لهذه الأسباب على هشام المشيشي أن يستقيل فورا
الأيام العشرة الماضية كانت زاخرة بالأحداث .. حركة النهضة، الحزب الفائز في الإنتخابات الأخيرة قامت بتعبئة الآلاف من "أنصارها" و"مناضليها" للتعبير عن مساندتهم لزعيم الحركة راشد الغنوشي .. الحزب الأول في المعارضة من حيث شعبيته، حسب نتائج سبر الآراء، أي الحزب الدستوري الحر حشد بدوره أنصاره لمساندة عبير موسي .. هنا وهناك تم تقديم الحوافز المادية "للمناضلين" لتشجيعهم على التنقل والتحوّل إلى مكان المسيرة الحاشدة أو الإجتماع الشعبي الكبير .. لو أحصينا جملة الحوافز العينية (سندويتشات وأوراق مالية) التي تم توزيعها بالمناسبة وقيمة المبالغ التي استلزمها كراء الحافلات فإن الأمر ستخطى ما معدّله خمسين دينارا لكل شخص شارك في هذه التظاهرات .. وبالتالي فإن ما لا يقل عن مليون دينار صرفت فقط من أجل التعبير عن مساندتهم لراشد الغنوشي وعبير موسي .. من أين أتت كل هذه الأموال ؟ لا أحد يطرح هذا السؤال أو يستفسر عن مأتاها .. كيف يُعقل أن يُمنع التونسيون من التنقل بين الجهات (بداعي مجابهة الكورونا) ويُسمح بتنقل حافلات مكتظة بأنصار الحزبين إلى سوسة وتونس لمساندة قادة أحزاب سياسية ؟ طبعا لا أحد يملك الحواب.
في تلك الأثناء يواصل رئيس الجمهورية خوض معركته ضد خصمه أي حركة النهضة .. بالنسبة إليه فإن خصومه الإسلاميين هم مجرد "عبيد" وأن "قدرهم بالفلسين مردود" .. على غرار النهضة والدستور الحر، أظهر قيس سعيد مجددا أنه بعيد كل البعد عن المشاغل الحقيقية للتونسيين وعن المشاكل والصعوبات التي تمر بها البلاد .. نخبتنا السياسية في حال مزرية وهذا نعلمه جميعا .. لكن بعد ما حصل خلال الأسبوع الماضي فإنه بإمكاننا القول إن نخبتنا السياسية مقرفة .. فهي منشغلة بتأليه الأشخاص والصراعات الثنائية في الوقت الذي تُشارف فيه البلاد على الإحتراق.
الحدث الأبرز خلال الأيام القليلة الماضية لم يكن عملية استعراض القوة التي قامت بها عبير موسي ولا رقصة الديك المذبوح التي اقترحها علينا راشد الغنوشي ولا حتى "إخشيديات" قيس سعيّد .. الأحد الأبرز وبلا منازع كان تخفيض وكالة "موديز" للتصنيف السيادي لتونس .. كان على كل السياسيين في تونس التوقف وإبطال كل أنشطتهم الحزبية التعبوية من أجل تقييم هذا التخفيض والتنبيه إلى خطورة تبعاته. كان عليهم الجلوس إلى طاولة واحدة وتنظيم جلسات نقاش والتحاور مع ثلة من الخبراء في سبيل إيجاد حل لهذه الكارثة .. ومع ذلك لا أحد من السياسيين أولى المسألى ما تستحق من اهتمام.
علينا أن نذكّر هنا أن هذا التخفيص في تصنيف تونس هو الثامن منذ الثورة، أي في ظرف عشر سنوات فقط .. علما أن الترفيع من ترقيم لآخر يتطلب منا نفس هذه المدة الزمنية تقريبا .. الصورة تبدو مذهلة وهي كذلك بالفعل، لكن المذهل أكثر هو حالة اللامبالاة التي تبديها الطبقة السياسية وفي مقدمتها الرؤساء الثلاثة.
فراشد الغنوشي، رئيس البرلمان منشغل بزعامته وموقعه الريادي والمشاكل والخلافات الداخلية صلب حركة النهضة.
قيس سعيّد، رئيس الجمهورية يعيش في زمن آخر، يتحدّث لغة غير لغتنا ولا يفقه شيئا في الإقتصاد .. ولا حتى في السياسة.
أما هياشم المشيشي، رئيس الحكومة، فلا هدف له سوى البقاء في منصبه، مهما كان الثمن.
وبما أن "خير الكلام ما قل ودل" فسنقتصر على ما يلي: تخفيض موديز لتصنيف تونس يعود إلى عدة أسباب وجذور هذه الأسباب جميعها سياسية. صحيح أن هشام المشيشي ليس المتسبب في كل تلك المشاكل ولكنه اليوم هو المسؤول عنها .. فهو السبب في اندلاع الأزمة الحكومية الأخيرة.
منذ أكثر من شهر نالت حكومته الثانية ثقة البرلمان ولكن الوزراء الجدد لم يباشروا مهامهم بعدُ .. بإمكان هشام المشيشي أن يقول إن رئيس الجمهورية هو المتسبب في هذه الأزمة باعتباره يرفض تطبيق الدستور وتنظيم موكب أداء اليمين الدستورية .. لكن هذا مجانب للصواب .. فرئيس الحكومة السابق للمشيشي أي إلياس الفخفاخ، تم إجباره على تقديم استقالته بسبب شبهة تضارب مصالح .. وهشام المشيشي له في حكومته أربعة وزراء تتعلق بهم شبه تضارب مصالح وفساد. يجب أخلقة الحياة السياسية ما من شك في ذلك وهذا أمر ضروري في نظام ديمقراطي وهي الرسالة التي يريد رئيس الجمهورية إبلاغها من خلال رفضه أن يتولى الوزراء الذين تتعلق بهم الشبه، أداء اليمين.
منذ شهور والدول الصديقة والمجاورة شرعت في حملات التلقيح ضد الكوفيد .. بإمكان هشام المشيشي أن يقول إنه ليس المتسبب في هذا الإشكال، لكنه يبقى هو المسؤول عن الوضع الراهن.
منذ أشهر والشركات تعاني من إجراءات مواجهة الجائحة .. العديد منها أعلنت إفلاسها وأغلقت أبوابها وطردت عمالها .. محلات التجارة الليلية ووكالات تنظيم التظاهرات الكبرى وأصحاب العروض الفنية التي تعرض بصفة متقطعة، جميعهم لم يعملوا منذ شهور عدة. لم يتم اتخاذ أي إجراء من أجل تقديم مساعدة حكومية لفائدة هذه الشركات التي تقوم بتوظيف عشرات الآلاف من الأشخاص .. في الأثناء لم تتوقف الدفوعات وخلاص الضرائب والأعباء المحمولة على الأعراف بل إنها حافظت على مواقيتها ومواعيدها بانتظام. بإمكان هشام المشيشي أن يقول إنه ليس مسؤولا عما يحدث ولكنه يبقى مع ذلك من يتحمّل المسؤولية .. لأنه عُين في ذلك المنصب لإيجاد الحلول المناسبة .. فإذا كان عاجزا عن هذا فليفسح المجال لمن هو أقدر على ذلك.
من غير الطبيعي أن الحكومة التي منعت تنظيم العروض والمؤتمرات والندوات والتنقل بين الجهات وفتح المحلات التجارية ليلا، هي ذاتها التي تسمح للأحزاب السياسية بتنظيم تجمعات تضم آلاف الأشخاص .. هذا أمر غير طبيعي وهو أيضا غير أخلاقي.
لأنه عجز عن تقديم ما به يساعد الشركات والمؤسسات .. لأنه بيدق من بيادق النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس .. لأنه عجز عن توفير التلقيح للتونسيين .. لأنه لم يتحرّك من أجل منع تخفيض التصنيف السيادي لتونس .. لأنه اقترح وزراء تتعلق بهم شبهات ويرفض اليوم تنحيتهم .. لأنه لم ينجح في إنجاز أي شيء يُذكر منذ تولى منصبه هذا .. على رئيس الحكومة، هشام المشيشي أن يستقيل الآن وفورا .. سياسة لي الذراع التي يخوضها مع قيس سعيّد فاقت كل الحدود وعليه أن يستسلم ويرضخ للأمر الواقع ويكف عن اتخاذ البلاد رهينة .. هذه البلاد التي لم تعد تحتمل حالة عدم الإستقرار الحكومي الذي تتخبط فيه وهو الوحيد الذي تحمّل اليوم مسؤولية هذا الوضع .. البلاد محتاجة إلى حكومة قوية قادرة على مواجهة المشاكل والصعوبات .. غير أن حكومة المشيشي لا يتوفّر فيها هذا الشرط الأساسي والجوهري.
في وقت ما علينا أن نقول كفى .. لا يمكن للأزمة أن تستمر .. وقد حان هذا الوقت .. حفاظا على الديمقراطية ومن أجل أخلقة الحياة السياسية وفي سبيل تحقيق النجاعة الحكومية وفي إطار ما يمليه عليه الحس الوطني، على هشام المشيشي أن يرحل فورا.
تعليقك
Commentaires