قيس سعيد - هشام المشيشي : هل تعود المياه الى مجاريها ؟
مثلت المكالمات الهاتفية التي جمعت الرؤساء الثلاث يوم امس الخميس 13 ماي يوم عيد الفطر مناسبة لتبادل التهانئ و أيضا للتباحث حول الشأن الوطني ، و كان لهذا المحادثات الهاتفية وقع على الساحة السياسية حيث رجح البعض إمكانية عودة المياه الى مجاريها بين رئيس الجمهورية قيس سعيد و رئيس الحكومة هشام المشيشي بعد ازمة سياسية دامت أشهر فيما اعتبر البعض الاخر أن الفجوة السياسية التي تعيشها السلطة التنفيذية اعمق و لا يمكن حلها بمجرد اتصال هاتفي .
و نقلا عن بيان رئاسة الحكومة شدد كل من رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة خلال المكالمة الهاتفية التي جمعتهما على ضرورة توحيد الجهود من أجل تجاوز الصعوبات التي تعرفها البلاد جراء جائحة كورونا و حتى تعود الحياة إلى نسقها الطبيعي لما فيه خير ومصلحة الشعب التونسي و من جهته رحب رئيس مجلس نواب الشعب بخطاب رئيس الجمهورية الذي توجه به للتونسيين يوم العيد، وتناول اللقاء الهاتفي الذي جمعها الوضع العام بالبلاد وفق ما جاء في بلاغ رئاسة المجلس ، و تجدر الإشارة في هذا السياق ان خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد 12 ماي و على غير العادة لم يكن سياسيا و لم يمرر رئيس الجمهورية رسائل مباشرة لخصومه السياسيين وأكتفى بتهنئة التونسيين بالعيد و بالحديث حول الوضع الصحي العام .
و اعتاد رئيس الجمهورية قيس سعيد في كل نشاط ميداني أو ظهور اعلامي على توجيه رسائل و إشارات لخصومه ، ففي الكلمة المتلفزة التي القاها بمناسبة شهر رمضان يوم 13 أفريل 2021 دعا رئيس الجمهورية السياسيين الى "الصوم عن الكذب و الافتراء " و اعتبر في كلمته ان السلطة ابتلاء و :" انه كل من له سلطة في البلاد سيحاسب على افعاله " و من الواضح من كلمته انه يقصد في حديثه عن أصحاب السلطة في البلاد : رئيس الحكومة على رأس السلطة التنفيذية و رئيس البرلمان على رأس السلطة التشريعية .
و عند مشاركته موائد الإفطار مع وحدات الجيش الوطني خلال شهر أفريل ، حرص رئيس الجمهورية قيس سعيد على التذكير بدوره و مكانته كقائد أعلى للقوات المسلحة و ذلك أمام حملات التشكيك في صلاحياته و التي يقودها رئيس البرلمان راشد الغنوشي ، ووجب التذكير في هذا السياق بالتصريح الإعلامي الذي ادلى به الغنوشي منذ اندلاع ازمة التحوير الوزاري في جانفي 2021 و الذي قال خلاله ان :" دور رئيس الجمهورية رمزي فقط ونحن في نظام برلماني السلطة فيه للحزب الحاكم! " و لا يعد تصريح رئيس البرلمان و رئيس حركة النهضة مفاجئ فحركة النهضة تسعى بجميع الوسائل التي تمتلكها الى تقزيم دور رئيس الجمهورية و الحد من صلاحياته و هو ما سعيت اليه مثلا حين اقترحت كلتها بالبرلمان تعديل القانون الانتخابي والغاء صلاحية رئيس الجمهورية الخاصة بدعوة الناخبين للانتخابات .
و لم تستثني زياراته الميدانية للجهات خطاباته السياسية ، فعلى سبيل المثال كان تصريحه في الزيارة الميدانية التي قام بها لولاية القيروان في شهر فيفري الماضي من أجل الإعلان عن إحداث قطب تكنولوجي للصحة ، سياسيا و ملغما بالرسائل المباشرة و وصف حينها خصومه السياسيين بالمنافقين قائلا :" من اختار النفاق و التلون بكل الألوان حسب المصالح فبالتأكيد سياتي يوم يلفظهم فيه الشعب بعد ان يلفظهم التاريخ " ، و في لقاء جمعه بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بتاريخ 16 ديسمبر 2020 توعد رئيس الجمهورية العملاء و الخونة :" لن نقبل ابدا في ان نتحالف او ندخل فما رتبوه من مؤامرات نحن على العهد مع الشعب التونسي، لن نتراجع عن كل التزام و عن أي موقف، تونس فوق الجميع، عاهدت الشعب لان أكون مخلصا له و لن اتردد ابدا في اللجوء الى كل الوسائل القانونية المتاحة ضد الخونة و العملاء الذين باعوا ضمائرهم بالعملة التي تأتيهم خلسة".
و حتى خلال لقاءه الضيوف الأجانب لم يتردد رئيس الجمهورية قيس سعيد عن اطلاق أسهمه في اتجاه خصومه وهو ما وقع في لقاء جمعه بوزير خارجية مصر سامح حسن شكري يوم الخميس 22 افريل ، حين استغل اللقاء للتعبير عن استنكاره لمحاولات ضرب الدولة من الداخل في إشارة مباشرة للاتهامات التي وجهها له النائب الإسلامي الراديكالي راشد الخياري و قال حينها :"الخطر الذي يتهدد الدول ليس الذي يأتي من الخارج فقط بل الأخطر من العدوان الخارجي هو العدوان على مؤسسات الدولة في الداخل فعوض توجيه صواريخ من الطائرات او من المنصات توجه صواريخ لتفجير كيان الدولة من الداخل و هذا ما نرفضه " .
خلو الكلمة المتلفزة التي القاها رئيس الجمهورية ليلة العيد من السياسة و الاتصال الهاتفي الذي جمع رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية و الذي تم التأكيد فيه على ضرورة توحيد الجهود من أجل تجاوز الصعوبات قد يكون بالنسبة لبعض السياسيين بوادر انفراج الازمة السياسية في تونس وهو ما ذهب اليه مثلا النائب حافظ الزواري و الذي وصف التواصل بين رأسي السلطة التنفيذية و بين رئيس البرلمان و رئيس الجمهورية بالخطوة الإيجابية ، من جهته رجح النائب مبروك كرشيد وجود علاقة بين الاتصالات الهاتفية التي جدت ليلة العيد و بين الاتصال الهاتفي الذي تلقاه رئيس الجمهورية من نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كاميالا هاريس يوم الثلاثاء 12 ماي ، و كتب كرشيد في تدوينه له اليوم الجمعة :" اتت مكالمة نائبة الرئيس الأمريكى أكلها حلحلت الوضع الداخلي بطلب امريكي الرؤساء اخيرا يتهاتفون " و اعتبر النائب مبروك كرشيد أن حلحلت الوضع الداخلى يأتي الان بطلب امريكي.
تعد هذه الاتصالات الهاتفية إشارات سياسية قد تدل على بوادر انفراج في المشهد السياسي الذي يعاني من تجاذبات انطلقت من السلطة التنفيذية ووصلت الى الشارع التونسي مرورا بالبرلمان ، في هذا الاطار أشار بعض المتابعون للشأن الوطني الى امكانية التوصل الى حل بوساطة أمريكية في الوقت الذي لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل في انتظار تكريس مبادرته الوطنية للحوار التي تصارع من أجل البقاء .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires