alexametrics
آراء

من كان يؤمن بالباجي فالباجي قد مات...ومن كان يؤمن بالجمهورية فالجمهورية باقية

مدّة القراءة : 3 دقيقة
من كان يؤمن بالباجي فالباجي قد مات...ومن كان يؤمن بالجمهورية فالجمهورية باقية

 

وذاك مصير الشعوب التي تعيش الديمقراطية، حتى وإن كانت فاشلة في التنظير لها..

رحم الله الباجي.. لقد كان رجلا.. ولم تكن سنّه عائقا البتة.. احتجنا في فترة عصيبة إلى شخصية كارزمائية فإذا به يشقّ الصفوف ويجلب الناس إليه .. لم يكن الباجي قايد السبسي أو كما يحلو له أن يلقّب بالبجبوج بالشخصية العادية، وإذا قابلته تنسى لحينك أنّك تخاطب عجوزا أرهقه الزمن أو المرض ، بل يجلبك بحديث عذب شُحن تجارب امتزجت بالدعابة والفكاهة وحضور الفطنة .. قبله الناس بجميع تناقضاته، وتناقلوا مواقفه وملاحظاته حتى تلك التي قد تحمل أحكاما مسبقة ليتداولوها وتتحوّل سريعا إلى شبه أمثال شعبية تُذكر للتندّر.. عرف كيف يشدّ إليه الشيخ والعجوز .. الكهول والشباب بل وحتى الأطفال.. وعرف كيف يرجّ المسلّمات التي ترسّبت في الأذهان فكلّستها ومنعت عنها الهواء والماء..

 

أردت أن يكون حديثي اليوم عن خصال البجبوج، وليس تكلّفا وإنّما لأنّي وجدت نفسي أطرد كلّ فكرة ناقدة من ذهني.. والسبب واضح وبسيط: أدركت كما أدركتم جميعا أنّنا تلقّينا درسا حيّا يوم أمس .. يوم الاحتفال بعيد الجمهورية، درسا حرص البجبوج على أن نعيشه ، وأن نرمي جانبا جميع النظريات في الأنظمة الجمهورية.. تلقّينا بوفاته هذا اليوم درسا في كيفية تصرّف شعب يدرك فجأة سقوط سارية من أهمّ السواري التي يقوم عليها النظام الجمهوري، شعب يكابد منذ تسع سنوات فراغات قانونية ولم ينهزم، واليوم يتوفّى رئيس جمهوريته وهو في أعز الحاجة إلى بقائه حيّا أملا في سدّ الثغرات القانونية حتى لا تتلاشى مبادئ الجمهورية.. فضل البجبوج اليوم كبير علينا، هدانا بوفاته إلى أنّنا نعيش على مبادئ الجمهورية وتربّينا عليها، صحيح أنّ فينا الأميين وأنّ الكثير منّا يجهل قوانين الجمهورية لكنّ معانيها انسلّت إلى عروقنا فغذّت دماءنا..

 

عشنا منذ الخميس الأسود تحت غيوم من الخوف والشكّ.. خوف من أن تعمّ الفوضى بوفاة الباجي، وظلّ الناس يدعون ليلا نهارا بحفظ الباجي من كلّ أذى طردا لأنفس طمّاعة تقتنص الفرص حتى تنقضّ على الحكم.. واستحضرنا جميع السيناريوهات التي ستؤول بالوبال علينا.. ولكن تبيّنت حقيقة أخرى يوم أمس.. أدركنا أنّ جمهوريتنا بنيت على أساس متين، وأنّنا استوعبنا جميع مبادئها .. فكنّا شعبا حزينا على فراق رئيسه ولكنّه رصين في تقييم الأمور..

حياة عادية جدّا عشناها أمس وفي نفس الوقت إنجازات فريدة قمنا بها في وقت قصير جدّا: انتقال سلس واجتماعات مكثّفة بحثا عن سبل تتماشى مع ما ورد في الدستور من مهل قانونية للانتقال الديمقراطي.. وجميع ذلك حدث ونحن نتألّم في صمت لفراق البجبوج.. أدركنا قبل أن نثبت للعالم أنّنا شعب رصين يتقن التعامل مع المشاكل، وانّنا رغم اختلافاتنا فإنّنا في اللحظة الحاسمة نصمت ولا تتكلّم سوى تونس، ولا مصلحة تعلو على تونس.. وأنّنا جميعنا يعيش هذه اللحظة الفارقة في حياته نرجئ الاختلاف إلى حين أن ندفن رئيسنا ثم لكلّ حادث حديث..

وذاك طبعنا، نؤثر الوطن على ذاتنا الفردية، ونحفظ له سيره الطبيعي ونحميه من التوتّر.. أدركنا أمس، وبفضل البجبوج أنّنا بخير ولا خوف على مبادئ الجمهورية لأنّها صارت محرّكا لوجودنا وصفة قارّة في هويتنا.. وأدركنا ذلك في لحظة كاد فيها هذا الإيمان أن يتلاشى..

 

اليوم وفاة الباجي توقفنا على نقاط تقتضي منّا اليقظة حتى نحمي هذا الإرث الضخم.. وبفضله فهمنا أنّ في مجتمعنا مرضى افتقدوا إلى حصانة لأنّهم لم يلقّحوا وهم صغار فضربت جرثومة الظلامية عقولهم وأنظارهم وألسنتهم.. والحمد لله أنّها طوائف قليلة تغرّد خارج السرب، لكن يجب أن نتفطّن إليها ونواجهها لأنّها ابتليت بجرثومة سريعة الانتشار والعياذ بالله، ونحن نخشى على أبنائنا منهم: إنّها جرثومة الجهل المقدّس.. تنمو وتتعاظم بالحقد والكراهية والسب والشتم.. جرثومة ترى نفسها الأعلى والأعظم وتسعى إلى أن تضرب العقول فترديها مغميا عليها ولا حراك..

 

الوقت يمرّ سريعا، وعلينا نحن، أن ننفض عن أنفسنا غبار اليأس والإحباط حتى نقف مجدّدا لتونس ولمبادئ جمهوريتنا التونسية.. مبادئ لن تجدها في شعوب كثيرة أخرى.. ومبادئ تجعلنا أغنياء وإن كنّا نعاني من الديون والفقر، و تجعلنا حداثيين أيضا بالرغم من أنّ هذه الجرثومة تسعى جاهدة إلى أن تنغرس في أجسادنا.. علينا أن نحنو أكثر على تونس لأنّ تونس هي أنا وأنت .. هي أباؤنا وأجدادنا الذين أرادوا أن نكون مختلفين.. وتونس هي أبناؤنا وبناتنا.. وليس مجانا أن ترتجف الأنفس لقولة الشابي: :" نموت نموت ويحي الوطن"..

 

آن الأوان يا بنات وطني ويا أبناء وطني ان نلمّ عزمنا ونقف لوطننا في هذين الشهرين الحاسمين من حياتنا.. فقد شدّ أباؤنا عزائمهم وحان دورنا اليوم أن ننهض بالمسؤولية..

فوداعا سيدي الرئيس.. كنت سلفا طيبا ونأمل أن نكون خلفا في مستوى انتظارات بلدنا.. انتهت العطلة وذاك قدرنا.. والبقاء للجمهورية.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0