حكم قضائي يتحدّث عن تونسي من أصل يهودي !!!
في احدى القضايا المنشورة بمحكمة في سوسة، جاء في حيثيات الحكم كلمة ''تونسي من أصل يهودي'' فهل يجوز مثلا أن نقول في إطار المساواة بين المواطنين، تونسي من أصل مسلم، أو من أصل مسيحي؟
اليس بالإمكان أن نعتبر انّ مثل تلك النصوص القضائية والمحاضر العدلية هي نصوص تمييزية، تفرّق بين المواطنين على أساس دين؟
ينصّ الفصل 21 من الدستور التونسي: « المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.»
الدستور تحدّث عن المواطنين والمواطنات دون أن يذكر عنصر الدين أي أنه لا يمكن تقسيم التونسيين حسب عقائدهم وانتماءاتهم الدينية، لأنّ ذلك يعتبر تمييزا وتفريقا بينهم، وهو تصوّر مخالف للدستور بصريح العبارة، فكيف يمكن أن نقبل قاض أو مسؤول عدلي يخرق الدستور وقد أدّي اليمين وأقسم على احترامه.
لكن بقطع النظر عن ذلك، هل بلغ التونسيون مرحلة ينظرون فيها الى أنفسهم كمواطنين لا كرعايا؟
عندما يرفض جزء كبير من التونسيين المساواة بينهم، وتعتبر فئة منهم أنها أكثر مكانة ورفعة من غيرها، أليس هذا هو الفصام الاجتماعي.
من جهة تجدهم يتحدّثون عن المساواة بين المواطنين، ولكنهم من جهة ثانية يرفضونها بين الذكور والاناث ويعتبرون التونسيين من غير المسلمين أقل درجة بل ويتم ممارسة الاقصاء ضدّهم.
رمضان هو مناسبة لاقصاء عدد من التونسيين تحت عنوان الصيام ووجوب احترام مشاعر الناس، بمعني عندما يفطر بشر ويمارس حقه في الوجود، فإنه يكون قد مسّ من مشاعر الناس.
اليس الصيام هو ممارسة دينية، أليس رمضان هو شهر للعبادة؟ اذن لماذا لا نمارس تلك الطقوس والعبادات دون فرضها على الغير، أليس الإسلام دين يسر وليس دين عسر؟ فلماذا نفرض على الآخرين ما نمارسه؟
هنا يمكن أن يُطرَح سؤال يعارض هذا الموقف، لم يتم اجبار أي انسان على الصيام، وكلّ مفطر يمكنه أن يمارس حريته دون تدخّل منه؟
لكن هذا السؤال في الحقيقة هو سؤال مخاتل، إذ كيف يمكن أن نتحدّث عن الحرية وأغلب المقهي والمطاعم مغلقة، وحتى المفتوحة يتم فتحها سرّا وفي أفضل الحالات تغطية بلورها ببقايا جريدة.
اليس هذا تطبيق لقاعدة اذا عصيتم فاستتروا؟
اذن كيف يمكننا أن نتحدّث عن الحرية وعن مجتمع ديمقراطي ونحن نعتبر أنّ من يمارس حقه في الوجود قد مارس معيصة؟
كيف يمكننا أن نتحدّث عن حرية وديمقراطية وجزء من المواطنين التونسيين هم أصاف مواطنين أو مواطنتهم غير كاملة؟
إنّ الحديث عن عدم المساواة بين المرأة والرجل وعن عدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين وبين المؤمنين وغير المؤمنين، هو حديث يخرجنا من مجالات الدولة المدنية ويضعنا في مشارف الدولة الدينية التي تفرّق بين المواطنين حسب قاعدة التقوى والتقوى هنا تختلف من سياق الى آخر.
إنّ التمييز بين المواطنين التونسيين ليس فقط مجرّد ممارسات مرتبطة بعادات وتمثلات قديمة بل هي قيمة قانونية ودستورية.
قانونيا المرأة في تونس أقل درجة من الرجل مثل الدونية في مستوى الميراث أو الكثير مما يتعلّق بالأحوال الشخصية، فالرجل هو رئيس العائلة حتّى وإن كان خارج دائرة الإنتاج وليس له أي فعل داخل العائلة، ومن الطبيعي أن تكون لكلمة الرجل هو رئيس العائلة استتباعات قانونية واجتماعية ونفسية.
والمسلمون في تونس قانونيا ودستوريا أكبر درجة ومكانة من التونسيين الذين له ديانات أخرى غير الإسلام، اذ لا يحق لغير المسلم الترشّح لرئاسة الجمهورية، وهو من أغرب الفصول التي تمّ سنها.
أي أنّ تونسيا يتم حرمانه من الترشّح لرئاسة الجمهورية لأنّ له ديانة أخرى غير الإسلام. وهنا جوهر التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم.
إنّ جزءا من التونسيين لا ينظرون الى الشعب التونسي على انه مجموعة مواطنين بل ينظرون إليه على أنه مجموعة رعايا لا غير.
إنهم يعتبرون النساء غير مكتملي المواطنة ولذلك يتمّ حرمانهم من العديد من الحقوق، ومن هنا جاءت نظرية التكامل وهي نظرية تمييزية ترى في الرجل أكثر رفعة وهو حلة مختلفة وجوديا عن المرأة لذلك فهي مكمّل له، أي اننا بصدد حالة تكميلية ولسنا بصدد مواطنة كاملة الشروط.
إنّ التصور الذي يقول بالتكامل هو تصوّر تمييزي يضع المرأة في مكانة دون مكانة الرجل، وهو تصور تجاوزنه الإنسانية تاريخيا منذ القرن الثامن عشر.
من جهة ثانية فإنّ نظرية المساواة بين المرأة والرجل تعتبر أنهما متساويان، وتتضمن هذه المقاربة تمثلا غير معبّر عنه مفاده عدم وجود التساوي بين الجنسين، إذ عندما نقول بالمساواة معناه ضمنا عدم وجودها وهو عدم تكافئ لفائدة الرجل، فهي في نهاية التحليل مقاربة تماثلية تخفي تصورا تمييزيا.
إنّ نظرية المساواة الراديكالية هي الوجه الآخر لنظرية التكامل، فما المطلوب اذن؟
المطلوب هو تطبيق نظرية المواطنة والعمل وفقا لمقتضيات الفصل 21 من الدستور الذي أكّد المساواة بين المواطنين، وليس بين المرأة والرجل.
إذن يجب النظر الى التونسيين على أنهم مواطنين، دون ارفاق محمول متعلّق بالجنس أو الدين أو اللون أو الجهة أو الانتماء السياسي...
يجب أن ننظر الى الرجل والمرأة على أنهما مواطنين وليس ذكرا وأنثى، فالمواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا الموقف له استتباعات قانونية وقيمية واجتماعية واقتصادية.
إنّ المواطنة هي القاسم المشترك، وبالتي يجب الكف عن الوصف باستخدام المحمول، المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون.
وهنا لا تشترط مواطنة المواطن دينا أو جنسا أو لونا أو جهة أو حزبا...
ومن هنا يمكننا أن نعتبر أنّ القول بتونسي من أصول يهودية، فضلا عن انه مخالف للدستور وعلى أنه موقف تمييزي لا يليق، فإنّه من المهم إعادة التفكير في الغاء شرط أن يكون رئيس الجمهورية التونسية مسلما، حتّى يتمكّن كلّ المواطنين ممن تتوفر فيهم شروط الترشّح المدنية أن يمارسوا حقوقهم. وليس البحث عن شروط المواطنة.
مازال القانون التونسي يعتبر المرأة ترث اقل من الرجل
ومازال القانون التونسي يعتبر الرجل رئيس العائلة
ومازال القانون التونسي يساوي بين النساء والأطفال في مجلّة الشغل في باب التشغيل ليلا.
ومازال القانون التونسي يفتح الأبواب أمام بعض أصحاب الأعمال الاستغلاليين بقطع أجرة المرأة عند الولادة.
ومازال الدستور التونسي يميّز بين المسلم وغير المسلم.
وبالتالي فإنّه لا غرابة أن نجد ممارسات تمييزية بين المواطنين أنفسهم، ويعتبر بذلك ما ذهب اليه أحد القضاة من وصف تونسي بأنه من أصول يهودية، تكريسا لمنطق التمييز، وهذا هو الخطر الذي يهدّد المجتمع، إذ من المفترض أن يكون القاضي صوتا للحق وليس إعادة انتاج للسائد، حتى لا يجد نفسه في وضع عامة الناس لا يتميّز عليهم في شيء.
للقضاء التونسي فقه يعتبر منارة عالمية، اذ من بين ما يذكر له نجاح مجموعة من الفتيات في مناظرة عدول اشهاد، طعن فيها أحد المترشحين من الذكور لدى القضاء الإداري اذ اعتبر أنّ من بين مصادر التشريع في تونس الشريعة الإسلامية، وقال إنّ شهادة المرأة لا تجوز اذ يجب تطبيق قاعدة فإن لم يكن رجلين فرجل وامرأتين. المحكمة الإدارية كلفت قاضية للحكم في تلك القضية، اذ قبلتها شكلا وفي الأصل رأت أنّ الدستور يقول بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وبالتالي كما تكون شهادة الرجل تكون شهادة المرأة.
تعليقك
Commentaires