يوسف الشاهد على خطى المهدي جمعة وسعيد العايدي...
يتواصل النقاش بوتيرة سريعة حول مشروع قانون المالية لسنة 2019. وإذا كان هناك الكثير ما يمكن قوله بخصوص العديد من النصوص التي تضمنها مشروع هذا القانون فمن الواضح انه ليس بهذه الإجراءات "الصغيرة" بإمكاننا اخراج البلاد من المأزق الذي تتخبط فيه. ومن المفارقات ان البعض ان لم يكن العديد من نوابنا يحملون الفكر الاشتراكي-الشيوعي، لم يقتنعوا ان حائط برلين قد سقط وان الاتحاد السوفياتي قد اندثر وانه لم يبق من الشيوعية في الصين الا الاسم. والواضح انهم لم يستوعبوا بعد القاعدة المثبتة ألف مرة بان" الكثير من الجباية تقتل الجباية" وان اثقال كاهل المؤسسة بالاداءات والامعان في مراقبتها وان إعادة هيكلتها بطريقة متسرعة وغير مدروسة، يمنعها ببساطة من أن تتطور وتنمو وتجدد ومن خلق موارد شغل و من أن تكون مؤسسة رابحة.
ومن البديهي أن مؤسسة غير رابحة هي مؤسسة آيلة للإفلاس و من ثمة فإنها لن تقدر على دفع الاداءات. في الاثناء، نوابنا الافاضل باتجاه اتخاذ حلول جذرية وخطيرة ستعود بالوبال على الدولة التي تعتبر الخاسر الأول لهذه السياسة الجبائية المجحفة في حق المؤسسة. فلا غرابة بالتالي ان نرى رؤساء المؤسسات يتعمدون تزوير أرقام المعاملات وتقديم موازنات سلبية للتهرب من دفع الاداءات ولما لا بعث شركات وهمية للإفلات من قبضة الأداء الربوي المحدد ب35 بالمائة. ومن الممكن كذلك ان يلعب هؤلاء ورقة " التجنب الضريبي" وعدم دفع الادعاءات و لما لا اعلان حالة العصيات الجبائي.
و اذا كانت الدولة تريد الاداءات فما عليها الا ان تبحث عنها بنفسها. وفي هذه الحالة وباعتبار النقص في عدد المراقبين فان حصيلة الجباية ستكون هزيلة. و مهما كانت طبيعة الخروج من هذه الازمة، فان الدولة لا يمكنها مواصلة الامعان في هذه السياسة و على هذا النهج باتباع سياسة جبائيه غير عادلة. فمن جهة لدينا مهربين خارج السيطرة ومن جهة أخرى لدينا مؤسسات تنشط في إطار القانون ولكننا نتعمد خنقها بسيف الجباية وتكبيلها بالاداءات و هرسلتها بالمراقبة الجبائية المستمرة. و في مثل هكذا أوضاع بات ملحا ان نوزع على نوابنا الأعزاء المائة و السبعة عشرة، كتيّب " الأداء الموظف على الفاشلين".
الى ذلك تواصل الجامعة العامة للتعليم الثانوي تعنتها... ، يبدو ان كاتبها العام، لسعد اليعقوبي يعيش في زمن غير الزمن بل خارج التاريخ و الجغرافيا. فهذا النقابي بصدد ارتكاب جريمة بأتم معنى الكلمة في حق تلاميذنا وفي حق عدد كبير من الأساتذة الذين يرفضون الاضراب. وعليه فان الاتحاد العام التونسي للشغل مطالب بإيقاف هذه الجريمة التي تهدد وجوده و تهز من اعتباريته و ومكانته أمام الرأي العام. فالمواطن التونسي مستعد للتضحية باي شيء بما في ذلك قوته اليومي ولكنه غير مستعد للتضحية بمستقبل أبنائه. والحقيقة ان الاتحاد العام التونسي للشغل لم يعرف في تاريخه تصرفا نقابيا أهوجا مثل الذي يحصل اليوم مع نقابة التعليم الثانوي. فاذا واصل الاتحاد على هذا النهج فانه يسير رويدا رويدا نحو الانتحار.
فشل الحركة الاقتصادية ورفض الخوصصة وتعطيل التصدير واللعب بمستقبل البلاد لم تعد استراتيجيات نقابية فعالة. ربما كانت هذه التكتيكات و المقاربات صالحة أيام كان بالإمكان هدم كل شيء من اجل إعادة البناء على أسس سليمة و لكن هذه السياسة لا مكان لها في واقع اليوم. وعليه فإن المركزية النقابية مطالبة اليوم بإقناع قاعدتها العمالية بانه لم يعد ممكنا رفض الحلول المقترحة من طرف الحكومة والداعين الدوليين على غرار صندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوربي وغيرهم على أسس أيديولوجية مهترئة وغير واقعية خصوصا وان هذه الحلول اثبتت جدواها في دول أخرى.
ان الاتحاد العام التونسي للشغل مدعو لمراجعة مواقفه فعهدة أمينه العام الحالي، نورالدين الطبوبي، هي أسوء عهدة عرفتها المنظمة النقابية منذ عهود. وليس من الاجحاف بمكان القول بأن وهجه اخذ في الافول على المستوى الداخلي وثقته تهتز على المستوى الخارجي. هاتفت منذ أيام البعض من الحكماء على غرار نزار بن صالح و كريم الطرابلسي لتحسيسهم بخطورة المرحلة و بالانزلاقات الخطيرة التي يسير باتجاهها الاتحاد و للأسف اكتشفت ان هؤلاء العقلاء هم كذلك ضحية للمغالطات و للتحاليل و المؤشرات الاقتصادية الخاطئة. وبات واضحا اليوم ان صفعة الجامعة العالمية للنقابات الحرة وغضب أولياء التلاميذ خطرا يهدد وجود المنظمة النقابية التونسية. و اذا كان عملاق بحجم الاتحاد السوفياتي قد انهار بسبب عدم استيعابه للتحولات التي شهدها العالم فلن يكون باستطاعة الاتحاد العام التونسي للشغل ان يظفر بجلده في ظل ما يعشه العالم من مقاربات اقتصادية جديدة.
من الواضح ان اتباع و انصار و النواب المحسوبين على الكتلة الداعمة لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، كثفوا من نشاطهم في الفترة الأخيرة بهدف تأسيس حزب جديد قادر على خوض الانتخابات الرئاسية و التشريعية المزمع اجراؤها في أكتوبر 2019. وان كنّا لا نعرف الكثير عن نوايا الشاهد في المرحلة الحالية فان فكرة تكوين حزب هي الحل الأمثل الذي اختاره مستشارو رئيس الحكومة.
الى ذلك، ثمة العديد من الخصال التي تلعب لصالح رئيس الحكومة فحنكته السياسية و عمق خطابه و قدرته على الاقناع و صغر سنه و حركيته الدائمة كلها عوامل تحمل في طياتها مؤشرات للنجاح. و من المؤكد ان رئيس الحكومة نجح في اجتياز الجميع بما في ذلك اباه الروحي، رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، و لكن حذار فحقيقة اليوم ليست حقيقة الغد بل و لن تكون كذلك و هو ما يدفع الى التيقظ و مزيد العمل لضمان أوفر حظوظ النجاح.
فمنذ أربع سنوات كان رئيس الحكومة الأسبق، المهدي جمعة، يتصدر نتائج سبر الآراء وكنا نقول عنه أيضا انه شاب و لبق و مخاطب جيد و ذكي. و لكن سرعان ما انطفأ نجمه بمجرد مغادرته لقصر الحكومة بالقصبة.
انهارت فجأة مؤشرات الثقة بل أخذ العديد من أنصاره و أصدقائه و حتى حزبه البديل لم يتقدم في استطلاعات الراء و في عمليات سبر الآراء و جاءت نتائج الانتخابات البلدية الأخير لتؤكد هذا الانطباع. و لا ينطبق هذا التقييم على المهدي جمعة فقط فمثله، تراجعت شعبية محسن مرزوق، الذي كان له صولات و جولات في استطلاعات الرأي حتى ان الجميع كان منبهرا بلباقة و قوة اقناع الرجل و سنه الذي يلعب لصالحه. و محسن مرزوق هو أيضا كوّن حزبا و هو حزب المشروع في محاولة منه لاستثمار رصيده الشعبي في مشروع سياسي يجني من وراءه بعض النتائج الانتخابية الا انه عرف تقريبا نفس المصير الذي عرفه المهدي جمعة بارتكابه لعديد الأخطاء السياسية القاتلة. و لا يمكن ان نمرّ و نحن بصدد رصد هذه الشخصيات السياسية الشابة دون ذكر ذلك الرجل الوسيم و الانيق و المهذب، سعيد العايدي الذي فقد الكثير من بريقه و عدد كبير من أنصاره ليعرف نفس مصير جمعة و مرزوق. و لكن المثال الأكثر تدليلا على فشل هذا الجيل الجديد من السياسيين فهو بلا شك رضا بلحاج الذي فشل في اقناع حتى نفسه بالحزب الذي أسسه بنفسه ليخلص الى القول بأن حزب نداء تونس لا يصلح لشيء و لا يقدر على فعل أي شيء. و على نفس النهج سار المنصف المرزوقي و حزبه الارادة و رضا الشعيبي و حزبه البناء الوطني.
و خلافا لما يعتقد المستشارون الجهابذة للسيد يوسف الشاهد فان تكوين حزب ليس بالأمر الهيّن. فالحزب يعني قاعدة جماهيرية و تمثيليات بكامل مناطق البلاد بما في ذلك القرى و الأرياف. والحديث هنا عن تمثيليات صلبة مكونة من مناضلين صادقين و مخلصين ومؤمنين ببرامج و اهداف الحزب. و في اعتقادنا، كان على السيد يوسف الشاهد ان ينطلق في تشكيل حزبه و هياكله منذ سنتين. و حتى و ان بجانبه اليوم عدد من الشخصيات على غرار كمال بلحاج ساسي او سليم العزابي او كمال مرجان فان خطافا واحدا لا يصنع الربيع.
لقد امعنا كثيرا في مقارنة يوسف الشاهد بالرئيس الفرنسي، امانيال ماكرون، و لكن هذا الأخير لم يكون حزبا للوصول الى قصر الإليزيه حتى و ان كانت هناك بالفعل عدة نقاط التقاء بين الشخصيتين. و من حق يوسف الشاهد ان تكون له طموحات سياسية و حتى رئاسية. و لكن عليه ان يعي ان وهجه الحالي و رصيده الشعبي يمكن ان ينهار بمجرد مغارته لقصر الحكومة بالقصبة و تحوله الى مرشح في الانتخابات القادمة. و الحقيقة اننا لن تخترع الماء الساخن من جديد ان قلنا انه عليه ان يسلك نفس النهج الذي اتبعه ماكرون بالتعويل على هياكل و تمثيليات صلبة و هو ما يفتقده على الأقل الى حد الان او استقطاب القاعدة الجماهرية لحزب نداء تونس.
ويبقى الحل الاسلم هو إعادة الحياة لحزب نداء تونس والاستفادة من قاعته وهياكله وتنسيقياته ولما لا الذهاب الى المؤتمر وكشف الحقائق ومقارعة الحجة بالحجة واقناع المؤتمرين. و اتقادنا بان التعويل على نجاح اليوم و القول بان من الممكن النجاح اين اخطأ مرزوق و الشعيبي و جمعة و العايدي و بلحاج فذلك لا يمثل ضمانات للنجاح. ان يوسف الشاهد مطالب اليوم بالتعويل على مستشارين محنكين وقاعدة جماهرية صلبة ومناضلين صادقين اكثر من حاجته لحزب ناشئ...
نزار بهلول
ترجمة س. ميساوي
تعليقك
Commentaires