قيس سعيد و إستراتيجية الإلهاء - أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا
لتشتيت انتباه الجمهور والشعوب عن قضاياهم الحياتية الأساسية ولتمرير قوانين بطريقة فوقية، تعتمِد السلطات الحاكمة والحكومات سياسة 'إستراتيجية الإلهاء' وهي وسيلة لحصر مطلب الشرائح الاجتماعية وآمالها بالحصول على الغذاء والماء والكهرباء والصحة، فيما تمرّ عبر بيئة من الفوضى مشاريع تثبيت قوانين جديدة للدولة.
المفكّر والفيلسوف الأمريكي نعوم تُشُومِسْكِي، في تحليله لسياسة 'استراتيجية الإلهاء ، يقول ''حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى''.
ويُشير الفيلسوف الأمريكي تشومسكي إلى أنّ تصدير كم كبير من الإلهاءات والمعلومات التافهة، ومنع العامة من الاطلاع والمعرفة الأساسية بمجالات العلوم والاقتصاد ، يُعدّ عنصرًا أساسيًا في التحكم الاجتماعي وهو إلهاء انتباه العامة للقضايا والتغييرات الاجتماعية الهامة التي تحددها النخب السياسية والاقتصادية.
يعيش الشعب التونسي على وقع ''إستراتيجية الإلهاء'' منذ سنوات ، في حين أنّ هذه السياسة باتت واضحة وجليّة في عهد حُكم الرئيس قيس سعيد.
كلّما انتفض الشعب التونسي والمجتمع المدني مناديا بحلول لقضاياه الحياتية الحارقة، من فقر ، بطالة، تهميش، ارتفاع في الأسعار، ضعف المقدرة الشرائية، ارتفاع نسبة التضخم، تدني كتلة الأجور، فقدان كبير للمواد الغذائية الأساسية، إلاّ وتعتمد السلطة الحاكمة سياسة إلهاء العامة عن تلك القضايا بتسريب معطيات غير مؤكّدة وأشهرها ''مسألة محاولات اغتيال رئيس الجمهورية قيس سعيد''.
'' تعدّدت محاولات إغتيال الرئيس قيس سعيد و غابت الحقيقة !''، تجدون في هذا المقال محاولات اغتيال قيس سعيد التي أعلنت عنها رئاسة الجمهورية وكذلك وزارة الداخلية على غرار حادثة 'الظرف المسموم ' في جانفي 2021. كذلك حادثة النفق الذي تمّ الكشف عنه بجهة المرسى بالضاحية الشمالية بتونس العاصمة، التي لا يعلم أحدّ حقيقة وقائعها.
تعدّدت محاولات اغتيال الرئيس قيس سعيد في فترة حُكمه ولكن لم يظفر الرأي العام التونسي بأيّ حقيقة تُذكر أو نتيجة ملموسة لهذه المحاولات ولم يتمّ الكشف عن من يقف وراءها.
هذه المحاولات وغيرها من ما يتمّ إشاعته ، اعتبرها ملاحظون بالمشهد الوطني السياسي وسيلة تعتمدها السلطة لإلهاء الشعب والرأي العام عن القضايا الحارقة الحقيقية وهي كذلك استراتيجية تنتهجها السلطة لتمرير ما تريد من نظام.
سياسة الإلهاء في تونس غيّرت نظام الحُكم في البلاد، أُغلق عبرها برلمان منتخب بطريقة ديمقراطية على الرّغم من العيوب والشوائب التي تحوم حول أعضائه النواب، هذه السياسة أيضا أعدمت دستور 2014، الذي كان وسيلة أدخل بها الرئيس قيس سعيد تونس في فترة إستثنائية ونصّب نفسه الحاكم والمُقرّر الوحيد في مصير البلاد والعباد.
سياسة الإلهاء طفت منذ نهاية الأسبوع الفارط على المشهد السياسي كي تحجب عن التونسيّين ما يحُوم من تجاوزات وخروقات حول الانتخابات التشريعية ، وذلك من خلال تسريب وثيقة قضائية مزعومة تداولتها مواقع إعلامية وأثارت جدلا على الشبكات، تتعلّق بفتح النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بحثا تحقيقيّا ضد 25 شخصية معروفة.
من بين الأسماء التي تضمنتها الوثيقة المسربة، وجوه اعلاميّة معروفة، سياسيون ووزراء سابقون في الدولة ونقابيون أمنيون وإطارات أمنية سابقة وشخصية أجنبية فرنسية الجنسية.
و يتعلّق التحقيق بجرائم " تكوين وفاق بغاية الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتآمر على أمن الدولة الداخلي، وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية، الغرض منها الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية الدبلوماسية، والتدليس ومسك واستعمال مدلس وارتكاب فعل موحش في حق رئيس الدولة".
وكانت أول المعلقيّن والنافين لهذه الوثيقة، مديرة الديوان الرئاسيّ سابقا، نادية عكاشة، والتي استغربت الزجّ باسمها مجددا واعتبرت ذلك هرسلة وتشويها.
هذه الوثيقة ، أثارت ردود أفعال كثيرة وساهمت في إلهاء التونسيين عن المسار الانتخابي وأصبح حديث السياسيين ورواد الرأي العام تلك الوثيقة المسرّبة وبالتحديد طبيعة المتهمين التي جاءت أسماءهم في تلك الوثيقة.
البعض، أشار أنّ جلّ الذين ذُكرت أسماءهم ، من أنصار نظام قيس سعيد ودافعوا في السابق عن كلّ القرارات التي اتخذها واليوم أصبحوا في مرمى نيرانه ولم يكتفي الرئيس باستهداف خصومه السياسيين بل توجّه استهدف اليوم مسانديه.
البعض الآخر، اعتبر أنّ تسريب هذه الوثيقة في الفترة الانتخابية يهدف إلى إلهاء التونسيّين عن المسار الانتخابي الذي تشوبه العديد من التجاوزات في ظلّ تدخل هيئة الانتخابات في صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري ''الهايكا" وكانت الهيئة قد انفردت بنشر القرار المتعلق بالتغطية الإعلامية للحملة الإنتخابية.
القيادي بالتيار الديمقراطي هشام العجبوني أكّد أنّ "التسريبات" التي تستهدف العديد من الأشخاص بتهمة الاعتداء على أمن الدولة تندرج في إطار إسكات الأصوات المعارضة وزرع الفوضى.
نجح رئيس الجمهورية قيس سعيد بتمرير الاستشارة الوطنية ثم الاستفتاء والآن معتمدا على هيئة الانتخابات وعلى سياسة إلهاء الشعب التونسي ، يتوجّه رئيس الدولة لإنتخابات تشريعية قاطعتها أغلب الاطياف السياسية وسيواصل في إصدار مراسيمه وقوانينه دون أن يأبه لأحد… سياسة الإلهاء وقيادة البلاد بصفة فردية لن تُغطي فشل السلطة التنفيذية في إدارة الأزمات وفي إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والإجتماعية.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires