في أول ايام الحجر الصحي الشامل : فوضى و عصيان في الاسواق التونسية

أعلنت الحكومة التونسية يوم الجمعة 7 ماي 2021 عن إجراءات جديدة للتصدي لفيروس كورونا و ذلك وسط ارتفاع عدد الإصابات و عدد الوفيات خلال الأسابيع القليلة الماضية ، و كانت اللجنة العلمية قد حذرت من خطورة الوضع الصحي و من الضغط الذي تشهده المستشفيات و خاصة الاقبال الكبير على الاكسيجين في الوقت الذي يتجاوز الاستهلاك اليومي من مادة الاكسجين المقدر ب 100 لتر يوميا الإنتاج اليومي و الذي يبلغ 170 لتر .

و ضع صحي خطير في ظل ازمة الاقتصادية غير مسبوقة حيث  تراجعت  نسبة النمو الى 8.8 بالمائة خلال سنة 2020 و سجلت تونس عجزا في الميزانية يقدر ب 40.11 بالمائة ، لكن امام الازمة الصحية كان من الضرورة اتخاذ إجراءات الحجر الصحي الشامل لمحاولة تطويق انتشار الفيروس و هو ما ذهبت اليه الحكومة بعد الاخذ بعين الاعتبار توصيات اللجنة العلمية .

لكن الإعلان عن إجراءات الحجر الصحي الشامل و ما تبعها من إجراءات غلق الأسواق الأسبوعية و المحلات التجارية و منع التنقل بين المدن ، جاء في وقت متأخر فالإعلان تم يوم الجمعة 7 ماي لينطلق العمل بهذه الإجراءات يوم الاحد 9 ماي الامر الذي أدى الى اكتظاظ محطات النقل البري بالمسافرين و ازدحام مكاتب البريد و المحلات التجارية ، و النتيجة كانت حالة من الفوضى و طوابير طويلة من المواطنين أمام المحلات و البنوك و مكاتب البريد و في الوقت الذي تسعى  فيه إجراءات الحجر الى التقليص من انتشار العدوى عن طريق منع التجمعات و منع التنقل بين الجهات كان لهذا القرار نتائج عكسية فتجمع المئات من المواطنين في الأسواق و  المحلات غير واعين بخطورة الوضع الصحي و وصل الامر في بعض الأماكن الى اعتداءات و تدافع بين المواطنين و هو ما وقع يوم امس السبت في مكتب البريد ببن عروس و الذي اغلق بعد تعمد المواطنين اقتحام المكتب بالقوة ، و أمام حالة الفوضى التي شهدتها مكاتب البريد قرر البريد التونسي و بصفة استثنائية مواصلة العمل يومي الاثنين و الثلاثاء 10 و 11 ماي للتخفيف من الضغط الذي وقع يوم امس السبت على مكاتبه. 

و لم يكن لقرار الحجر الشامل وقعا إيجابيا على التجار فقرر بعضهم رفض قرارات الحكومة و مواصلة العمل الأسبوع المقبل و هو ما ذهب اليه  فرع الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات بسوسة و الذي اعلن في بلاغ له صدر يوم امس السبت  مواصلة النشاط التجاري بصفة عادية الى غاية يوم العيد رافضا بالتالي إجراءات الحجر الصحي الشامل التي اقرتها الحكومة للتصدي لفيروس كورونا ، و بحسب بلاغ للمنظمة يأتي هذا القرار نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة جدا التي يمر بها اغلب التجار و نظرا لالتزاماتهم المادية تجاه المزودين و لما تكتسيه الأيام التجارية التي تسبق أيام العيد ، من جهتها قررت الجامعة التونسية للحرفيين والمؤسسات الصغرى والمتوسطة الدخول في عصيان جبائي و عدم خلاص فواتير استهلاك الكهرباء و الماء ، و نددت الجامعة و نددت بما اعتبرته قرارات الحكومة الأحادية  دون الرجوع إلى أهل الاختصاص :" و دون مراعاة للأزمة الخانقة التي يعيشها الحرفيون والمؤسســــات الصغرى و المتوسطة و دون مراعاة لأصحاب الملابس الجاهزة و المقاهي " وفق ما جاء في بلاغها .

و في صبيحة اليوم الأول من الحجر الصحي الشامل اليوم الاحد ، و كما كان متوقعا لم يخضع التجار في بعض الولايات الى قرارات الحكومة فعمد التجار على اقتحام السوق المركزية و سوق سيدي البحري  بالعاصمة مطالبين بمواصلة نشاطهم التجاري لكنهم منعوا من ذلك بعد تدخل القوات الأمنية ما أدى الى مناوشات بين التجار و الأمنيين  و تم غلق السوق المركزية بالعاصمة وسوق سيدي البحري بالقوّة العامة ، و في صفاقس قام تجار الأسماك بخلع السوق و اقتحامه لتتدخل القوات الأمنية و تغلق السوق من جديد ، وحاول تجار الأسماك بسوق باب الجديد بسوسة فتح محلاتهم لكن الامن تصدى لهم ، و في بنزرت توجه عدد من التجار الى مقر الولاية للاحتجاج معلنين رفضهم الامتثال لقرار غلق المحلات التجارية .

من جهة اخرة واصلت بعض السوق الأسبوعية في ولاية قليبية ، القيروان و ولاية سليانة نشاطها بشكل طبيعي و عبر التجار عن رفضهم القاطع لقرار الغلق خاصة في هذه الفترة التي تسبق أيام العيد و التي تشهد حركية تجارية كبيرة للمواطنين و أظهرت صور تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تنقل عدد من المواطنين الى الأسواق و المحلات في خرق واضح لإجراءات الحجر الصحي الشامل .

و لم يتردد الاتحاد التونسي للصناعة للتجارة والصناعات التقليدية في التعبير عن تضامنه الكامل مع المهنيين والحرفيين والتجار وكل المتضررين من هذا الإجراء في كل جهات البلاد و في بلاغ لها أكدت منظمة الأعراف تفهمها للوضعية الصعبة التي وجدوا فيها التجار أنفسهم مؤكدة وقوفها إلى جانبهم وتبنيها لمطالبهم الهادفة إلى الحفاظ على مؤسساتهم والدفاع على موارد رزقهم. 

و اعتبرت منظمة الأعراف ان قرار غلق المحلات و الأسواق سيكون له تداعيات سلبية جدا على عديد القطاعات ستضاعف المعاناة والخسائر الكبرى التي تكبدها المهنيون منذ انتشار فيروس كورونا .

و دعا بلاغ المنظمة الى :" تلافي هذا الوضع بأقصى سرعة والسماح للمهن التي يمثل عيد الفطر المبارك ذروة نشاطها ويحتاج المواطن إلى خدماتها في هذه المناسبة الدينية الكريمة بالعمل خلال الأيام المقبلة السابقة لعيد الفطر، مع التزام الجميع من مستهلكين وأجراء ومهنيين بتطبيق البرتوكول الصحي والتباعد الجسدي، وذلك للتخفيف من حالة الازدحام التي شهدتها مختلف مناطق البلاد "

أيضا دعت منظمة الأعراف الحكومة الى اقرار خطة مساعدات طارئة وسريعة للقطاعات المتضررة من جائحة كرونا :"لأن تواصل هذا الوضع سيكون بمثابة الضربة القاضية للعديد من المهنيين والحرفيين والتجار " و طالبت المنظمة بتعليق كل عمليات استخلاص الالتزامات المالية والاجتماعية للمتضررين من أصحاب المؤسسات .

لا تعد حالة الفوضى و العصيان التي شهدتها الأسواق التونسية مفاجئة بل امرا متوقعا فالحكومة التي اتخذت قرار الحجر الشامل و اغلاق المحلات و الأسواق لم تأخذ بعين الاعتبار وضعية التجار و أيضا المواطنين و خاصة في هذه الفترة فبغض النظر عن أهمية الإجراءات و التي لا شك في قدرتها على تطويق انتشار الفيروس كان من الاجدر دراسة هذه الإجراءات في ظل الازمة الاقتصادية و التواصل الى اتفاق مع اهل الاختصاص أولا ، أيضا كان من الاجدر الإعلان عن هذه القرارات مسبقا لتفادي مظاهر الازدحام في وسائل النقل و المحطات و التي ستؤدي الى مزيد انتشار الفيروس .

رباب علوي