alexametrics
الأولى

الإعتداء على الصحفيين- إن عدتم عدنا..!

مدّة القراءة : 3 دقيقة
الإعتداء على الصحفيين- إن عدتم عدنا..!

 ليلة 13 أكتوبر غُداة الإعلان عن نتائج الإنتخابات، كان فريقُ بيزنس نيوز حاضرًا في كُلّ الجبهاتِ، في قاعة التحرير، في الندوة الصحفية لقيس سعيد، في شارع الحبيب بورقيبة وأينما حلّ الخبرُ.  أمام المسرح البلدي حيث تجمع أنصار قيس سعيد، كانت الأعينُ مصوبةً نحو ظهورنَا أين خُطّت كلمة صحافة، الأعين المترددة التي تحاول أن تتكهن أي وسيلة اعلامية نمثل لتقرر موقفها من وجودنا- بينهم- كأن الفضاء العام أضحى ساحة تبرير، أو ساحة يكون الحضور فيها عبر الولاءات.

  رغم الفرح الذي تسرب في الهواء والألسن التي تتغنى بالوحدة والوطنية، كان التوتّر يزيدُ كلما ارتفعت الأصوات- وكانت الفجوة بين أصحاب الرايات وأصحاب الأقلام تكبر مع كلّ إهانة للصحفيين يقذفها فم ريكوبا (محمد أمين العقربي) إلى الجيش الذي يأمه;  كنا شهودًا على ثقل الكراهية التي اجتاحت الشارع في بضع دقائق، وكنا شهودا على انتهاك حرمة زميلتنا مية الكسوري والميزوجينيا التي كانت متنكرة بين أسطر الشعارات كنقد يوجه لاعلامية، لا، لم يكن ذلك نقدا. كان ذلك عنفا، تجييشا، سما يدس في عسل الاحتفال بالنصر والأسوأ أنه كان قائما على تمييز جنسي صورت من خلاله مية مجرد امرأة دخيلة على عالم الرجال، ويجب أن تعود الى مطبخها لتعد "المقرونة" كما جادت أفواه قيادات ائتلاف الكرامة وبعض الوجوه المألوفة من تنظيم حركة شباب النهضة بالجامعة، الذي قدموا بعد بداية التجمع وأزاحوا المحتفلين جانبا واحتلوا المسرح البلدي- كأنها غزوة ما-  وشرعوا في تقديم الخطب، ولا ندري بأي شرعية، لكن الحضور استمع لهم، بكل انتباه. ريكوبا كان ينتقل بين الشعارات الثورية احتفالا بفوز قيس سعيد، وبين الشتم والثلب للطفي العماري ومحمد بوغلاب- ساعتها سمعنا لفظة ظننا أهانت جميع الصحافيين الموجودين.. "يا اعلام العار".

 

لاحقا، فاجئنا بيان نقابة الصحفيين التونسيين الذي نص على أنه تم الاعتداء على 4 من زملائنا على مقربة منا، اعتداء جسديا كاد يتحول الى سحل في الشوارع، دون مبالغة، يشبه العنف الذي مارسته روابط حماية الثورة في 2012 و2013، والذي طال حتى طلبة معهد الصحافة وعلوم الاخبار انذاك. نقابة الصحفيين رصدت  محاولات لتهشيم المعدات والكاميرات، اعتداءات جسدية، هرسلة وطرد والعشرات من الانتهاكات في ظرف ساعتين فقط، في كل من العاصمة ونابل والمنستير. الشعارات التي رفعها الناشط الاسلامي المتطرف ريكوبا ورددها خلفه الحاضرون مرفقة بالتصفيق ومباركة شعبية، كانت شعارات مبنية على اهانة الملامح الجسدية، اهانة وفق الجندر، تخوينا، تشبيها مقرفا بالحيوانات، وغيرها من تجليات العنف اللفظي والتوصيم الاجتماعي بالخيانة والعمالة لأطراف أجنبية.

 

أي "حالة وعي" تلك التي ينجر عنها خطاب الكراهية ! الوعي قرين التفكير ولا يمكن أن يكون هناك وعي دون اعتراف بأن نجاح المسار الانتخابي الذي أفرز مشهد الاحتفال ذلك، وهو نتاج لعمل الاف من الصحافيين من جند الخفاء الذين تكافلت جهودهم مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني. ولم يينى النقد عند هؤلاء على المظهر- لم يسعى أصحاب الأوجه البشوشة واللحي المهذبة الى اكساء التهجم برداء السخرية من وجه هذا أو جسد ذاك ؟ ولم يبنى التهجم عندهم على منطق "هم ليسوا منا.. لا يتكلمون لغتنا ولا يشبهوننا" ؟ ولم يرمى جزاف التهم بقوس ثالوث الدين، العروبة، الايديولجيا ؟

أولا، ما مارسه المعتدون والمحرضون لا يرقى ليكون نقدا يناقش الخطاب والأفكار، هو ارهاب معنوي وضغط وهرسلة يتسم بأشد الأوصاف بدائية اذ أنه يقوم على الاستهزاء بالشكل، لأنه أسهل طريقة لضرب العدو وفق الثقافة الشعبية المطبعة/المتصالحة مع العنف اللفظي والتنمر والوصم الجسدي (body shaming). ثم، صناعة خطاب "نحن وهم" للايهام بأن معلقي الحوار التونسي وغيرهم من الصحفيين الذين تعرضوا للانتهاك، ليسوا من العامة، لا يتكلمون بلسانهم الشعبي البسيط ولا يشبهونهم، هو ترجمة أن أصحاب هذا الخطاب لا يؤمنون بالدولة في مستوى أول ويقسمون المجتمع بطريقة قبيلية وفقا لللهجة أو الانتماء الجغرافي.  ثم أنهم يعملون على تأجيج الحقد الطبقي ظنا منهم أن الصحفيين من أغنياء القوم وأرستقراطيته التي لا تعيش الواقع التونسي، والحال  لو يعلمون غير هذا. وأخيرا، العمل على الزج بتهم العمالة والخيانة والتكفير لأنها أسهل التهم وأخطرها في ان في أعين الشعب الذي وضعوا له في دستوره أنه عربي ومسلم وشب وشاب على أنه عربي ومسلم.

 

مارأيناه من مشاهد مخزية، وما رصدناه من صفحات تخون وتكفر هذا الصحفي أو ذاك، وما يعود الى أذهاننا من أيام صعبة شهدتها الصحافة التونسية التي كافحت قبل الثورة وبعدها من أجل الكلمة الحرة. لذلك -وليس من منطلق التضامن القطاعي الأعمى الذي بني على ثقافة انصر أخاك ظالما أو مظلوما- على هذه الممارسات أن تنتهي وأن يحاسب أصحابها، والذين سيصبح بعضهم بعد ايام قلائل نائب شعب بيده التشريع وله شرعية التمثيل، هم نفسهم من كفروا زميلنا حمزة البلومي وفريقه الذي فضح أمر محتشد الرقاب. الممارسات ذاتها تعرض لها شكري بلعيد ولطفي نقض عبر صفحات شنت ضدهم حملات تشويه وتكفير، لايمكن التساهل مع هؤلاء، ولكن..

ولكن القول برفض هذه الممارسات، لا يعطي موافقة تامة لأي خطاب يقع تمريره ضمن المواد الصحفية. يجب أولا التفريق بين الخبر والرأي، وتحديد أن مساحة التعليق (الكرونيك) هي مساحة رأي. وبقدرما يجب أن يبتعد التحليل والرأي عن الحياد، يجب أن يقتربا من الموضوعية. التعديل الذاتي يجب أن يتجسد في مواطن التحليل الصحفي، أي أن المعلق والصحفي يجب أن يحترم القانون، أخلاق المهنة، وعقول المشاهدين. المرور للقضاء على العنف في الفضاء العام يجب أن يمر بالقضاء على التشنج والعنف في البلاتوهات والتزام التحليل العقلاني الوازن. من جهة أخرى، يجب أن تتمتع الوسائل الاعلامية وخطها التحريري باستقلال تام عن المال السياسي. ايمانا منا أن الافكار تقارع بالأفكار، وأن العنف لا مبرر له، تجدد بيزنس نيوز دعمها  لزملائنا في الحوار التونسي مريم بالقاضي، مية الكسوري، لطفي العماري، ومحمد بوغلاب ضد الهجمة الشعواء التي يتعرضون لها والتي وصلت الى انتهاك حرمة عائلاتهم  وتهديدهم في سلامتهم الجسدية. وخلاف ماقد يخيل للبعض، التاريخ لا يمكن أن يعود للوراء، ولا مجال للعودة لمربع العنف من جهة.. ولمربع الرأي الواحد من جهة أخرى. يوجد ماضيان تركناهما ورائنا.. ان عادوا عدنا، الى أسلحتنا المضادة للرصاص والكراهية ;  الأفكار .

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter