حمادي الجبالي: بن علي صغير في مهمّة قاطع طريق
حمادي الجبالي يريد أن يكون رئيسا للجمهورية التونسية شعاره في ذلك ''الاستقامة ونظافة اليدين''.
برنامج الخليفة السادس هو الاستقامة ونظاقة اليدين، يعني أنّ السيّد الرئيس سوف يواجه افلاس الدولة التونسية وسيواجه أزمتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتّى القيمية بكلمتين متاحتين لكلّ الناس.
كلمات حمادي الجبالي تؤكّد افتقاره لأي برنامج سياسي أو اقتصادي وتؤكد أيضا أنه غير قادر على صياغة تصوّر للعالم والأشياء وأنّه لم يفهم هذه البلاد ولا ما يجري بها عبر تاريخها.
مشكلة تونس أن أصحاب التفاهات مثل أصحاب العقول تجرّأوا عليها، وأضحى بإمكان أي تافه أن يطمع فيها، لأنها بدأت تفقد ألقها واعتبارها بعد أن أصبحت النطيحة والعرجاء تودّ اغتصابها.
بلاد مثل تونس أنجبت عظماء في التاريخ مثل القديس أوغسطين saint Augustin وعبد الرحمان ابن خلدون وديهيا الأمازيغية التي أطلقوا عليها اسم الكاهنة تشويها لها وعلي بن غذاهم والدغباجي ومحمّد علي الحامي وفرحات حشاد والحبيب بورقيبة ومحمود المسعدي ، وشكري بلعيد... يطمع في حكمها بقايا الإنسانية فكرا وبرنامجا وسياسة واقتصادا.
حمادي الجبالي المتلبّس بالتفاهة يريد أن يحكم بلادا أنجبت بورقيبة وابن خلدون وديهيا، ببرناج الأيادي النظيفة.
أعتقد أنه غير قادر بيديه ''النظيفتين'' أكثر من الاستمناء السياسي اليدوي، فتونس خبرته أيام السقوط عندما حكمها وكان يتفقّد حال البلاد ليسأل عندما فاجأه حجم القمامة التي ردمت وجه تونس الجميل عن الحكومة، عندما قال أين الحكومة.
هذا الذي يريد أن يحكم تونس، كان رهينة عند عددا من النافذين عندما تمكّن من رئاسة الحكومة، عشية اغتيال شكري بلعيد كان الرجل يعيش حالة رعب، ولولا وجود الجنرال رشيد عمار والجيش الوطني في تلك الفترة لانهارت البلاد نهائيا في حرب أهلية بسبب عجزه الأقصى في إدارة الدولة.
حمادي الجبالي، انفرط من بين يديه العقد حتّى أصبح يريد أن يحكم تونس من قصر قرطاج وهو يعلم جيّدا أنّه بعد دستور 2014 أصبح حاكم قرطاج مجرّد متفرّج عمّا يجري في دواليب الدولة، ألم تكن أحد الذين دافعوا بقوّة عن تشتيت السلطة بين القبائل السياسية في تونس، هل يمكن لرئيس الجمهورية في هذه البلاد بعد دستور 2014 أن يتدخّل في التعليم والصحّة والأسعار؟
حمادي الجبالي يعتقد أنّ ذلك ممكن.
في احدى اللقاءات التي لم يحضرها من أنصاره أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة بإحدى المقاهي بمدينة صفاقس في إطار حملته الانتخابية، ونقلها الزميل الصحفي راشد شعور بجريدة الشروق قال ''صلاحيات الرئيس وان تبدو للبعض محدودة فهي جوهرية وعميقة باعتبارها تهتمّ بالأمن القومي في مفهومه الشامل الذي لا يقتصر فقط على الأمن ومقاومة الإرهاب بل تحقيق الأمن الغذائي والأمن الصحي والتعليمي مع تطوير العلاقات الدولية والديبلوماسية التي تخدم المصالح الاقتصادية لتونس والاستثمار والسياحة في اذار الندية''
نعم، هذا هو السيّد الرئيس حمادي الجبالي.
منذ البداية وقبل أن يفوز في الانتخابات ويصبح رئيسا بدأ بالفتنة، يعني الرجل بدأ بالحديث عن الأمن الصحي والتعليمي والسياحي وبالطبع ومن خلال هذا المنطق الأمن الرياضي والفلاحي والإعلامي والأمن الجنسي وحتى أمن أولئك الذين يعلمون الأطفال القرآن نهارا وينكحونهم ليلا.
الجبالي يعتقد أنّه عندما يكون رئيس دولة (لا قدّر الله) سيتولّى الشأن التربوي والصحي والسياسي...وطبعا فإنّ الوزراء لن يجدوا ما يشتغلون عليه مادام السيّد الخليفة السادس هو من يتولّى تلك الحقائب.
ومن الطبيعي وانطلاقا من هذا المنطق فإنّ رئيس الحكومة لن يكون له أي وزن أو دور في ظلّ أدوار الخليفة المتعدّدة، فهو مجرّد وزير أوّل لا عمل له غير مراقبة الساعة لمعرفة أوقات الدخول أو الخروج، تماما مثلما كان عليه محمّد الغنوشي زمن بن علي.
حمادي الجبالي بهذا المعنى انما يستبطن شخصية بن علي ويعتقد أنه سيتولّى بنفسه من منطلق فهمه العميق والأنتروبولوجي لمفهوم الأمن القومي، إدارة الدولة والتعاطي معها من اختصاصاته الحصرية مثل الأمن التعليمي والأمن التربوي والأمن الرياضي والأمن الجنسي ...
ربما يحلم حمادي الجبالي، بعدما أسقط الشعب التونسي برجالة ونسائه مشروع الخليفة السادس، بأن يكون بن علي الصغير، وأن يحكم تونس مباشرة دون الحاجة الى وجود حكومة ووزراء، فهو يحتاجهم فقط للصورة.
من إنجازات حمادي الجبالي في عهده هو اغتيال رمزين في الحركة الديمراطية وهما شكري بلعيد ومحمّد البراهمي.
ومن إنجازاته أيضا تسليم البغدادي المحمودي يوم 24 جوان 2012 دون علم رئيس الجمهورية المؤقت آنذاك المنصف المرزوقي حسب ادعاءاته.
ومن إنجازات حمادي الجبالي المساهمة الفعّالة في اتلاف 5 آلاف مليار تركها بن علي ضمن ما أسموه صندوق الأجيال بعد التفريط في جزء من شرطة اتصالات تونس.
ومن إنجازات الخليفة السادس حواره الشيشوخة المبكرة ويقصد بها التقاعد المبكّر.
ومن إنجازاته وقوفه وراء والي سليانة الشهير الذي واجهه كلّ أحرار سليانة بأن تركوا له المدينة وغادروها وهي سابقة في التاريخ ستبقى فضيحة تلاحق الوالي والجبالي.
ومن إنجازاته ذلك الحوار الشهير مع القناة الخامسة الفرسية عندما تحدّث عن le رأسمال est جبان وعندما تحدّث عن Préparatation (البريباراتسيون)
من إنجازات الجبالي أن تونس غرقت في القمامة وأصبحت شبيهة لدول افريقية في السبعينات.
دون الحديث عن الجرب والقمل والسعال الديكي ... وعودة الأمراض التي قضى عليها أبناء هذه البلاد منذ سبعينات القرن الماضي.
لم يكتف حمادي الجبالي في مسامرة رمضان في صفاقس أن يوسّع مجالات وجوده في سباق رئاسة الجمهورية بعد الحديث عن الاستقامة ونظافة اليد وعن الأمن القومي وكيف يفهمه، نحو الحديث عن ''أنه سيدخل الانتخابات بروح انتصارية يستمدّها من الناخب المدافع عن الثورة التونسية''
وطبعا لحمادي الجبالي مفهوم آخر للثورة تماما مثل فهمه للأمن القومي.
فهو يؤمن بأنّ الثورة هي ذلك المدّ الاسلاموي العنيف لمجموعات القتل والخراب، وهو يؤمن بأنّ الثورة هي بناء الخلافة على الطريقة الاسلاموية أي دولة فاشية يحكمها تحت عناوين المقدّس فبعد طاعة الله ورسوله تكون طاعته باعتبار من أولي الأمر، ومن لا يطيعه سيكون مآله مثل مآل الشهيد شكري بلعيد والشهيد البراهيم والعشرات من شهداء المؤسستين العسكرية والأمنية.
هو يؤمن بالثورة التي تخرّبها رابطات حماية الثورة، وتخرّبها ميليشيات النهضة عندما كان أمينها العام وتخرّبها عصابات التجارة بالدين ومجموعات جهاد النكاح وذبّاحي الأبرياء في سوريا.
ومن المعروف وما خبره الناس أنّ الجبالي لا يؤمن بالثورة على أنها تغيير جذري للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي نحو واقع جديد أكثر تقدمية وأكثر تطوّرا وأكثر نموّ تاريخيا، هو لا يؤمن بأنّ في الثورة هناك أحلام شعوب بالرفاه وبالديمقراطية وبالحرية وبالاختلاف وبالحياة والكرامة... يجب أن تتحقق بل يؤمن فقط بأنّه يجب أن يحكم باسم الإسلام، أي كيف يصبح خليفة للمسلين من ولاية تونس، فهم لا يؤمنون بالجمهوية ولا بقيمها.
إنّ الدستور التونسي ينصّ على حرية الضمير وحرية المعتقد في فصل السادس، فكيف لحمادي الجبالي أن يعالج هذا الفصل في ظلّ ايمانه بأنّ الثورة هي ''لحظة ربانية'' وبأنّه سيكون رئيسا ''لقطع الطريق أمام القوى المناهضة لروح الثورة''
ومادام له تصوّر خاص للثورة، ليس التصور العلمي الذي يجب أن يكون، فهو سيقطع الطريق بهذا المعنى أمام من لا يؤمنون بنفس ما يعتقد فيه بأنه ثورة، أي أنه يريد أن يقطع الطريق أمام المؤمنين بالعدالة الاجتماعية وبالحرية والديمقراطية وبالتوزيع العادل لثروات الشعب، أليس قطاع الطرق عادة ما يخطئون المسار ويقعون بيسر في ما يقومون به. حمادي الجبالي يريد الدفاع عن ثورة لم يساهم فيها لا هو ولا جماعته.
تعليقك
Commentaires