات، رغم طرافتها، قد تضعنا أمام عناوين للصحف التونسية والأجنبية من قبيل: "الفائز بالإنتخابات الرئاسية في تونس سجين" أو "نبيل القروي يفوز بالإنتخابات من داخل السجن رغم منعه من خوض الحملة" أو كذلك "نبيل القروي الفائز السجين" و"تونس تضع رئيسها في السجن .. القضاء على المسار الديمقراطي".. هذا أشبه بالهذيان لكنه واقعنا للأسف وذلك قبل ستة أيام فقط من الموعد الإنتخابي بسبب إجراءات وأحكام قضائية مثيرة للجدل.
جمعية القضاة التونسية والمجلس الأعلى للقضاء كلاهما على وعي وإدراك بهذه الحيثيات والمعطيات وتأثيرها على الرأي العام والمسار الديمقراطي. فقد أصدرا بيانات تتعهّد بالنظر بصفة عاجلة في كل الملفات الحارقة .. فأين هم من هذه الوعود ؟ قبل أقل من أسبوع لا نملك الجواب بعد .. ومن هنا تأتي كل التساؤلات (بسبب عدم الرد) .. لا أحد يعلم كيف ستجري الأمور يوم 15 سبتمبر وهذا أمر في غاية الخطورة .. فالعارفون بتاريخ البلاد يدركون جيدا حالة التوتّر والمظاهرات الإحتجاجية والأزمات السياسية الحادة وحتى الحروب الأهلية التي عقبت انتخابات مزوّرة وتزوير إرادة الناخبين .. فنحن لم يعد حتى بإمكاننا التنبيه والتحذير من اللعب بالنار لأن هذا صار أمرا واقعا.. الحملة الإنتخابية شارفت على نهايتها ومازال يوجد غائبان من بين المترشحين أحدهما يتصدر نتائج سبر الآراء.
يوم السبت الماضي أصدرت جمعية القضاة التونسيين بيانا مطوّلا تدعو فيه الأطراف السياسية ووسائل الإعلام إلى النأي بالقضاء عن التجاذبات والتوظيفات السياسية.
بصفتي صحفيا ومدير صحيفة ونائب رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف، لا أطلب أكثر من النأي بالقضاء عن كل هذه الأمور لكن ليقل لنا السادة قضاة الجمعية كيف لنا أن ننأى بكم عن التجاذبات والتوظيفات السياسية والحال أن زملاءكم هم المسؤولون هن الوضع الراهن ؟ فهل نبقى مكتوفي الأيدي ونكف عن إدانة ما يستحق الإستنكار وتوجيه أصابع الإتهام لمن يستحقون ذلك ؟ .. قضاء مستقل وعادل ذاك هو حلمنا جميعا .. لكن كيف علينا أن نتصّرف حين يكون هذا القضاء موظّفا أو تتعلّق به شبهة توظيف من قبل السياسيين ؟ فهل نصمت كما تدعوننا إليه أم ندين الفضيحة ونفضح مقترفيها مثلما تتطلّب ذلك مهنتنا ورسالتنا ؟ .. صحيح أننا بذلك نعكس صورة سيئة وسلبية عن القضاء لكننا لسنا سوى مرآة تعكس واقع بعض القضاة المسؤولين عن تشويه صورتهم .. فتحطيم المرآة أو إخفائها عن الأنظار لن يغيّر الواقع في شيء .. فليس الصحفي هو المطالب بالنأي بالقضاء عن التجاذبات والتوظيفات بل القضاة أنفسهم من خلال السلوك القويم وإعطاء المثل في إرساء العدل ورفض كل محاولة للتوظيف السياسي، خاصة حين يكون هذا التوظيف يخدم طموح وجشع البعض.
لذلك ندعوكم أيها السادة القضاة إلى النأي بأنفسكم وحينها سينأى الإعلام بكم .. لكن إذا تطلبون منّا إخفاء الصورة السيئة التي يعكسها البعض منكم، فهذه مجازفة ومخاطرة كبيرة في حق الممارسة الديمقراطية في تونس .. الإعلام مثل سلك القضاء تماما هما ركيزتان من ركائز هذا المسار ومعا جميعا يمكننا أن ننقذ البلاد .. لا يمكنكم فعل أي شي من دوننا لأن رجال السياسية سيقضون عليكم وليس بإمكاننا فعل أي شيء من دونكم لأنهم سيقضون علينا كذلك.
أغلبية القضاة بل الأغلبية الساحقة تتطلّع إلى قضاء مستقل واعلموا أن ذلك أيضا شأن السواد الأعظم من الصحفيين والمواطنين .. فالعدل أساس العمران.. أساس كل شيء.
تعليقك
Commentaires