كافة تفاصيل رفع إضراب القضاة
انتهت اليوم الجمعة 18 ديسمبر 2020، إضرابات المرفق القضائي التي دامت خمسة أسابيع متتالية وهذا ما أعلن عنه رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي قائلا ''اليوم هو آخر أيام الإضراب الذي بدأناه منذ 16 نوفمبر ورفعنا خلاله مجموعة من الطلبات والشعارات التي لا تقتصر فقط على حقوق القضاة وإنما تهمّ حق الدولة في عدالة فاعلة وناجزة وتطبق القانون على الجميع على قدر من المساواة، عدالة لا يُقال عنها محاباة ولا تفرق بين الغني والفقير وبين المسؤول والمواطن البسيط ولا تفرق بين صاحب الجاه والمال والنفوذ السياسي وبين بقية المواطنين عدالة يكون فيها الميزان متوازنا ويطبق على الجميع''.
توصّلت السلطة القضائية اليوم إلى اتفاق مع الطرف الحكومي يخصّ أهم مطالبهم القانونية والشرعية ووصف الحمايدي هذه الإتفاق ''بالإتفاق التاريخي" ودعا القضاة العدليين والماليين والإداريين للعودة إلى العمل بداية من يوم الاثنين القادم. رئيس جمعية القضاة نفى كافة التُهم والأقاويل التي وجّهت للقضاة من قبل بعض الأطراف الذين اعتبروا أنّ مطالب المرفق القضائي كلّها مادية والإضراب أعاق مؤسسات الدولة وعطّل قضايا العديد من المواطنين وأكّد أنّه لا يُمكن للدولة أن تستمر بعدالة تُحتضر قائلا ''للأسف وصلنا لمرحلة أصبحت فيها العدالة تحتضر وأصبح لا يمكن السكوت عن هذا الأمر'' وصرّح أنّ الغاية من المطالب هي الوصول لعدالة فاعلة وناجزة وقضاء مستقل وتوفير ظروف مناسبة للقاضي ليمارس مهامه ويباشر رسالته وهو بعيد كلّ البعد عن كلّ أنواع الضغوطات السياسية والمالية والاجتماعية.
محضر الإتّفاق الذي أمضاه القضاة اليوم مع رئاسة الحكومة والذي يحمل عدّة مطالب هامة في تاريخ القضاء التونسي، تعهّد الطرف الحكومي بإنجازها في ظرف ثلاثة أشهر وتمحورت المطالب حول أربعة نقاط مهمّة وأوّلها توفير الحماية والرعاية الصحية للقضاة وعائلاتهم وتعقيم المحاكم مع وضع بروتوكول صحي يُراعي العمل القضائي ويحمي القاضي والمُتقاضي وكلّ العملة والإداريين والمواطنين والمطلب الثاني اعتبره الحمايدي مطلب كافة الشعب التونسي وهو إرساء عدالة فاعلة ونافذة وذلك في محاكم ترتقي لمستوى المعايير الدولية وإلى مستوى الخدمة القضائية المُقدمة للمواطن. رئيس جمعية القضاة أشار أنّه في صورة عدم التزام الحكومة بذلك المطلب فإنّه لا مجال لعودة نشاط القضاة والمحاكم. أما المطلب الثالث تمثّل في توفير وضعية وظروف مادية للقضاة تستجيب للمعايير الدولية والمطلب الرابع الذي تمّ الإتفاق عليه هو '' سنّ الإصلاحات الأساسية والجوهرية في سلك القضاء'' طبقا للمعايير الدولية لضمان قضاء مستقل ومن خلالها يُدافع القاضي على حقوقه ويُمكن أيضا محاسبته.
لا يخفى على الجميع اليوم أنّ المرفق القضائي أصبح يُعاني العديد من الإخلالات والتجاوزات وفقد بعد الثورة إستقلاليته الكاملة وذلك تحت تأثير المال السياسي وتدخّل الأحزاب الحاكمة في تركيع السلطة القضائية وهذا ما أكّدته رئيسة نقابة القضاة أميرة العمري بتصريحها في أنّ هناك سياسة ممنهجة لإضعاف المؤسسة القضائية وذلك بحرمان المرفق القضائي من الإستقلالية المالية والضمانات القانونية. العمري أكّدت أنّ الواقع القضائي يعيش أزمة خانقة وكانت قد دعت إلى ضرورة إصلاح وتهيئة المحاكم وتحسين ظروف عمل القضاة الذين يعانون من غياب أبسط وسائل العمل من أوراق ومكاتب خاصة في المحاكم وكشفت أنّ هناك محاكم آيلة للسقوط وبنيتها التحتية مهترئة على غرار محكمة منوبة ومحكمة الكاف التي صدر فيها قرار إخلاء. كما أنّ القانون الأساسي الذي تمّ الإتفاق عليه بين القضاة ورئاسة الحكومة والذي سيتمّ تقديمه للبرلمان سيلعب دور محوري وأساسي في تنقية المناخ القضائي من التدخلات السياسية وسيُنهي الإخلالات التي يرتكبها القضاة استغلالا لنفوذهم وأكبر دليل على ذلك التجاوزات التي قام بها وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي خاصّة في ما يخصّ إخفاء أدلة هامة في ملفي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أيضا الخروقات التي أتُهم بها الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيّب راشد حول اقتنائه لعقارات والكثير من التُهم الأخرى التي بسببها قرّر المجلس الأعلى للقضاء تجميد عضويته.
وتأكيدا منها على الإتفاق الحاصل بينها وبين جمعية القضاة، نشرت رئاسة الحكومة بيانا ضمّنت فيه محتوى محضر الإتفاق وأعلنت عن الترفيع تدريجيا في الميزانية المخصصة للقضاء العدلي والإداري والمالي بكافة مكوناتها بما يتلاءم و المعايير الدولية، ووضع آليات لذلك في إطار قانون المالية لسنة 2022، بالإضافة إلى ضمان الأمان المالي للقاضي وذلك بإحداث لجنة تضم كافة الأطراف المتداخلة لإعداد تصور في الغرض على أن تتوج أعمالها بإجراءات تنفيذية واضحة وفي أجل أقصاه موفى شهر فيفري 2021. أيضا العمل على التعجيل باستكمال مشاريع القوانين الأساسية للسلطة القضائية بناء على ما تم التوصل إليه من أعمال والانتهاء من إعدادها وإحالتها على مجلس نواب الشعب مع طلب إستعجال النظر فيها ودعم مقترح إحداث صندوق جودة العدالة وإدراجه بقانون المالية واتّخاذ كافة الإجراءات القانونية والعملية لتيسير الخلاص الشهري لمنحة الاستمرار. أيضا سيتمّ مراجعة الإطار الترتيبي المنظم لتعاونية القضاة بما يحقق جودة الخدمات المقدمة لفائدة القضاة وذلك في أجل شهرين.
وقرّرت الحكومة صرف تمويلات إضافية قدرها 2 مليون دينار لتعاونية القضاة بما يمكنها من إبرام الاتفاقيات الضرورية لضمان التكفل الصحي الأفضل للقضاة وتنقيح النصوص الترتيبية المتعلقة بتنظيم ديوان مساكن القضاة ومهامه بما يمكن من النهوض بأوضاعه ويوسع مجال خدماته ويحقق نجاعتها والاستفادة العادلة منها. وتمّ الإتفاق على عقد جلسة في غضون أسبوع لإعداد بروتوكول صحي تفصيلي خاص بالمحاكم والشروع في تطبيقه في الإبان مع التعقيم الدوري للمحاكم وفقا للتدابير الصحية التي يتم إقرارها وتدعيمها بوسائل الوقاية الضرورية بغية مجابهة إنتشار فيروس كوفيد-19. وتمّ الإتفاق بين الطرفين على إحداث لجنة متابعة تضم رئاسة الحكومة ووزارة العدل وممثلي القضاة للإشراف على تقدم الأعمال المتعلقة بتكريس هذه القرارات وفق المخطط الزمني المضبوط لها وخارطة الطريق المتفق عليها ومقابل هذا الإتفاق تمّ تعليق الإضراب.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires