alexametrics
آراء

من أجل إنقاذ الهايكا مع الحفاظ على حقوق نبيل القروي

مدّة القراءة : 5 دقيقة
من أجل إنقاذ الهايكا مع الحفاظ على حقوق نبيل القروي

 

بين الشتم والثلب والتّهم الكيدية والتهديدات كان الأسبوع السياسي الذي تزامن مع الأسبوع الأول من شهر رمضان، حافلا بمظاهر البذاءة وقلة الأدب وعدم الإحترام. علامة الامتياز كانت من نصيب النائب فيصل التبيني الذي هدّد علنا بإعدام رئيس الحكومة، يوسف الشاهد .. وهي أقوال تضع صاحبها تحت طائلة القانون وقد تزج به في السجن لبضعة أشهر .. غير أن الدولة لم تعد ما كانت عليه كما أن القضاء يعمل بسياسة المكيالين .. فإذا كان إسمك سهام بن سدرين أو سيف الدين مخلوف أو فيصل التبيني .. أو إذا كنت إسلاميا مشهورا أو متعاونا مع إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية ذائعة الصيت، فإنك فوق القوانين التونسية .. على سبيل المثال فإن ما أتاه فيصل التبيني لا يخوّل له التمسّك بالحصانة البرلمانية لأنها عبارات مُشينة لا علاقة لها بمهامه البرلمانية فالفصل 68 من الدستور التونسي واضح وصريح في هذا الشأن، لكننا في بلد تُؤوّل فيه القوانين وتُطوّع من أجل عيون بعض المحظوظين من أصحاب الجاه والنفوذ .. عار على مجتمع يعيش في القرن الحادي والعشرين ويمثّله نائب يدعو إلى الإعدام في الساحات العامة .. ومع ذلك توجد قوانين تحمي مثل هذا الشخص وهي قوانين لا بد من تغييرها حتى تنسجم مع روح الدستور والعصر.

 

مظهر آخر من مظاهر العبث والجنون شهدها الأسبوع المنقضي ويتمثل في الجدل الأبدي حول سبر الآراء .. والضحية الكلاسيكية بالطبع كانت حسن الزرقوني الذي نجح في إغضاب الجميع كعادته .. فنحن في بلد يرفض أن يعالج آلامه وأمراضه وهو في أحسن الحالات قد يكتفي بأخذ جرعة من المسكّنات لعلاج داء السرطان.

 

الموضوع الآخر الذي أثار كثيرا من الجدل خلال الأسبوع الماضي هو الصراع والخلاف القائم بين الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري، من جهة وقنوات "نسمة" و"الزيتونة" وإذاعة القرآن الكريم. هذه الوسائل ما زالت تبث بطريقة غير قانونية في تحد صارخ وتام لشرطي المشهد السمعي البصري التونسي (الهايكا).

 

هنا أيضا تكمن الصعوبة في تعدد القرارات والتأويلات والتفسيرات للنصوص القانونية وفي كون بعض الفئات الإجتماعية فوق القوانين في تونس .. بالنسبة إلى الهايكا الأمور واضحة وبيّنة، فهذه القنوات الثلاث ليست لها التراخيص القانونية لممارسة المهنة وعليها بالتالي أن تتوقف عن البث إلى حين تسوية وضعيتها.

 

ولتبرير عدم ثقته في الهايكا، يذكّر نبيل القروي صاحب قناة نسمة بأنه تحصّل على الترخيص اللازم في عهد النظام السابق (2009)، أي قبل صدور القوانين المنظّمة لهيئة الإتصال السمعي البصري (2011) وكراس شروطها، موضحا أن الهايكا الحالية أصبحت منحلة بحكم القانون (المرسوم 116) القاضي بأن ولايتها التي انتهت يوم 3 ماي 2019 ومدتها 6 سنوات غير قابلة للتمديد وبالتالي فإنه لا وجود قانوني لهذه الهيئة التي أصبحت بلا سند تشريعي في علاقة بقراراتها .. قناة الزيتونة تحدّت بدورها الهايكا عبر بيانات فيها الكثير من التهجم والشتائم .. هذه القناة وصلت إلى حد تمزيق قرارات الهيئة في بثها المباشر .. لكن في واقع الأمر فإن كل قناة تؤول القانون بطريقتها الخاصة  .. فإذا كان نبيل القروي يرفض مبدأ المفعول الرجعي للقوانين حين يشير إلى أن ترخيصه سابق لإحداث الهيئة، فإنه لا بد من تذكيره بأن الترخيص المذكور له مدة صلوحية وقد تم تجاوزها .. ورغم ذلك فإن القوانين الجديدة تنص على تواريخ انتقالية حتى تتمكن وسائل الإعلام التي تملك تراخيص قديمة من تسوية وضعياتها لتصبح في احترام تام للقانون .

 

القنوات التلفزية المخالفة تؤكد أن الهايكا لم يعد لها أي وجود قانوني وذلك وفقا للمرسوم 116 (صادر في نوفمبر 2011) لكن حتى هذا القول فيه  نظر لأن هيئة الإتصال السمعي البصري لها الحرية المطلقة في مواصلة العمل بمضمون الفقرة 8 من الفصل عدد 148 من الباب العاشر من الدستور (جانفي 2014). فالمرسوم المذكور ينص، في المقابل، في فصله السابع على ولاية مدتها 6 سنوات غير قابلة للتجديد لرئيس الهيئة ونائبه وأعضائها على أن يتم التجديد لثلث أعضاء المجلس بالتداول كل سنتين وهو ما لم يتم إلى حد الآن. 

 

لكن وإلى ذلك الحين ما العمل ؟ .. هل يتم إعفاء أعضاء الهايكا من مهامهم مع المحافظة على الهيئة كهيكل فارغ بلا روح، إرضاء لنبيل القروي وسامي الصيد (صاحب قناة الزيتونة)؟ .. أم علينا حل الهايكا ليحل مكانها الفراغ وقانون الغاب ؟ .. أو ربما إحداث وزارة الإعلام من جديد مثلما هو معمول به في كل الدكتاتوريات التي تحترم نفسها ؟ ..

 

بخصوص إذاعة القرآن الكريم قرر القائمون عليها توخي منهج مخالف تماما بالتوجه إلى القضاء والتظلّم أمام المحاكم .. فقد عبّر محامو القناة أمام القضاة عن استغرابهم من "التجرّؤ على إسكات صوت الله وكلمته في بلد الكافرين" .. وقد فضّل القضاة عدم تطبيق قرار الهايكا المخالف لقناعاتهم الراسخة .. أما القوانين والدستور فإلى الجحيم ما دامت كلمة الله هي العليا .. الحكم القضائي صدر وكان واضحا إذ تم السماح لإذاعة القرآن الكريم بمواصلة البث، رغم غياب الترخيص وبالرغم من كون صاحب المحطة الإذاعية هو في الوقت ذاته رئيس حزب سياسي ويستغل هذه الإذاعة (وبالتالي كلمة الله) لخدمة أغراض شخصية وسياسوية .. فما يزعج هيئة الإتصال السمعي البصري هو هذا الإرتباط والتلازم بين ما هو سياسي وما هو إعلامي أكثر من مجرد تسوية وضعية قانونية أو إدارية لبعض الوثائق.

 

قناة الزيتونة هي وسيلة الدعاية السياسية بامتياز للإسلاميين وبعض "الثورجيين" المزعومين .. فقيادات النهضة وحزب المؤتمر والحراك (حزب منصف المرزوقي) وكذلك ما يعرف بروابط حماية الثورة يعدون حرفاء أوفياء لدى هذه القناة، رغم أنهم يدّعون دائما بأنهم نزهاء ومن أشد الناس احتراما لقوانين البلاد.

 

إذاعة القرآن الكريم على ملك رئيس حزب سياسي يستغل الترددات الوطنية لخدمة مصالحه الخاصة .. أما نبيل القروي فقد أصبح بشكل رسمي مرشحا للإنتخابات الرئاسية وهو يحتل المركز الثاني في نتائج آخر عمليات سبر الآراء، خلف يوسف الشاهد. فكل واحد من هؤلاء يعتزم توظيف وسيلته الإعلامية خلال هذه السنة الإنتخابية وهو ما ترفضه الهايكا بشكل قطعي وذلك استنادا إلى القانون الإنتخابي وكراسات الشروط التابعة لهم.. لذلك تجد أعضاء الهايكا وكذلك أعضاء هيئة الإنتخابات بالمرصاد ساهرين على منع كل توظيف واستغلال لأي وسيلة إعلامية في أهداف انتخابية.. فالهايكا، باسم القانون والمساواة بين المترشحين وباسم الديمقراطية وغيرها من القيم، تريد فرض هذه الرؤية اليسارية والفوضوية رغم أنها غير عادلة وغير دستورية .. فالمجلة الإنتخابية التي تحرص الهايكا على تطبيقها، أصدرها نواب المجلس التأسيسي غير مأسوف عليهم والذين يعيش معظمهم في زمن غير زماننا.         

 

فبأيّ حق يتم حرمان صاحب قناة أو وسيلة إعلامية خاصة من الترشّح للرئاسية ؟ ألا يكفي أن الدستور يمنع غير المسلمين من الترشح للمنصب الرئاسي حتى ينضم إليهم أصحاب المؤسسات الإعلامية؟.

 

التبرير المُعلن هو عدم السماح لأي كان باستغلال وسيلته الإعلامية لأغراض انتخابية وهذا فيه تضليل لأن كثيرا من السياسيين في الدول الديمقراطية يمتلكون قنواتهم الخاصة ومن أشهر هؤلاء سيلفيو برلسكوني، رئيس مجلس الوزراء الإيطالي سابقا والشريك في قناة نسمة.

 

كما أن المجلة الإنتخابية تمنع الإشهار السياسي في الصحف والجرائد لكنها تسمح في الوقت ذاته للأحزاب السياسية بإصدار صحفها الخاصة أي أنه وبكل بساطة يتم منع الأحزاب الصغيرة وقليلة الموارد من اللجوء إلى الإشهار السياسي في صحيفة ما، مع السماح للأحزاب الكبرى من امتلاك صحيفة ونشر ما يحلو لها فيها وطاب.. ومع ذلك فإن تطور العصر جعل أن الصحف لم تعد الوسيلة المناسبة للبروباغندا والدعاية السياسية وإنما مواقع التواصل الإجتماعي التي يبدو أن الأحزاب صارت ترتع فيها طولا وعرضا من خلال إصدار الصفحات والمنشورات وإعلانات الفيديو التي تلقى في بعض الأحيان انتشارا ورواجا أكبر من أفضل البرامج التلفزيونية متابعة.

 

نبيل القروي مثله مثل سامي الصيد وأي كان غيرهما، من حقهم دستوريا التقدم للإنتخابات الرئاسية ولا يحق لأي كان أن يمنعهم من ذلك بل أكثر من ذلك ليس من حق أحد أن يفتك منهم مؤسساتهم الإعلامية حتى يتمكنوا من الترشح للرئاسة .. لكن ليس هذا ما ينص عليه القانون التونسي الجديد المتشبّع بروح استبدادية صرفة .. هذا القانون ذاته يصمت أمام الهاشمي الحامدي الذي استغل قناته "المستقلة" في انتخابات 2011 و2014.

 

بوضوح فإن الهايكا تتحدث عن مساواة لكن في واقع الأمر لا وجود البتة لأية مساواة بما أنه يوجد دائما من يتحايل على النصوص القانونية بطريقة أو بأخرى وهو ما تم في السنوات الأخيرة بمناسبة الإنتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية.

 

صحيح أن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري هي وسيلة أساسية بل ضرورية لإرساء الممارسة الديمقراطية، لذلك فإن إنقاذها والدفاع عنها واجب وطني لكن بالتوازي يجب تطوير القوانين المنظمة للساحتين الإعلامية والسياسية حتى تواكب روح العصر، مع محاولة الحفاظ قدر الإمكان على حقوق المواطنين والمساواة بينهم.

 

خارج حدودنا كل النواب الأوروبيين والأمريكان يستعملون مواقع التواصل الإجتماعي لإقناع الناخبين والفوز بالمناصب .. تلك وسيلتهم للوصول إلى نسبة متابعة ومشاهدة أكبر مما توفره لهم القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية مجتمعة.

 

خلاصة القول أنه لا يمكن للهايكا وللمجلة الإنتخابية التغاضي عن كل هذه المستجدات واتباع سياسة النعامة، أمام مواقع الإتصال الإجتماعي ثم تلعب دور الأسد حينما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام الكلاسيكية .. فحتى وإن كان ما يقوم به غير قانوني، فإن نبيل القروي بصدد استعمال حقه الدستوري كمواطن وما على المُشرّع إلا أن يطوّر القوانين حتى تنسجم مع حقوق المواطنين وحاجياتهم. فإذا كنا نرغب في أن يكون القانون محترما فلا بد لهذا القانون أن يحترم من هم مُطالبون بتطبيقه. 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0