من منصف قرطاس إلى بلحسن الطرابلسي .. القوى العظمى في نجدة المافيات
ما إن شاع خبر إيقاف منصف قرطاس، حتى اشتغلت آلة منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان المموّلة من الغرب لإدانة عملية الإيقاف .. هذه المنظمات غير الحكومية التي لا تتورّع كل مرة عن إعطاء الدروس والخوض في ما هو خير وشر وتوزيع شهادات البراءة على البعض وشهادات الإدانة على البعض الآخر، لم تكلّف نفسها حتى عناء التثبت من محضر الإستماع للمتهم .. لتنهال زمرة من "الحقوقيين" على بلادنا وحكومتها بوابل من الشتائم والإتهامات.
الحكاية معقدة نوعا ما، مثلها مثل أي قضية تخابر أو تجسس .. فحتى اللحظة وإلى غاية النظر في هذه القضية، ليس من حق أي كان أن يقول إن هذا الخبير الأممي هو جاسوس وثبتت ضده التهم الموجهة إليه من قبل وكيل الجمهورية. لكن لا أحد أيضا بإمكانه أن يدعي أن قرطاج ليس مورطا .. فالعدالة تحتكم إلى آجال لا يمكن اختصارها للتحقيق في القضية والبت في ما إذا كان هذا الشخص متورطا أو بريئا.. لكن على حد علما فإن هذه الآجال لم تنقض بعد ورغم ذلك انهالت مواقف وردود فعل المنظمات المأجورة والمصالح الدبلوماسية والأممية.
لا أحد يعلم مستوى تورّط منصف قرطاس في هذه القضية .. فقد يكون الرجل نظيفا ووطنيا حد النخاع، إلا أن مغالاة المنظمات غير الحكومية في ردود أفعالها، تبث الشكوك حتى في أكثر الملاحظين حيادا. فاتهاماتهم القذرة نحو الحكومة تبعث على الريبة والشك .. تلك الأطراف ذاتها التزمت الصمت في عديد القضايا المتعلقة بالحريات وهي تقيم الدنيا ولا تقعدها في قضية منصف قرطاس، مما يثير الشكوك.
القضاء التونسي حريص منذ الثورة على الدفاع عن استقلاليته، فالنيابة العمومية رغم ارتباطها بسلطة الإشراف، إلا أنها تبذل قصارى جهدها لتكون مستقلة عن السلطة الحكومية.
أن تطلب تلك المنظمات غير الحكومية من الحكومة التونسية، الإفراج عن منصف قرطاس فهو في حد ذاته اتهام قذر في حق الحكومة والنيابة العمومية وإنكار واضح لسلطة العدالة.. فالرجل كغيره من المتقاضين عليه أن يخضع لقوانين البلاد وعلى حد علمنا فإن النيابة العمومية لم تخترق هذه القوانين بوضعه في حالة إيقاف وهو إجراء قانوني عادي ومألوف في مثل هذه الحالات.
لذا على تلك المنظمات الحقوقية المأجورة وغيرها من الدبلوماسيين، احترام قوانيننا عوض تشويه تونس وسيادتها منذ 2011 .. فقد حان الوقت لأن تسترجع هذه البلاد وهذه الدولة كرامتهما وهيبتهما المنتهكة منذ الثورة.. ففي زمن بن علي وكذلك الزعيم بورقيبة لم يكن بإمكان الجواسيس والخونة التحرك بحرية أو حتى التنفس هادئين .. لكن منذ 2011 لم يعودوا فقط يتجولون بحرية مطلقة، بل يجرؤون على إملاء أوامرهم ورغباتهم السياسية على السادة القضاة.
بلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس الأسبق زين العابدين ببن علي، تم إيقافه خلال الفترة المتراوحة بين 13 و14 مارس 2019 بمرسيليا وهو ما انفردت بنشره بيزنس نيوز يوم 16 مارس الماضي. وقد وجهت له يوم 18 مارس تهمة تبييض الأموال ضمن عصابة منظمة، وفق ما أفادت به وكالة فرنس براس التي استندت إلى مصدر قضائي فرنسي، قبل أن يتم إطلاق سراحه يوم 28 مارس بعد دفع كفالة مالية قيمتها 100 ألف أورو مع الإلتزام بعدم مغادرة التراب الفرنسي.
وكان الرجل فر من تونس يوم 14 جانفي 2011 ليفلت بذلك من قبضة القضاء التونسي، قبل أن يفر في 2016 من كندا للإفلات من قبضة العدالة الكندية إذ قام باستخراج وثائق مزورة ليفلت من قبضة الإنتربول وهو ما نجح في القيام به بما أن بلحسن الطرابلسي يتجوّل طليقا في أوروبا منذ ذلك الحين.
ورغم هذه السوابق، فإن القضاء الفرنسي اعتبر أن هذا الشخص لا يشكل أي خطر في علاقة بإمكانية هروبه مرة أخرى، ليقرر الإفراج عنه يوم الجمعة 28 مارس 2019. علما بأن بلحسن صادرة في حقه، من قبل تونس وكندا، حوالي 40 برقية إيقاف دولية .. وهنا من حقنا التساؤل كيف قضت العدالة الفرنسية بالإفراج عنه بمجرد دفع كفالة، وذلك بالإستناد فقط إلى التهمة الموجهة له في هذه القضية ؟.. في انتظار الرد على هذا الاستفسار وجب التذكير بأن تونس هي التي تم إدراجها في قائمة سوداء لتبييض الأموال وليست فرنسا.
مساء الجمعة الماضي، أي يوم الإفراج عنه، تم إيقاف بلحسن الطرابلسي مجددا، وحسب معلوماتنا فإن عملية الإيقاف تمت بتدخلات عليا من الدولة التونسية وهو ما أتاح للقضاء الفرنسي فرصة تصحيح مساره وخطئه الفادح وغير القانوني قبل فوات الأوان.. كل هذا جيد لكن علينا أن نتوقف قليلا عند قرار الإفراج عنه والضغط الذي مارسته بعض اللوبيات لتمكينه من ذلك السراح.. فلولا تدخل بعض الشخصيات النافذة لما كان القضاة الفرنسيون (الذين يفترض أنهم مستقلون، نظريا على الأقل)، أصدروا حكما بالإفراج عن هذا المشتبه فيه بعد دفع كفالة مالية.
فهل من وجه شبه بين قضية بلحسن الطرابلسي ومنصف قرطاس؟ .. الغريب في الأمر أن الأوامر والتعليمات تتهاطل، من جهة، على تونس حتى تخوض حربا ضروسا على تبييض الأموال والشبكات الإرهابية، ومن جهة ثانية نجد تلك القوى الدولية ذاتها تطالب تونس بشن هذه المعركة التي يقومون هم بعرقلتها.. القوى الدولية ذاتها التي تموّل المنظمات غير الحكومية (خاصة هيومن رايتس ووتش وأنا يقظ) والتي تدّعي بصوت عال أن تونس لا تحترم حقوق الإنسان وقرينة البراءة وتحمي الفاسدين .. تلك المنظمات ذاتها التي تحمي أشخاصا يشتبه قيامهم بأعمال غير قانونية خطيرة ويحاولون منع القضاء التونسي من القيام بعمله.. هي الأطراف ذاتها التي تتجرأ على تصنيف تونس في القائمات السوداء وتربط مساعداتها بعمليات قضائية وتشريعية محددة.
لذلك على هذه القوى الدولية أن تتفق وتوضح إراداتها، عبر "سفرائها المرتزقة" التابعين للمنظمات غير الحكومية.. فإما أن يكون لتونس قضاء مستقل وفي هذه الحالة عليهم أن يتركوها وشأنها، سواء تعلق الأمر بإيقاف منصف قرطاس أو إصدار برقيات إيقاف ضد بلحسن الطرابلسي، أو أن يكون القضاء في تونس خاضعا للتعليمات وفي هذه الصورة فإن الحكومة توقف وتفرج عمن تشاء هي وتلك القوى الدولية. موقف ما بين بين وسياسة المكيالين لا محل له من الإعراب فهو تصرف يعكس الكثير من النفاق والنزعة الإستعمارية الجديدة.
تعليقك
Commentaires