هل يتوفر الباجي قائد السبسي على سمات رجل الدولة؟
بقلم : سفيان بن حميدة
لم يكن خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمناسبة احياء عيد الاستقلال مفاجئا. وكيف له ان يكون مفاجئ وهو خطاب لم يقدم اي مقترح للخروج من الازمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد ولم يطرح اية حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها. بل بالعكس من ذلك فقد جاء خطاب رئيس الجمهورية متناغما مع خطاباته الاخيرة فأطنب في نقد الحكومة ورئيسها وأكد مسؤوليتها بمشاركة حليفتها النهضة في صعوبة الأوضاع المعيشية للمواطنين وفي تدهور المؤشرات الاقتصادية العامة للبلاد. ولربما الأمر الجديد الوحيد في خطاب رئيس الجمهورية هو الدفع بعدم دستورية تصرفات رئيس الحكومة وحلفائه في ابعاده عن دائرة القرار وهو رأي يفصح عنه رئيس الجمهورية لأول مرة.
كما لفت رئيس الجمهورية الانتباه في ختام كلمته بالتفريق بين رجال السياسة ورجال الدولة وتأكيده ان البلاد تفتقر اليوم الى رجال الدولة. وليست هذه المرة الاولى التي يتحدث فيها رئيس الجمهورية عن السياسيين واهتمامهم المبالغ بالانتخابات أى بالتموقع داخل السلطة بخلاف رجال الدولة الذين يكون هاجسهم الأجيال المقبلة من الناس ومستقبل الدولة والبلاد. وحيث ان العهدة الرئاسية تشرف على نهايتها يجوز التساؤل لأي فئة ينتمي رئيس الجمهورية. هل هو من السياسيين الذين لا تهمهم إلا الانتخابات أم هو من فئة رجال الدولة الذين يحملون هاجس البلاد ومستقبلها؟
ولعل ابرز خصال رجل الدولة قدرته على توحيد الصفوف وجمع الأطياف المتنافرة حوله وحول مشروعه السياسي والمجتمعي. وقد انتبه رئيس الجمهورية خلال كلمته بمناسبة احياء عيد الاستقلال الى هذه السمة المميزة لرجال الدولة فركز على قدرة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة على تخطي الصعاب التي كان يواجهها بفضل قدرته على تجميع جميع طاقات المجتمع التونسي وتحقيق ما كان يعرف باسم الوحدة القومية. واعترف رئيس الجمهورية أنه حاول تحقيق الوحدة الوطنية بانتهاج نفس الأسلوب الذي اعتمده الرئيس بورقيبة فاستعان بجميع الاحزاب السياسية وبالمنظمات الوطنية لا سيما الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بهدف تكوين حكومة الوحدة الوطنية علها تخرج البلاد من الصعوبات التي تتخبط فيها. لكنه اعترف كذلك انه فشل في مشروعه وفي تحقيق الوحدة الوطنية بسبب تراجع بعض الأطراف وانسحابها دون سبب وجيه. وقد أكد رئيس الجمهورية مرارا أن المجال السياسي لا يحتكم إلا لما ينجز من نتائج. فهل نقول ان رئيس الجمهورية ليست له خصال رجل الدولة لأنه فشل في تحقيق الوحدة الوطنية أم نستعيض عن ذلك بالقول ان لرئيس الجمهورية أجر واحد باعتبار اجتهاده الذي لم يحالفه الصواب؟
أما السمة الثانية المميزة لرجل الدولة فهي تحمله لمسؤولياته مهما كانت جسامة هذه المسؤوليات. وقد ركز رئيس الجمهورية في كلمته على ضرورة تحمل المسؤولية. لكنه كان يعني بذلك رئيس الحكومة والأطراف الحاكمة اليوم ولم يشر قط الى مسؤوليته فيما يحدث اليوم من تصدع سياسي وتجاذب حاد بين الفرقاء السياسيين. والواقع ان مسؤولية رئيس الجمهورية ثابتة في الازمة التي يتخبط فيها حزبه لأنه كان رافضا لعقد مؤتمر النداء وأرجأ الأمر الي ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية. كما انه كان مهندس التوافق والائتلاف بينه وبين حركة النهضة الاسلامية بل فرض هذا التقارب على حزبه وعلى بقية الأطراف السياسية المؤيدة كما الرافضة له. وهو الذي عين رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد ليقرر تنحيته فيما بعد. وهو ايضا الذي أخرج ورقة رئيس الحكومة الحالي من كم سترته وفرضه على الموقعين على وثيقة قرطاج. لكن رئيس الجمهورية لا يشير الى هذه المحطات إلا لتعدادها دون أن يتوقف عندها لتبيان مسؤوليته المباشرة فيها.
وتبقى السمة الأهم لرجل الدولة هي شجاعته في تقديم الرؤى المستقبلية وفي اتخاذ المبادرات والقرارات التي تغير نسق حياة المجتمع وتطبع الدولة وتحدد توجهاتها لأجيال لاحقة عديدة. وكما نجح بورقيبة سابقا وهو مثال لرجل الدولة من خلال قراره المتعلق بمجلة الأحوال الشخصية وتطوير واقع المرأة التونسية، فان الفرصة مواتية للرئيس الباجي قائد السبسي حتى يلتحف بسمات رجل الدولة شريطة نجاحه خلال الفترة المتبقية من ولايته في تمرير قانون المساواة في الارث وهو ما من شأنه ان يدخله تاريخ تونس الحديث بالرغم عن تعففه الظاهر عن البحث عن مثل الموقع.
تعليقك
Commentaires