قيس سعيّد، رئيس الشباب، يحيط نفسه بالشيوخ
لا أعرف من يكون صاحب فكرة إمهال السياسيين مائة يوم في بداية عهدتهم دون إزعاجهم أو محاسبتهم؟ صحيح أننا التزمنا بأن نتيح الفرصة للرئيس المنتخب قيس سعيّد حتى يرينا ما في جرابه بعد أن اختاره أكثر من 72 بالمئة من الشعب التونسي.. لكن ألا تبدو لكم هذه المهلة طويلة بعض الشيء؟.
قمنا ببحث بسيط كشف لنا أنه بتاريخ 1 مارس 1815 في فرنسا حين استعاد نابليون الأول الحكم للمرة الثانية خلال الفترة الممتدة بين 20 مارس و22 جوان 1815 "شهدت هذه الحقبة الزمنية الوجيزة سيطرة نابليون على الإدارة والجيش وتحوير الدستور وعودة الحرب ضد الحلفاء والتي انتهت بهزيمة فرنسية في واترلو واستسلام الإمبراطور"، حسب ما رواه مؤرخو ذلك العصر.
لكن ما الذي أنجزه قيس سعيّد حتى يحسب له بما أننا تعهّدنا بتركه يعمل وعدم إزعاجه طوال فترة المائة يوم الأولى من عهدته الرئاسية؟.. في قراءة سريعة للنشاط الرئاسي خلال الأيام العشرة الأولى نلاحظ أنه استقبل شخصين تعلقت بهما شبهة التهرب الضريبي وهما نبيل القروي وسيف الدين مخلوف.. وإذا كان الأول أي القروي توصل إلى حل مع الإدارة بجدولة ما تخلّد بذمته فإن الثاني أي مخلوف قد لا يسدد مليما واحدا من مستحقاته.. ربما قد يساعده الرئيس الجديد من التحوّل من وضعية المتحيّل إلى المتهرّب من الضرائب؟
كما استقبل قيس سعيّد خلال الأيام العشرة الأولى سهام بن سدرين التي لم يعد لها نظريا أية صفة في مؤسسات الدولة سواء العمومية أو المستقلة. فهي كانت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، هذه الآلية المكلفة بملف العدالة الإنتقالية والتي انتهت عهدتها بفشل ذريع.. فقد لاحظنا طوال رئاستها لهذه الهيئة الكثير من الأكاذيب والصفقات ومن الممارسات التي لا تمت للكرامة بصلة.
شخصيات أخرى لا تحمل أية صفة رسمية تم استقبالها في القصر الرئاسي ويتعلق الأمر بعمدة باريس الأسبق بارتران ديلانوي وخالد المشري رئيس مجلس الدولة الليبي وهو شخص طلما كان غير مرغوب فيه من قبل ساكن قصر قرطاج الأسبق نظرا لارتباطاته مع تركيا وقطر. كما يُعرف عنه بأنه العدو اللدود للمشير خليفة حفتر الذي قصف أمس الأحد موقعا ليبيا يبعد حوالي خمسين كيلومترا عن حدودنا.
قيس سعيّد استقبل كذلك شخصا مطلوبا للعدالة في وقت ما قبل أن يصبح لاحقا عضوا في البرلمان يتمتع بالحصانة وهو ياسين العياري الذي صدر في شأنه حكم قضائي بات بالسجن.. وبفضل الحصانة البرلمانية عوض أن يذهب إلى السجن سيجد نفسه في قصر باردو بعد أن مرّ بقصر قرطاج. ياسين العياري كان خلال لقائه برئيس الجمهورية مطمئنا ومرتاحا إلى درجة أنه حضر "المقابلة" بحذاء رياضي.. إلى جانب هؤلاء تم استقبال خارج عن القانون من قبل رئيس يدافع عن احترام القانون والحديث هنا عن سعيد الجزيري صاحب إذاعة القرآن الكريم غير المرخص لها، المتحدي للهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي والبصري وهي الهيكل الوحيد المخوّل له إسناد التراخيص للمحطات الإذاعية.
ماذا يمكن أن نضيف إلى "إنجازات" قيس سعيّد خلال فترة الأيام العشرة الأولى من العهدة الرئاسية؟ تعيين بعض أعضاء الديوان الرئاسي وهي تسميات علمنا بها عبر الصحافة (شكرا ليدرز) وليس بالقنوات الرسمية عبر مصالح رئاسة الجمهورية. رئيس الدولة الذي صوّت له الشباب بالأساس ليجسّد مشاريعهم ويحقق طموحاتهم قام بتعيين العديد من المتقاعدين ضمن فريق العمل المحيط به. من بين هؤلاء الشيوخ المكلّفين بتجسيد أحلام الشباب نجد محمد صالح الحامدي الذي عدّد خلال الحملة الإنتخابية من التدوينات التي يشيد فيها بخصال قيس سعيّد. كما نجد عبد الرؤوف بالطبيّب الذي طالما شوّه عبر الفايسبوك كل من يختلف معه في الرأي دون أن ننسى زميلتنا السابقة الصحفية رشيدة النيفر التي أصبحت مستشارة لشؤون الإعلام والإتصال لدى قيس سعيّد.. وبالإطلاع على صفحتها الفايسبوكية لاحظنا كثيرا من الإطراء في حق الرئيس المنتخب على غرار زميليها في الديوان الرئاسي بل إنها فاقتهما في حوار صحفي نشرته على صحيفتها السابقة "لابريس" حيث كشفت الوجه المخفي للرئيس الجديد.. كما أنها أطنبت خلال حوار بثته قناة "فرانس تليفزيون" في مدح قيس سعيّد إلى درجة أن الصحفية طرحت عليها السؤال التالي: "بالإستماع إليك يذهب إلى ظننا بأنك ترغبين في منصب وزاري…" لتجيبها رشيدة النيفر "لا أبدا فبالنسبة إلي فإن الوزير هو موظف وهذا ليس من نقاط قوتي.. ". وفي يوم 30 أكتوبر 2019 تم تعيينها مكلفة بالإتصال لدى رئاسة الجمهورية ومن غير المستبعد أن تسند لها خطة وزير.
ملخّص القول بالنسبة إلى هذه الأيام العشرة الأولى فإن قيس سعيّد، رئيس الشباب، قام بتعيين متقاعدين في ديوانه الرئاسي.
كما أن قيس سعيّد، رئيس الوطنيين، استقبل أجانب لا مكان لهم في القصر بعد أيام قليلة من توليه مهامه.
قيس سعيّد الرئيس المدافع عن القانون والعدالة، استقبل أشخاصا خارجين عن القانون متجاهلين الدولة وقضاتها.. دون الحديث عن المتشدقين بالدفاع عن الحقيقة وعن العدالة الإنتقالية.
صعب أن ينافسه أحد على مثل هذه الإنجازات في ظرف لا يتجاوز عشرة أيام.. حتى منصف المرزوقي لم يفلح في تحقيق هذا في ظرف وجيز كهذا!.
لكن بعد كل ما سبق ماذا يمكن أن نستخلص أو نحلّل؟ فقاعدة المائة يوم التي ألزمنا بها نفسنا تفرض علينا أن نتركه يعمل في صمت وهدوء، دون تعطيل أو توجيه الإنتقادات أو غيرها.. فليكن الأمر كذلك وننتظر انقضاء هذه الفترة التي تبدو طويلة وشاقة رغم قصرها.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires