لم اسمع عاشقين يقولان شكرا
بقلم: سفيان بن حميدة
بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل كان على الفلسطينيين ان يرحلوا مرة أخرى لكن للعودة الى فلسطين لاول مرة منذ سنة 1948 . وكان لا بد من كلمة وداع لتونس التي احتضنت القيادات الفلسطينية لسنوات وأين امتزج الدم الفلسطيني بالدم التونسي في ملحمة حمام الشط. وكان من الطبيعي ان يتكفل بالقاء هذه الكلمة الشاعر محمود درويش الذي تساءل منذ البداية: كيف نشفى من حب تونس؟
ويتبادر للذهن نفس هذا السؤال ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة للثورة. يستوقفنا السؤال في خضم مناورات السياسة وأزيز اخفاقات البرامج والوعود وضجيج التحركات الاجتماعية. ويحرقنا السؤال أمام موجات الكراهية بين فئات الشعب الواحد وقدام جثث وأشلاء خيرة أبناء الوطن الواحد الذين أريق دمهم على يد تونسيين مثلهم ولدوا على نفس التربة وستضمهم نفس التربة ولو بعد حين، بعد ان فرقتهم الأهواء وتلاعبت بهم المرجعيات.
كيف نشفى من حب تونس؟ سؤال كان وسيظل مستنكرا لكل زيغ عن الواجب الأول تجاه هذا الوطن وهو عشق تونس بكل ما فيها وبكل ما تعنيه ولكل ما تحمله من تراكم النجاحات والخيبات أيضا ورغم الانتصارات حينا والانكسارات أحيانا.
كيف نشفى من حب تونس وقد صنعت منا ما نحن حقا: شعب حر قام دوما على الظلم حتى وان استكان لفترة وقاوم المحتل كما المستبد وواجه الجيوش الغازية كما الأفكار المدمرة والسياسات الفاشلة المفقرة. شعب أطلق عقيرته دائما للمطالبة بحقه في الحياة والحرية والكرامة والعدل. وحتى ان لم تتحقق كل هذه المطالب فانه لم يحد عنها يوما ولم يتخلى عن تحقيق الهدف. شعب كلما حاولوا لجمه انتفض ليسترجع صوته ويحمل رايته وحلمه.
وحتى ان ظل بعضهم الطريق وتشتت بهم السبل وتلقفتهم جماعات المكر والخداع فراودتهم عن أنفسهم وزينت لهم الاجرام والقتل ومنتهم بجنات يرتقون اليها على جثث الأبرياء وجعلتهم ينظرون الى أمهاتهم وآبائهم وعائلاتهم وجيرانهم وأصدقائهم وخلانهم كأنهم فرقاء بل أعداء لهم، فإنهم يظلون بعضا من كل وحدته الأفراح كما المآسي وجمعت بين أفراده التجارب والمحطات. وسوف يبقون بعضا عميت بصيرتهم ولف الحقد قلوبهم فانعزلوا عن محيطهم وتربتهم وباتوا عسكرا لغيرهم من المناورين من أجل مصالح لا علاقة لها بالجنات المنشودة وبالحوريات الموعودة. وسوف ينتهي بهم المطاف لا محالة الى الفناء لأن هذا البلد الذي وشح الأحمر رايته يرفض الموت والإرهاب وكما تزين العروس الصباغ والحناء فان دماء الشهداء لن تزيد تونس إلا بهاء.
وحتى ان تكدرت النفوس من مصاعب الحياة وشحت سبل الرزق الكريم بالنسبة لفئات واسعة واستعصت على الناس حاجيات ابنائهم وعائلاتهم واستفحلت البطالة وبعدت الأهداف عن المنال، فان هذه المصاعب سوف تزول بكل تأكيد امام ارادة شعب همام عنيد. وهي مصاعب ليست جديدة فقد خبرنا البعض منها فلم تزدنا الا مناعة. وكما نجحنا سابقا، فإننا سوف نجتاز الصعاب مجددا. وكما غنمنا الحرية و الكرامة فإننا سنغنم التطور والرفاه لا محالة.
ولئن خيب الساسة الآمال وجعلوا الحلم بعيدا وقد كان على مرمى حجر، وغلبوا شهواتهم ومصالحهم عما ينفع البلاد والبشر، وتباعدوا وتشتتوا وتقاتلوا على فتات العطايا يمن بها عليهم من لا يحب الخير لهم ولبلادهم فقطعوا أوصال الوطن. ولئن خانوا الأمانة وخانتهم الشجاعة والكفاءة والشهامة وقت المحن، فانهم لن يخلدوا في مناصبهم وسيغادرون مواقعهم كما غادر من قبلهم من قيل انهم جاثمون على رقاب الناس حتى الأزل.
ورغم كل ما قد نقوله في فترات الضعف والوهن فان ما يجمعنا بكل ذرة من ذرات هذا الوطن أكبر بكثير من كل الصعاب التي لن تطفئ جذوة المحبة فينا. يؤكد محمود درويش أنه لم يسمع عاشقين يقولان شكرا. لكننا نقول شكرا لتونس لأن عشقنا فاق كل الحدود. فشكرا لكل ما قدمته تونس لنا ولآبائنا وأجدادنا. وشكرا لكل ما ستقدمه لنا ولأبنائنا وأحفادنا. نقول شكرا لأنه أكثر من شكر بين عاشقين. انه تأكيد أننا لن نشفى من حب تونس.
تعليقك
Commentaires