"كادوريم" رئيسا للجمهورية و"سواغ مان" رئيسا للحكومة .. لمَ لا ؟ !
على إثر بث حلقة من برنامج نوفل الورتاني، تعالت أصوات التونسيين المنددة بالفضيحة والمحذّرة من الخطر الداهم .. الموضوع يتعلّق بمغني الراب كريم الغربي المعروف ب"كادوريم" والذي يعتبر نفسه أكبر مغنيي هذا اللون الموسيقي في العالم العربي .. كما يدّعي بأنه فاعل خير، دون أي طموحات سياسية.
فهل هي أعمال خيرية فعلا ؟ كنا سنصدّق ذلك ونشجعه على إتيانه لولا وجود عدسات الكاميرا .. فالمشكل ليس في التبرّع بل في وجود الكاميراوات.
هذا العام ومنذ بداية انتشار الكوفيد 19، قام المئات من رجال الأعمال بالتبرّع وتوزيع ملايين الدنانير .. حتى كبرى العائلات الثرية التي عادة ما يتم اتهامها بالفساد، ضخت أموالا طائلة في خزائن الدولة لمجابهة هذه الجائحة. فعائلات بوشماوي والمبروك والشايبي والمزابي وتمارزيست وادريس والعشرات من الأثرياء الآخرون قاموا بمساعدة الدولة وكذلك المعوزين، دون التصريح بذلك أو طلب شيء في المقابل .. كذلك الشأن بالنسبة إلى البنوك والشركات والمؤسسات بما فيها المؤسسات الصغرى والمتوسطة. في أسوإ الحالات يتم إصدار بلاغ يكتفي بنشر المبلغ الجملي المتبرّع به وذلك للرد على انتقادات الشارع التونسي الذي يدعو الأثرياء إلى مساعدة الفقراء خلال هذه الجائحة.
لذلك عندما نشاهد "فاعل خير" ترافقه عدسات الكاميرا ليقول إنه بصدد التبرع وتوزيع المال، فإنه من الطبيعي التساؤل حول نواياه الحقيقية من وراء ذلك . وهنا وجب التحذير والتنبيه، خاصة وأننا عشنا قصة وأحداثا مماثلة في الماضي القريب.
التونسيون والناخبون بصفة عامة في العالم أجمع، لهم ذاكرة قصيرة وهذه حقيقة .. لذا من الهام تذكيرهم ببعض البديهيات المنسيّة.
لولا التبرعات الخيرية وتوظيف الدين لغايات سياسية، لما فازت حركة النهضة في انتخابات 2011 ولما تحصلت على تلك الأعداد من المقاعد في البرلمان في انتخابات 2014 و2019.
حزب المؤتمر من أجل الجمهورية كان قريبا من جمعية "تونس الخيرية" وهي إحدى فروع "قطر الخيرية" .
عضو مجلس نواب الشعب، ألفة التراس، كانت مدعومة من مؤسسة "رامبورغ" وهي منظمة تدّعي أنها "خيرية" وتمارس الفن من أجل الفن.
النائب سعيد الجزيري كان مدعوما من محطته الإذاعية والتبرعات بآلاف الدنانير .. وقد شاهدنا أنصاره يرابطون أمام مقر الهايكا يوم الإثنين الماضي.
حزب قلب تونس ما كان له أن يتحصّل على العشرات من المقاعد تحت قبة البرلمان، لولا جمعية "خليل تونس" وقناة "نسمة".
ببساطة لو أن سلك القضاء كان سليما ومستقلا، لتم سحب العديد من المقاعد في البرلمان التونسي.
إلى الآن قام الملاحظون ووسائل الإعلام بواجبهم للتنديد بهذه الممارسات وهذه الأعمال الخيرية لغايات سياسية .. لكن لم يكن لهذا تداعيات على المشهد السياسي .. فالمتحيلون حققوا أهدافهم رغم تنديدات واستنكار وسائل الإعلام.
لو بقيت الأمور على حالها فلا تستغربوا ترشح كادوريم لمنصب رئيس الجمهورية في 2024.
مغني راب آخر وهو ثري أيضا قد يترشح لمنصب سياسي في بلادنا التي تشترى فيها أصوات الناخبين وضمائرهم بسهولة تامة .. سواغ مان وإسمه الحقيقي عتاب زعيبط وهو في الثلاثين من العمر ويقبع منذ جويلية 2019 في السجن من أجل شبهة التحيّل وتبييض المال. وهو ما يزال ينتظر صدور الحكم، رغم تجاوز مدة الإيقاف التحفظي أي 14 شهرا .. مثل الإسلاميين، يحظى سواغ مان بشرعية ضحايا السجن وبملايين الدنانير .. لذلك بإمكانه أن يلعب دور الضحية ويقوم بتوزيع المال على السذّج والتطلع إلى الحصول على مقعد في البرلمان أو منصب رئيس للحكومة في 2024.
كلاهما (كادوريم وسواغ مان) مولع بالبهرج والوشم والمجوهرات وقادر على إغراء ملايين الناخبين السذّج .. فهما يمثلان بالنسبة إليهم مثالا يحتذى .. تصوّروا لو أن هؤلاء الموشّمين من الرأس إلى أخمص الأصابع يعتلون المنصب الرئاسي.
ما العمل ؟ ما يحصل في تونس ليس استثنائيا ولا جديدا .. منذ الأزل كانت هناك أعمال خيرية غير صادقة وأناس سذّج وأشخاص متحيّلون .. الحل في قطع الطريق أمامهم .. صحيح أننا لن نقضي على هذه الظاهرة، لكننا فقط سنقلّص من الأضرار ومن تلاعب المتحيّلين.
ولبلوغ هذا الهدف لدينا مشروع قانون لإصلاح القانون الإنتخابي أودعته حكومة يوسف الشاهد في 2019 وهو يستجيب جيدا لتطلعات واقعنا.
مشروع هذا القانون الذي كنا انتقدناه بشدة العام الماضي، هو الحل الأفضل حاليا لقطع الطريق أمام كل المتحيلين الذين يتخفون وراء ستار الأعمال الخيرية لتحقيق غايات سياسية.
حين تم إيداع مشروع القانون، كانت الغاية منه قطع الطريق أمام نبيل القروي الذي حقق وقتها قفزات عملاقة في نتائج سبر الآراء .. وكانت تلك فترة ما قبل الحملة الانتخابية .. كنا لاحظا وقتها أن المشروع ممتاز لكن توقيت اقتراحه لم يكن بريئا بالمرة .. ما كان لنا أن نغيّر قواعد اللعبة بعد انطلاقها.
الآن هذا هو التوقيت المناسب لإيداع مشروع جديد لإصلاح المجلة الإنتخابية وقطع الطريق أمام هذه الجمعيات وهؤلاء الأشخاص الذين يتلاعبون بالرأي العام بحفنة من الأوراق المالية في وجود الكاميرا.
لو كان يبحث فعلا عن خدمة البلاد ومصلحتها وليس الفوز في الانتخابات فإن هذا هو التوقيت المناسب لتقدم فيه حركة تحيا تونس مشروع القانون.
لو أنه يسعى فعلا لمكافحة الفساد، فإن هذا هو التوقيت المثالي لكي يقدم الرئيس قيس سعيّد مشروع قانونه.
في غياب عدم القدرة على العودة إلى الوراء وحل البرلمان للقضاء على هؤلاء المتحيلين، علينا استباق الأمور والتطلع إلى المستقبل حتى لا يتكاثر عددهم.
وإلا فإنه ليس عجيبا أن نرى "كادوريم" يتصدّر نتائج سبر الآراء منذ الشهر المقبل والفوز في الإنتخابات بعد أربع سنوات أو حتى أقل من ذلك لو شاءت الأقدار وتم تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
تعليقك
Commentaires