نصيحة إلى حافظ قايد السبسي .. "دع والدك يتصرّف"
تواصل حركة نداء تونس أشغال مؤتمرها لانتخاب قيادة جديدة .. وحتى نكون صرحاء وأكثر وضوحا يبدو أن المؤتمر سيفرز القيادة ذاتها التي عهدناها من قبل ولكنها في هذه المرة اكتسبت مشروعية جديدة بفضل الإنتخابات الداخلية.. لذلك لا أحد ينتظر مفاجأة كبرى أو تغييرا عميقا مع اختتام الأشغال، سواء على مستوى الأسماء أو توجه الحزب.
وبالتالي فإن الحدث البارز الذي طبع مؤتمر النداء، هو خطاب رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في افتتاح الأشغال. كلمة عبّر خلالها عن رغبته في رفع التجميد عن عضوية يوسف الشاهد في الحزب.. وهو ما اعتبره البعض مناورة قادها الرئيس المؤسس بدهاء، ليوقع الحزب الجديد "تحيا تونس" في الفخ.
فرئيس الدولة استجاب من خلال هذا الطلب لرغبة واسعة النطاق صلب النداء، بخصوص عودة الإبن الضال، يوسف الشاهد .. قايد السبسي يلعب هذه المرة ورقة الإنفتاح بعد أن حاول بكل الطرق إبعاد رئيس الحكومة الحالي وهو بذلك يقترح على الشاهد خيارا صعبا كاد يكون مستحيلا، بالتلميح له بأن حزب نداء تونس سيسانده في الإنتخابات الرئاسية المقبلة وهي وضعية قد تكون مريحة أكثر بالنسبة إلى يوسف الشاهد مقارنة بمساندة النهضة له.. مرة أخرى يُظهر الباجي قايد السبسي براعته في التكتيك السياسي، مراوغا بذلك حتى المقرّبين منه الذين لم يكن أحد منهم ينتظر أن يتقدم بهذا الطلب، كما لو أنه توجه لنجله بالقول: "دع والدك يتصرّف"، حافظ الذي أعرب عن تفاجئه بمقترح أبيه.
بهذا الطلب الجديد الذي تقدم به في افتتاح مؤتمر النداء، يكون الباجي قايد السبسي قد غيّر تكتيكه وخطته، فاتحا ذراعي الحركة أمام "المنشق" يوسف الشاهد، ليضعه بذلك في وضعية من "رفض يد الرئيس الممدودة إليه" في حين أنه كان في موقف الضحية، جرّاء أنانية وعدم احترافية قيادات نداء تونس. اليوم يجد رئيس الحكومة نفسه مُجبرا على الإختيار والتموقع، في علاقة بالطلب الذي تقدم به الرئيس المؤسس للنداء وسيكون مطالبا بالتعبير عن رفضه العودة إلى حزبه الأم ..
مهما كانت ردة فعل يوسف الشاهد، فإن الباجي قايد السبسي سيخرج أكبر وأعظم بعد هذه المناورة .. فلو يقبل رئيس الحكومة، يكون رئيس الجمهورية نجح في إرجاعه إلى البيت الأسري، ليقدّم بالمناسبة مرشّحا ذا مصداقية للإنتخابات الرئاسية عن نداء تونس. أما في صورة رفض الشاهد المقترح الرئاسي، فإنه سيظهر في صورة من لا يرغب في توحيد الأسرة الحداثية البورقيبية، خلافا لما تروّج له حركة "تحيا تونس".
على صعيد آخر فقد اختطف الباجي قايد السبسي الأضواء من المؤتمر في حد ذاته، بما أن أشغاله صارت عديمة الجدوى .. في كل الحالات فإنه من غير المعقول، بقطع النظر عن مقترح الباجي قايد السبسي، أن يفرز المؤتمر قيادة جديدة .. الأكيد أن حافظ قايد السبسي لن يرمي المنديل كما أنه لا وجود لمنافسة حقيقية قد تزعزع عرشه صلب حزبه.
إلى ذلك عبّر رئيس الجمهورية في خطابه عن رغبته في عدم الترشح لعهدة رئاسية ثانية .. وهو تأكيد تم ربطه مباشرة بالرغبة في رفع التجميد عن عضوية يوسف الشاهد صلب الحزب، مثلما أوضح ذلك سفيان بن حميدة على أعمدتنا .. مع ذلك يجب عدم الوقوع في الفخ البديهي والمتمثل في اعتبار أن الباجي قايد السبسي هو رئيس مرهق ويرغب في التخلي عن منصبه في أسرع الآجال .. فالخطاب الذي ألقاه الرئيس في افتتاح مؤتمر النداء، يُظهر رجلا على أتم الإستعداد للمواجهة وحسم الأمور، لذلك يتوجب الحذر فقد عوّدنا الباجي قايد السبسي بقلب الأوضاع وبمراوغاته المحبوكة.
رئيس الدولة والرئيس المؤسس للنداء أظهر مرة أخرى أنه سياسي محنّك وله وزنه في الساحة السياسية، مما يستوجب الحذر والحيطة حلال الاشهر القليلة المقبلة التي تفصلنا عن الإنتخابات .. البعض أخطأوا حين اعتقدوا أنه قد هُزم وتم إبعاده من الرقعة السياسية، لكنهم يجهلون أو يتناسون أن الباجي قايد السبسي يُصبح خطيرا جدا حين يشعر بأ،ه محاصر.
يبدو مستبعدا جدا أن يوافق يوسف الشاهد على العرض الذي تقدم به إليه الرئيس بالعودة إلى نداء تونس .. فنتائج سير الآراء تضع حركة "تحيا تونس" متقدما على الحزب الذي أسسه الباجي قايد السبسي، من جهة. من ناحية أخرى فإن الشاهد قد يخسر الكثير من مصداقيته بعد الكم الهائل من الشتائم والإنتقادات التي وجهتها له قيادات النداء .. من جديد يثبت قايد السبسي أنه ناجح تكتيكيا وفاشل استراتيجيا.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires