alexametrics
آراء

منح الثقة، لحكومة ليست أهلا للثقة

مدّة القراءة : 4 دقيقة
منح الثقة، لحكومة ليست أهلا للثقة

 غدا الثلاثاء 26 جانفي 2021 يتقدّم هشام المشيشي أمام مجلس نواب الشعب لنيل ثقة البرلمان لحكومته الثانية، في ظرف أقل من خمسة أشهر.

 

تاريخ الجلسة يحيلنا إلى أحداث جانفي 1978 وتلك المظاهرات الدموية التي قمعها النظام بكل عنف في ذلك الوقت .. بعد 43 سنة من ذلك التاريخ حدثت العديد الأمور، لكن ما زالت احتجاجات التونسيين متواصلة ..و لقمع المحتجّين اقتنت الحكومة مؤخرا عشرات المدرعات الأمنية المجهّزة بأحدث التقنيات في هذا المجال.

 كما يحيلنا موعد الجلسة إلى سنة 2014 وتلك الليلة الطويلة التي صوّت في آخرها 217 نائبا في المجلس الوطني التأسيسي لاعتماد الدستور الجديد .. "أفضل دستور في العالم" حسب بعض المساهمين في صياغته .. بعد مرور سبعة أعوام مازالت البلاد في حالة العطالة التي تشهدها آلة الحكم .. كما تفاقمت نسبة الفقر وتدهورت وضعية المواطن العادي.

 

القاعدة تقول إن السفينة يقودها ربّان واحد .. في تونس لدينا ثلاثة يقودون السفينة .. النتيجة أنه لا أحد منهم قادر على فرض سياسته ولا أحد منهم لديه الحلول المناسبة.

 صحيح أن هذا الوضع يحمينا من التعليمات المسقطة ومن أوامر الرئيس (أو الوزير الأول) المتسلّط القوي .. لكننا مع ذلك ندفع ثمن هذه الفاتورة باهظا .. فإلى متى سيتواصل هذا الوضع بقيادة ثلاثة رؤساء لا يتبادلون الإحترام وهم مكبّلون بـ"أفضل دستور في العالم."

 غدا يقدّم هشام المشيشي حكومته الثانية المقترحة .. الفرق بينها وبين الفريق الحكومي الذي قدمه يوم 1 سبتمبر 2020 هو أن هذه الحكومة تخلصت من الوزراء المعينين من قبل رئيس الجمهورية .. من وجهة نظر قيس سعيّد فإن هشام المشيشي لم يعد أهلا للثقة .. لكن المشيشي لا يعبأ بهذه الأمور فهو لا تعنيه ثقة سعيّد بل يسعى إلى نيل ثقة راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان. حتى يرضى عنه النهضاويون، فضّل المشيشي تعيين وزراء اقترحتهم النهضة من مقرها بمونبليزير.

 

فقد هرول يوم السبت الماضي مسرعا في اتجاه مطار تونس قرطاج لاستقبال جثمان الفقيدة محرزية العبيدي .. لروحها السلام. لماذا إذن كل هذا الحماس ؟ هل ترتقي هي إلى صف الشخصيات الوطنية التي تسحتق كل هذا الاهتمام؟ الفقيد مبروك الخشناوي توفّي منذ أيام قليلة ولم يحظ بهكذا اهتمام، رغم أنه مثلها نائب في البرلمان.

 في اليوم ذاته استقبل هشام المشيشي، بمكتبه، وفدا عن الكتلة البرلمانية الإسلامية المتطرفة، ائتلاف الكرامة، يترأسه سيف الدين مخلوف .. هذه الكتلة ذاتها التي أدان مجلس نواب الشعب منذ أيام ما صدر عنها من أعمال عنف .. للحصول على مزيد من الأصوات يبدو المشيشي مستعدا لفعل أي شيء، بما في ذلك مدّ يده إلى الأكثر عنفا والأكثر تطرفا.

 

أقولها بكل صراحة: رئيس حكومة الذي يغازل  من امتهنوا العنف، ليس أهلا للثقة.

 

وفي الأثناء تتواصل الأزمة الصحية التي ما انفكت تتفاقم في البلاد .. يوم السبت الماضي سجلنا 80 حالة وفاة في يوم واحد أي بمعدل وفاة كل 18 دقيقة. 

 الأخصائيون مجمعون بوضوح في هذا الخصوص: لا بد من إقرار حجر صحي شامل يتراوح بين 10 و15 يوما على أقل تقدير .. فالوضع الراهن يفرض ذلك إذا أردنا التخفيض من عدد الوفيات .. غبر أن الوضع الإجتماعي متوتّر في ولا يسمح بفترة حجر صحي جديدة .. شهدت مختلف جهات البلاد خلال الأسبوع مظاهرات صاخبة، احتجاجا على الإجراءات الصحية والوضع الإقتصادي المزري.

