الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمام تحدي السجل الانتخابي
يمكن القول ان البلاد ابتعدت عن شبح تأجيل الانتخابات بعد أن توفق مجلس نواب الشعب في تجديد انتخاب ثلث اهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفي انتخاب رئيس لها. لكن ذلك لم يخلو من هنات لا يجب المرور عليها دون التوقف عندها حتى لا نموت أغبياء كما يقول المثل الفرنسي المعروف.
أول هذه الهنات أن الازمة اندلعت داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتنتهي بعد أشهر دون أن نعرف سبب اندلاعها ودون أن يناقش مجلس نواب الشعب تقرير رئيسها المستقيل حول مآخذه على مجلس الهيئة وطرق تسييره وكذلك دون ان يناقش التقرير المضاد لمجلس الهيئة حول تجاوزات رئيسها المقال فكانت ازمة هيئة الانتخابات كقصة يوسف في المخيال الشعبي: "طاح في البئر وطلعوه". أما ثاني هذه الهنات فتتعلق بعدم الحسم في وضعية الرئيس المستقيل/المقال الذي ما زال يحافظ على عضويته داخل مجلس الهيئة رغم استقالته من رئاستها في سابقة لم نشهدها من قبل داخل المنظمات أو الهيئات الوطنية. ويخشى أن يكون لهذا التواجد مستقبلا دور في ارباك عمل الهيئة. وآخر هذه الهنات يكمن في عدم احترام الهيئة تحت رئاستها الجديدة للقانون في أول قرار لها المتمثل في انتخاب نائب أول لرئيس الهيئة. اذ ينص القانون الاطاري لتنظيم الهيئات الدستورية انه في صورة انتخاب رئيس لإحدى الهيئات من بين الاعضاء الذكور فان النائب الأول للرئيس يتم اختياره بالضرورة من بين الأعضاء الاناث ذلك حرصا على تطبيق مبدأ التناصف. فكيف لهيئة الانتخابات ان تفرض احترام هذا المبدأ في الانتخابات العامة التي ستجري قبل نهاية هذا العام وهي لم تلتزم به داخلها؟
لكن ما يثير الخشية والقلق أكثر من هذه الهنات رغم جديتها هو ما صرح به الرئيس الجديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات حول السجل الانتخابي. فقد بات من شبه المؤكد ان الانتخابات المقبلة سوف تجري في اطار من الشفافية والنزاهة وانه يستحيل التلاعب بنتائجها. ويعود الفضل في ذلك بكل تأكيد لكفاءة ونزاهة أعضاء هيئة الانتخابات وتمرسهم على التنظيم المحكم للمواعيد الانتخابية. كما يعود الفضل في ذلك لنجاعة مؤسسات المجتمع المدني في مهامها الرقابية على العملية الانتخابية. إلا ان الانتخابات ليست عملية تقنية فحسب بل ان قيمتها حتى تكون مرحلة ناجعة في البناء الديمقراطي تكمن في مشاركة أوسع أطياف المجتمع وأكبر عدد ممكن من المواطنين حتى تكون نتائج الاقتراع معبرة فعلا عن رأى الأغلبية. أما أن يبقى ثلاثة ملايين ومائتين وسبعة آلاف مواطن خارج السجلات الانتخابية وفقا لتصريح رئيس هيئة الانتخابات فذلك من شأنه أن يمس بجوهر الانتخابات نفسها من حيث تعبير نتائجها عن اختيارات الغالبية من المواطنين.
ولا يبدو من خلال تصريحات رئيس هيئة الانتخابات ان مسألة تسجيل الناخبين سوف تحظى بأولوية اهتمام الهيئة في الفترة المقبلة. فقد جعل من تشجيع المواطنين على تسجيل اسمائهم في السجل الانتخابي مهمة لا تختص بها هيئة الانتخابات وإنما سعي مشترك بينها وبين الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. بل وفقا لنفس هذه التصريحات فان اهتمام هيئة الانتخابات بمسألة تسجيل الناخبين الجدد سوف يظهر بالخصوص من خلال تعاونها مع هيئات دستورية أخرى مثل هيئة مكافحة الفساد وهيئة الاعلام و الاتصال السمعي البصري وهيئة حماية المعطيات الشخصية. أما على الصعيد الميداني فان الهيئة سوف تركز حملتها على المناطق الريفية وتوجيه مكاتب متنقلة لها لتسجيل الناخبين الجدد.
ومن المؤكد ان هذه التصريحات لرئيس هيئة الانتخابات تكتسي أهمية بالغة من حيث تأثيرها على العملية الانتخابية في مفهومها الواسع. اذ ليس من المحبذ أو من المقبول أن تجرى الانتخابات في ظل تغييب أكثر من ثلاثة ملايين مواطن. لكن يبدو أن الهيئة الحالية للانتخابات ورئيسها الجديد وجدوا أنفسهم مقيدي الايدي بعد أن تم اعتماد ميزانية الهيئة العليا للانتخابات لعام 2019 مبتورة على مستوى الاعتمادات المرصودة للقيام بحملات تسجيل الناخبين الجدد. وإذا علمنا ان ميزانية هيئة الانتخابات يتم المصادقة عليها من قبل مجلس نواب ألشعب يبدو جليا ان الاحزاب الكبرى لا ترى مصلحة في وفود اعداد جديدة على السجل الانتخابي من شانها تغيير التوازنات الانتخابية التي مكنتها من تصدر المشهد الانتخابي والسياسي حتى الآن.
تعليقك
Commentaires