لماذا وضع الباجي شروطا لدعوة الناخبين؟
تعرض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في كلمته التي هنأ فيها الشعب التونسي بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة الى عديد القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تشغل بال المواطنين. وقد ركز بالخصوص على ضرورة توفر شرطين أساسيين لتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في ظروف معقولة. هذان الشرطان يتعلقان باستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وبانتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فضلا عن تجديد ثلاثة من أعضائها.
وقد اعتبر البعض من المتابعين للشأن السياسي الوطني أن تركيز رئيس الجمهورية في كلمته على هاتين المسألتين هي بمثابة الشروط التي يضعها لتوقيع قرار دعوة الناخبين. بل يذهبون الى اعتبار ان رئيس الجمهورية بدأ عمليا من خلال هذه الشروط في تحضير الرأى العام الوطني لإمكانية تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ويستقيم هذا التحليل لو افترضنا جدلا ان رئيس الجمهورية لن يترشح لولاية رئاسية أخرى وأن تأجيل الانتخابات الرئاسية من شأنه ان يمهل مغادرته لقصر قرطاج لأشهر وربما لسنة اضافية. كما يستقيم هذا التحليل في حالة تقييم للوضع السياسي يجعل من حزب النداء الخاسر الأكبر المتوقع في الانتخابات التشريعية المقبلة مقابل اكتساح لأنصار رئيس الحكومة يوسف الشاهد للمشهد السياسي وبقاء الحركة الاسلامية في موقع الفاعل السياسي المحوري في البلاد. لكن فرضية عدم تجديد رئيس الجمهورية لترشحه لولاية ثانية باتت تجد ما يدحضها في الآونة الأخيرة. فرغم المعوقات الموضوعية القائمة وهي معوقات مرتبطة أساسا بسنه فان عديد الأصوات بدأت تتعالى لفائدة اعادة ترشيح الباجي قائد السبسي لولاية رئاسية ثانية.
وقد شجع هذه الأصوات ما بان من استرجاع رئيس الجمهورية لحيويته خلال الشهرين الماضيين بعد فترة ركود في نشاطه دامت لفترة طويلة نسبيا. أما فيما يتعلق بوضع المتنافسين الحزبيين فان وضع النداء يبدو حاليا مرشحا للتحسن في ضوء المعلومات الواردة من ضاحية البحيرة والمتعلقة بالاستعدادات الجارية لعقد المؤتمر الانتخابي الأول للحزب في بداية مارس المقبل. وفي المقابل فان المشروع السياسي المساند لرئيس الحكومة يجد صعوبات كبيرة في تركيزه حتى ان بعض الاجتماعات التحضيرية التي عقدت في عدد من جهات البلاد على غرار القيروان والكاف وجربة كانت فاشلة بجميع المقاييس الأمر الذي يجعل حزب النداء أكثر تهيأ في كل الأحوال من غريمه الجديد المحتمل.
والأقرب الى التصديق ان لرئيس الجمهورية أغراض أخرى من تركيزه على ملفي المحكمة الدستورية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات. فأما أول هذه الأهداف فهي رغبته في الظهور بمظهر رئيس الجمهورية الساهر على حسن سير مؤسسات الجمهورية. وهو بالتالى يؤكد أهمية وظيفته الرئاسية رغم محدودية الصلاحيات الموكولة اليها دستوريا. وقد كان رئيس الجمهورية متأكدا لدى طرحه لهذا الملف انه سيجد الدعم من الجميع. ذلك ان التقاعس الذي طبع تفاعل كامل الطيف السياسي مع مسألة تركيز المحكمة الدستورية مس من مصداقية الأحزاب البرلمانية وحرم البلاد من مؤسسة دستورية هامة كان يمكن ان تلعب دورا تعديليا أساسيا في الفترة الماضية لاسيما وان دستور الجمهورية الثانية الصادر في 27 جانفي 2014 تضمن فخاخا عديدة كانت المحكمة الدستورية كفيلة بتجنبها لو تم تشكيلها في الفترة المحددة لها أي خلال الستة أشهر الأولى التي تلي المصادقة على الدستور. كما ان التجاذبات السياسية المعلنة المتعلقة بهيئة الانتخابات بات مصدر قلق المتابعين للشأن العام واصبحت تهدد في حال مواصلتها استقلالية هذه الهيئة وقدرتها على تنظيم الانتخابات.
أما الهدف الآخر من تركيز رئيس الجمهورية على هذين الملفين فيكمن في رغبة لم تعد خافية لديه في احراج الحكومة ومسانديها أو ما يمكن تسميتهم بالترويكا الجديدة المتكونة من كتلة الائتلاف الوطني المساندة لرئيس الحكومة وحزب المشروع بقيادة حركة النهضة. ويمكن فهم تأكيد رئيس الجمهورية على ضرورة تركيز المحكمة الدستورية واصلاح أوضاع هيئة الانتخابات الداخلية قبل الانتخابات المقبلة بمثابة النقد للترويكا الجديدة وتحميلها مسؤولية التقصير وضرب لمصداقيتها أمام الناخبين والرأى العام. وللتذكير فقد كان رئيس الجمهورية قد اعتمد نفس هذا الاسلوب تجاه الحكومة ومسانديها بمناسبة الاجتماع الاخير الذي عقد بقرطاج لبحث الوضع الاجتماعي وتعثر المفاوضات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل المتعلقة بالزيادة في الاجور في قطاع الوظيفة العمومية.
تعليقك
Commentaires