ليس زلزالا و إنما ناقوس خطر
مرة أخرى تطالعنا مؤسسات سبر الآراء بنتائج مفزعة بشان المشهد السياسي و نوايا تصويت التونسيين خلال الانتخابات التشريعية و الرئاسية المقبلة و هي نتائج مفزعة بل و كارثية أيضا إن صدقت توقعات هذه المؤسسات لأنها تظهر أن التونسيين عيل صبرهم من الطبقة السياسية و فقدوا نهائيا ثقتهم فيها و أوصدوا أبواب قلوبهم و عقولهم دونها إلى حدّ أصبحوا يخيرون المجازفة و المغامرة بمستقبلهم و مستقبل أبنائهم و مستقبل البلاد برمتها على إعادة التجربة مع من جربوا فخذلوا
و رغم ان الاحترازات كثيرة لاعتبارات موضوعية و علمية حقيقية على مؤسسات سبر الآراء و علاقاتها الظاهرة و الباطنة بالفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و تأثير علاقات القرب هذه على الآليات المستعملة في سبر الآراء و توقيتها و نتائجها فإن ذلك لا يعني رفض هذه النتائج دفعة واحدة لانها و إن كانت تشوبها بعض الشوائب فإن لها بعض المحاسن من حيث أنها تعطي فكرة عن توجهات عامة لدى الرأي العام في لحظة ما قد يكون لها انعكاس و تجسيد بدرجات متفاوتة لحظة التصويت داخل الخلوة .
و ماتبديه نتائج سبر الآراء الأخيرة أن الأحزاب السياسية الحاكمة لا تلقى رواجا لسلعتها بعد أربعة سنوات من الفشل في إدارة شؤون الدولة و بعد خمس سنوات من الوعود الكاذبة و التعهدات الزائفة . و نعني بالإحزاب الحاكمة كامل منظومة الحكم منذ انتخابات 2014 و هي حزب النداء بجميع شقوقه القديمة و الحديثة مثل نداء سفيان بن طوبال و سلمى اللومي و نداء حافظ قائد السبسي و المشروع (نداء محسن مرزوق) و بني وطني (نداء سعيد العايدي) .و تحيا تونس ( نداء يوسف الشاهد و سليم العزابي) ، كما تعني ايضا حركة النهضة الإسلامية التي تعد الحزب السياسي الوحيد الذي يشارك في منظومة الحكم دون انقطاع منذ انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011.
لكن رغم ذلك فإن أحزاب المعارضة لا سيما الاحزاب البرلمانية و أحزاب المعارضة التاريخية لم تستفد من تراجع شعبية منظومة الحكم و الاحزاب المكونة لها . و الأكيد أن الصراعات الداخلية لهذه الاحزاب خاصة فيما يتعلق بالجبهة الشعبية و ضعف كفاءة قياداتها و نزعتهم الزعاماتية التي غلبت قدرتهم على التأطير و الاقتراب من واقع التونسيين هي التي كانت العقبة الأهم أمام انحسار شعبية أحزاب المعارضة و عدم استفادتها من تراجع منسوب الرضا على اداء أحزاب الحكم.
و يعني ذلك و إذا سلمنا بنتائج سبر الاراء هذه أن التونسيين لا يرفضون منظومة الحكم فحسب بل يلفضون أيضا كامل الطبقة السياسية التي يبدو أنهم قطعوا صلتهم بها أو على الأقل وجهوا لها إنذارا أخيرا قبل معاقبتها خلال الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقبلة.
و يتمثل هذا الإنذار في اختيار التونسيين لشخصيات "جديدة" متناقضة تماما مع ما تحيل إليه الشخصيات السياسية "الكلاسيكية" و يجمع بين عدد من هذه الشخصيات الصاعدة فشلها في تجارب سابقة مثل عبير موسى التي كانت عضوة ناشطة جدا في التجمع الدستوري المنحل و المنصف المرزوقي الذي كان افشل رئيس للجمهورية التونسية رغم المأخذ الكبيرة على بقية الرؤساء الآخرين السابقين و اللاحقين له . اما العدد الاخر من هذه الشخصيات الصاعدة فيجمع بينها جهلها التام بالتسيير و بدواليب الدولة و حتى بالعمل السياسي لكن ما يجمع حقا بين جميع هذه الشخصيات و فقا لنتائج سبر الآراء هو نزعتها الشعبوية التي لا تحتاج إلى كثير الاستدلال و قدرتها على تقديم المواقف و المقترحات التي قد تبدو جريئة من الوهلة الأولى لكنها لا تصمد للحظات إمام التحليل و التمحيص.
و تأتي هذه الملاحظات في إطار الاخذ بالتوجهات العامة لنتائج سبر الآراء الأخيرة دون الوقوف على الأرقام المقدمة نتيجة للاحترازات العديدة التي ترافق عمليات سبر الآراء هذه و مع ذلك فغن كان من الممكن القبول بالتوجهات العامة لسبر الاراء هذه فإنه لا يمكن التسليم ببعض نتائجها الأخرى ، لابتعادها عن كل منطق و تجاوزها لكل الحدود إذ لا يعقل حتى في تونس اليوم بالرغم من ظاهرة الزبونية المتفشية فيها أن يكون الحزب الأول في نوايا التصويت هو حزب لم يتأسس أصلا و ليس له إسم أو عنوان.
لذلك فإنه إذا سلمنا بنزاهة عملية سبر الآراء الأخير فإنها لا تعدوا أن تكون إنذار أخيرا و ناقوس خطر يدقه التونسيون بقوة في أذان الطبقة السياسية لعلها تفيق من سباتها العميق و تعود إلى رشدها قبل فوات الاوان
تعليقك
Commentaires