 

فما الذي يتوجّب على المشيشي عمله في مثل هذه الحال ؟ تونس ليست البلد الوحيد الذي يمر بوضع اجتماعي متوتّر بسبب الكوفيد .. ففي كل بلدان العالم، يظهر الرؤساء ورؤساء الحكومات في المحطات التلفزية لتوضيح الوضع للمواطنين وتفسير الحلول المقترحة عليهم.

 في تونس لا توجد أي حملة اتصالية حقيقية .. حتى الحكومة لم تنفق مليما واحدا على الجانب الاتصالي .. فرئيس الحكومة منشغل بجنازة محرزية العبيدي وبأصوات ائتلاف الكرامة أكثر من انشغالهم بمطالب التونسيين.

 

بخصوص شبه الإجراءات التي تم اتخاذها لمجابهة الكوفيد، فقد ارتأى المشيشي تكليف نصاف بن عليّة بالظهور أمام عدسات الكاميرا. هذا يعد قلة احترام في حق التونسيين .. أقولها بكل وضوح: رئيس حكومة يتصرّف بهذا الشكل ليس أهلا للثقة.

 

ما الذي كان يمكن فعله ؟ الأمر ليس في غاية التعقيد .. حزب التيار الديمقراطي أصدر بيانا يتضمن عدة توصيات لمجابهة هذه الجائحة .. ومثله فعل الحزب الدستوري الحر والأكيد أنه ليس الحزب الوحيد الذي قام بذلك.

 ما تعيشه اليوم تونس والتونسيون ليس استثنائيا بكل المقاييس .. فمعظم الدول بصدد المعاناة من أزمة الكوفيد التي زادت من حدتها الأزمة الإقتصادية والإجتماعية.

 

المطلوب من هشام المشيشي هو نسخ ما قام به سلفه في هذا المنصب، إلياس الفخفاخ أو نظراؤه في الخارج. الأولوية القصوى تتمثل في الحد من عدد الوفيات وذلك عبر إقرار حجر صحي شامل مثلما أوصت بذلك اللجنة العلمية.

 

الأولوية الثانية تتمثل في مساعدة الفئات المنكوبة والشركات والمؤسسات المتضررة  من الأزمة (المقاهي والمطاعم والفنادق ومحلات التجارة غير الأساسية). قد يقول البعض إن تكلفة ذلك باهظة .. لكن مهما كانت التكلفة فإنها أقل من خسارة الأرواح البشرية .. حالة وفاة كل 18 دقيقة (وربما أكثر).

 

مهما كانت التكلفة فهي أقل من كلفة سياسة "عدم اتخاذ القرارات" التي ينتهجها المشيشي .. نعلم جيدا تكلفتها لأننا جربناها مع حكومة الفخفاخ وواكبناها في عديد الدول الأخرى. رصدت الولايات المتحدة الأمريكية 1900 مليار دولار كمنحة لكافة الشعب الأمريكي للتخفيف من وطأة الأزمة وإعادة إنعاش النمو الإقتصادي .. مبلغ ضخم جدا ومع ذلك تم التوصل إلى إيجاد التمويلات اللازمة لذلك عبر اقتراح ضريبة استثنائية تدفعها المؤسسات غير المتضررة من الأزمة (البنوك وشركات التأمين والإتصالات والتوزيع).

 

هذا ما كان على هشام المشيشي القيام به: الظهور على شاشة التلفزة في كلمة إلى الشعب التونسي لتفسير الوضع الراهن (والذي نحن على علم به) لتبرير اتخاذ قرار الحجر الصحي الشامل واقتراح الحلول التي أثبتت نجاعتها في بلدان أخرى أي إجراءات للمساندة والإنعاش الإقتصادي.

 لكن المشيشي فضّل الاختفاء وراء نصاف بن عليّة وعدم اتخاذ أي قرار جدّي، باستثناء الزج ببعض الشبان الغاضبين والمحتجين في السجون.

 

وعلى هذا الأساس فهل يستحق هشام المشيشي الثقة التي سيمنحها له -بالتأكيد- الإسلاميون غدا ؟ .. لأنه متردّد ولأن أياديه مرتعشة، يتمسّح على عتبات النهضة وائتلاف الكرامة، فإن هشام المشيشي ليس أهلا لنيل هذه الثقة.   

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0