'ماكش كيما البنات الكــلّ' ليست مجاملة، إنها فخّ !
7:49 صباحا
تغيّر جدول العمل هذا الأسبوع وحان دوري للمناوبة الصباحيّة بعد 3 أسابيع من الإستيقاظ وقتما أشاء. أبدأ العمل (عن بعد طبعا) على الساعة الثامنة. لم يتغيّر شيء فِعلا، حتى دون وباء عالمي يمنعني من الذهاب إلى المكتب كنت لأُفيق قبل ربع ساعة من موعد العمل وأصل متأخرة، ثمّ أخبر الجميع أنني لم أجد تاكسي (لا تطردوني أرجوكم) .
اخر خبر نُشر في بيزنس نيوز أمس، وأول خبر في صفحة الاستقبال، هو طرد مدرب كرة تنس بسبب تعليق على فايسبوك بررّ فيه الرياضي الشاب الاغتصاب. صرف عنّي الخبر النُعاس، استفاقت كلّ حواسي دُفعة واحدة. طُرد ؟ لا أستطيع احتواء هذا الشعور في نصّ ضيق، لا يمكنني مسكُ هذا الانتصار. طُرد ؟ انه الثأر لنا جميعا. طُرد ؟ هذا سؤال استنكاري، لأنه رغم أن الخبر أمامي هنا على موقع الجريدة الأكثر مصداقية (شكّار العروسة) ،أعجبُ من تصديق أن لأصواتنا أثر في عالم يُحاول جاهدا أن يكتُمها.
أنت "ماكش كيما البنات الأخرين" سيقولون لك.
أترون، انتهى وقت الهوية الواحدة التي تصبغُ الجلود والشعر بنفس اللون الأشقر اللامع. الان يُحاولون تدريب كلّ واحدة فينا على ستيريوتيب "ما تكونش كيف البنات الكلّ."
لا.
البنات الكلّ لسن عدوك، البنات الكلّ لسن أقل منك شأنا. عليك أن تؤمني بالبنات الكلّ، وتُشجعيهن وتدعميهن لأن العالم يحاول جاهدا أن يكتم أصواتهن أيضا. على ألم الفتاة المُغتصبة أن يكون ألمك، على قضيتها أن تكون قضيتك.. 'البنات الكل'، يتحدثن مثلك عبر الأسئلة الاستنكارية لأنها أقصر وتتخذ أقل مساحة. 'البنات الكل' يستيقظن باعتذارات مسبقة تتكون في أفواههن، البنات الكلّ يحسسن بالتراب على وجوههن رغم مضي قرون منذ كانوا يدفنونا أحياء، البنات الكلّ يعرفن أنهن جميلات في الفساتين القصيرة لكن امنات في السراويل. البنات الكلّ، نختبأ وراء علامات الاستفهام، نجعلُ شكلها النصف دائري درعا ونصطّف خلفه. أترون، بالأمس اتحدت ''البنات الكل'. التي اختارت أن تنجب أطفالا، التي خيرت أن تنجبهم دون أن تتزوج، التي اختارت أن تُجهض، والتي خيّرت مسيرتها المهنية، التي اختارت الاعتناء بأبنائها والتي تفعلهما معا. التي تحب الماكياج والموضة وتكره الكتب، التي تقرأ ولا تحب الفساتين ومساحيق التجميل، ومن تحمل كتابا بيد وقلم شفاه باليد الأخرى. التي حلقت شعرها، والتي أخفته بحجاب. التي تحب الرجال، والتي تحب النساء.. من تحصلن على تكوين جامعي ومن تحصلن على تكوين مهني ومن فتحن مشروعا صغيرا ومن اخترن أن لا يفعلن شيئا على الاطلاق. "البنات الأخرين".. القويات، الجميلات، الطموحات، الذكيات. البنات الأخرين، اتحدن ضدّ مبرر الاغتصاب وشهرن به في المجموعات التي يشاركن فيها وصفات الفريكاسي وأسماء الأفلام الرومانسية.
نحن بحاجة الى أن نحبهن، وندافع عن حقهن في أن يكن من يُـردن لأنّ معركتنا واحدة، نحن، "البنات الكل" ولايمكن أن نُختزل في صور نمطية أعدها مطبخُ النيوذكورية (على وزن النيوليبرالية) الكون خارجا أرحب، يزهر ملايين القلوب. واحدة منا من اغتصبت وفقدت قدرتها على المشي. لا يمكن أن ندعهم يقاطعون جملنا ويخبروننا أنّ رأينا ليس مهما، فنضطر الى أن تكون جملنا أسئلة وتكون جُملهم اجابات، جملا تقريرية، تتخد المساحة الأوسع من اللغة، والأدب، والعالم.
شهّرن بابن الكلب الذي يبرر الاغتصاب فطُـُـرد. اليكم جملتكم التقريرية.
حين أتحدّثُ بضمير الجمع أنا أمد يدي إلى نون النسوة العالقة في حلقي كأنها ذنب ما، وأخرجُ زهرةً من فمي لأضعها في فوهة البندقية التي تحاول قتلي.
دعونا نتحدّث، أتخجلنَ مِثلي من قول "دورة شهرية" على الملأ؟ أتهرعن مِثلي إلى راحة الإستعارات والمجاز للحديث عن هذا الأمر الطبيعي جدا؟ أتهمسن مثلما أهمس؟ أتخترعن أسماء أُخرى لذلك الوقت من الشهر كـ"ذلك الوقت من الشهر"، أتُخبرن الجميع أنّ "بطونكن" تُوجِع، أتحملنَ عارًا مِثلي في حقائبكن وتخشون لو يفتحها أحد ليرى علبة السدادات النسائية المُلونة؟ أتُحسسن بأنكّن تتكمشن خجلا إذا أصدر غِلافُ الفوطة الصحية خشخشةً حين تفتحنهْ، أيعلو الصوت في أذهادكن دويّـا ولغطًــا مُرعبا؟ أتُخبئن الفوط القديمة أسفل سلّة المُهملات كي لا يراها أحد؟ أتحسسن أنّكن مُذنبات إذا رأى أحد ما دمائكن في القُمامة فإنزعج، أتلفونها في ورق الحمام كما تُـلف الجثث في الأكفان ثم تُخفينها في كيس بلاستيكي أسود وكأننا مُجبرات للأبد على دفن أوجاعنا؟ لأنني مررتُ بذلك أيضا.
أنا مثلكن، هُم الذين يرسمون تفاصيل يومِنا وما نحن إلاّ إمتداد لظل السنين، هم من خلالنا يعيشون الدَّهر. هُم معنا، يمدون أياديهم من مقابرهم إلى أعناق النساء ويَحرسون نومنا، نتوسّد أذرعهم، يقحمون أصابعهم في عيوننا، يخترقون صدورنا ويملؤونها بالخرافات، يشمّـرون التاريخ ويتسللون إلينا، أطيافهم فوق رؤوسنا -كالغربان ويرفضون الرّحيل. يزرعون العقد ويطعموننا حصادها : (حرام. قلة حياء. مايجيش. مش مليح. عيب. فضيحة .. مالها الا مرا.. شكنت لابسة أنت وقتها)
أنا مثلكن. كنت أخاف أن أكون مثل "البنات الأخرين". أنا مثلكن، عُقد الأجيال المتوارثة سطرت ملامحي أيضا، لكنني في هذا الصبح أرتدي التضامن النسوي قلادة فخر مهما كان هذا النصر تافها في عين العالم الكبير والصاخب. الهسترة النسوية طردته من عمله. فلتحيا الهسترة.
تمسكن بهذه الفكرة، لا تدعنها تتحول الى خزي : نحنُ في نفس الفريق!
وسننتصر.
الى الغد، كُنّ بخير.
تعليقك
Commentaires