alexametrics
الأولى

قيس سعيد يزيد من توتّر الشعب بخطاب مُربِك ومُبهم

مدّة القراءة : 5 دقيقة
قيس سعيد يزيد من توتّر الشعب بخطاب مُربِك ومُبهم

يعيش أهالي ولاية سيدي بوزيد كلّ سنة على وقع مراسم ميلاد ثورة 17 ديسمبر 2010،  التي أطلق شرارة إندلاعها الشاب محمد البوعزيزي بعد أن قام بإحراق نفسه أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه.

استقبل متساكنو سيدي بوزيد يوم الإحتفال بذكرى ''ثورة الحرّية والكرامة''، يوم الثلاثاء 17 ديسمبر، رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، وكلّهم أمل في أن يُحيطهم علما بمسار البلاد وحلول تفتح لهم أبواب الأمل في العيش الكريم وردّ اعتبار لولاية سيدي بوزيد التي ساهمت بأرواح شهدائها وشهداء كافة الولايات في خلق الديمقراطيّة في تونس.  قيس سعيّد ألقى خطابا في ساحة الشهيد محمد البوعزيزي أمام جمع غفير من الناس، خطاب خلق حيرة وزاد الوضع العام في البلاد غموضا. 


افتتح قيس سعيّد خطابه مشيرا إلى أنّ ثورة تونس ثورة الربيع العربي وُلدت يوم 17 ديسمبر وتمّ إجهاضها يوم 14 جانفي 2011، ومع هذه الكلمات استمرّ الحاضرون في التصفيق وتعالت الزغاريد دون انتباه منهم إلى معنى ومغزى ما قاله. رئيس الدّولة فاجئ كلّ مُدرك عاقل مُتابع للشّأن السياسي ولوضعيّة البلاد باتّهاماته المُبهمة لأطراف خيّر عدم ذكرهم وفضّل التلميح لهم بضمير الغائب ''هم''، في إطار تأكيده على ضمان تحقيق مطالب أهالي سيدي بوزيد في إطار الحرّية الكرامة. 


''سوف أعمل بالرّغم من كلّ مناورات المناورين وبالرغم من المؤامرات التي تُحاك في الظلام''، ''من يريد أن يعبث بالشعب التونسي فهو واهم ولن يُحقّق وهمه أبدا''، كلمات مُبهمة مشفّرة من أعلى هرم سلطة في البلاد لشعب لم ينتظر منه هكذا جواب وخطاب، كان جديرا به بصفته رئيسا للدّولة أن يوضّح ويُنير الشعب بفضح هؤلاء الذين يكيدون لتونس ولشعبها، كان حريّا به أن يُطمئن شعبه الذي أصبح في مسؤوليته، وأن يلتزم بالدستور كما سبق وكرّر احترامه له، فهو بهكذا خطاب تناسى الفصل 77 من الدستور والذي يفرض عليه أن يتولّى تمثيل الدولة، ويختصّ بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية. لم تتوقّف إشارات سعيد إلى أطراف مجهولة عند هذا الحدّ بل واصل متأسّفا ،وكأنّه لا حول له ولا قوّة،  في إبراز أنّ تلك الأطراف المُبهمة والتي يعرفها هو يستمرّون يوميا في افتعال الأزمات. وهنا بطريقة غير مباشرة وفي خطابه الشعبوي، فات رئيس تونس أنّه هزّ من قيمته وأضعف سلطته وبيّن عجزه، إن كان يعلم هويّة ''هؤلاء'' ومتيقّن بالأزمات والمكائد التي يقومون بها يوميا، فلما لم يتدخّل ويوقفهم وهو المكلّف بالسهر على وحدة الشعب وسلامته؟ 


''المؤسّسات السياسيّة لا تعمل ويحّملونني المسؤوليّة''، ''لن تمرّ عليكم هذه المهاترات التي تُحاك كلّ يوم لأنّكم تعرفونهم بالإسم ومن يقف وراءهم في الظلام، لن يحقّقوا أبدا ما يريدون''، مثل هذه العبارات لا تليق بمناسبة إحياء ميلاد ثورة أزهقت فيها أرواح شهداء، هذا الخطاب ليس له دور في إدخال الطمأنينة في نفوس وقلوب الشعب بل زاد من توتّره وتشنّجه. الرئيس يُشكّك بكلّ السياسيين وفي مصداقيّة عملهم وهنا إشارة إلى موقفه الغاضب من مشاورات تشكيل الحكومة والمسار الذي آلت إليه هذه الأخيرة. 


بعد هذه المقدّمة الغامضة التي قدّمها مشيرا إلى وجود  قوى تعمل ضدّ الدولة في الظلام وإلى ضعف السياسيّين، إنتقل قيس سعيّد بسلاسة معلنا للشعب أنّهم هم الحاكم وأنهم هم أصحاب القرار، قائلا ''الشعب يعرف ماذا يريد''، بهذه العبارات يتبادر لذهن المتابع للشأن السياسي مشروع قيس سعيّد في تغيّير نظام الحكم والبدء من الحكم المحلّي وأن يجعل الشعب هو صاحب القرار. ودعّم سعيّد كلامه قائلا ''لا تهمّني رئاسة الجمهوريّة، يهمّني أن أحقّق مشروعكم في الحرّية والشغل وفي الكرامة الوطنيّة''..''لست بحاجة إلى قصر''، وأشار إلى قدرة الشباب في إيجاد الحلول أمام عجز السياسيين عن ذلك، ''استنبطوا حلولا من القاعدة من المعتمديات عجز عنها السياسيون'' . وهنا قد يفاجئ سعيّد شعبه بمبادرة تشريعيّة تغيّر كل الموازين في حال فشل رئيس حكومة النهضة المكلّف الحبيب الجملي في تشكيل الحكومة. 


في سياق آخر تدرّج الرئيس قيس سعيّد في خطابه إلى الحطّ من قيمة وسائل الإعلام ومن محتواها الذّي تنشره، قائلا ''كلّ يوم تسمعون تقريبا ماذا يقولون في أجهزة الإعلام..لا يهمّنا ما يقولون سيأتيهم الجواب مزلزلا مدويّا بأكثر مما يتوقّعون''،  وهنا نشهد تناقض في كلام سعيّد الذي أكّد مرارا وتكرارا على حرّية الإعلام واحترامه للصحفيّين بعد أن إعتدى أنصاره ليلة 13 أكتوبر على صحفيي قناة الحوار



''ما دمت حيّا لا تهمّني المناصب تهمّني أن نحمل المسؤوليّة معا''..''برغم المكائد والمناورات وبالرّغم من الذّي يُدبّر في الغرف المُغلقة'' بهذه العبارات اختتم رئيس الجمهوريّة خطاب ذكرى ثورة الحرّية والكرامة. الغرف السوداء والمكائد نطق بها قبله الرئيس السابق المستقيل من عالم السياسة منصف المرزوقي، وهذه بطبيعة الحال نتيجة كلّ من ينتخبه الشعب ويثق به ويقدّم له هو بدوره كرئيس خطاب شعبوي مُبهم. المحامي سمير عبداللـه المستقيل من حركة تحيا تونس، انتقد خطاب قيس سعيد قائلا ''كنت أظن أننا طوينا صفحة المرزوقي الذي كان يحدّثنا عن "المؤامرات" و "محاولات الانقلاب" والتي لم توجد الاّ في خياله.. الكثيرون فوجؤوا اليوم بالعودة إلى مثل هذه الكلمات الممجوجة''، مشيرا إلى ضرورة أن يتصدّى سعيّد إلى هذه الأخيرة إن كانت موجودة بصفته رئيس مجلس الأمن القومي.


الباحث الأكاديمي وأستاذ التاريخ المعاصر عادل اللطيفي، وصف خطاب قيس سعيد بالمتشنّج، واعتبر أنّه يمثل "خطورة" على التونسيين، خاصة عندما اعتبر "أن تاريخ 17 ديسمبر هو عيد الثورة و14 جانفي هو تاريخ إجهاض الثورة". اللطيفي بيّن أن الفصل بين هذين التاريخين يكرّس للتفرقة بين أبناء الشعب، وانتقد حديث سعيّد عن المؤامرات والدسائس، خاصّة وأنه هو من يشرف على مجلس الأمن القومي ومسؤوليته هي كشف الحقائق وتطبيق القانون.

بدوره عبّر رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق، عن تفاجئه من خطاب قيس سعيد على مستوى الشكل والمضمون مفيدا أنّ سعيّد له دور تحكيمي ولاداعي إلى خطاب "التهييج'' لأنّ تونس لا ينقصها التوتر، قائلا '' رئيس الجمهورية له دور تحكيم وأدعو للهدوء وإستعمال لغة أخرى وإذا سيتم التهييج باسم رئيس الجمهورية يصبح الجميع جزء من المعركة ومن أحد أدوار الرئيس حامي الحمى"، مبيّنا أنّ قيس سعيّد نسى نفسه ومركزه في خطابه ''خطاب سعيد كان خطابا حماسيا ونسى من هو".

 

رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد بعد أن انتقده الكثيرون بسبب صمته وسكونه وعدم تحرّكه إزاء تفعيل العلاقات الخارجيّة وهو ما جعل من تونس تعيش في عزلة عن باقي الدّول الصديقة، زاد خطابه يوم ذكرى الثورة  في وتيرة إحباط الشعب وتخويفهم من "أطراف مجهولة" تعمل على إفشال المسار الديمقراطي وتتحالف مع جهات أجنبيّة. رئيس الدّولة وجب عليه توجيه خطاب مطمئن لشعبه وأن يعزّز بكلماته ثقتهم في أمل جديد قد يغيّر أوضاعهم المترديّة إلى أخرى مريحة. 

 

 

يسرى رياحي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter