سبر آراء أو الضحك على الذقون
بقلم سفيان بن حميدة
طالعتنا إحدى شركات سبر الآراء هذا الأسبوع بنتائج مدهشة حول نوايا تصويت التونسيين في الانتخابات المقبلة. وأقول شركات لأنها فعلا كذلك ولأن الجانب التجاري فيها في مجالات سبر الآراء السياسية وبان واضح أكثر من أي وقت مضى.
والمدهش في هذه النتائج ليس الجانب المتعلّق بالانتخابات التشريعية وإنما تحديدا بجانبها المتعلّق بالانتخابات الرئاسية وتخصيصا بجانبها المتعلّق بالمنافسة عن بعد بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وإن كان كلاهما لم يعلن حتى الآن عن نيّته في الترشح من عدمه.
فإن تضع هذه الشركات رئيس الحكومة متصدّرا لنوايا التصويت خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة قد يبدو مقبولا وقد نجد له ما يبرره. أما التعمّد في وضع رئيس الجمهورية في مرتبة متأخرة جدا في نوايا التصويت بشكل يجعله يحصل حسب هذه الشركات على أقل من واحد بالمائة من نوايا التصويت فهذا مالا نجد له تفسيرا حيث أنّ المرشحين الذين سيتقدمون للانتخابات وهم مازالوا يتحمّلون المسؤولية عادة ما ينطلقون متفوقين على غيرهم من المنافسين بستة أو سبعة نقاط في نوايا التصويت فأين ذهبت نقاط رئيس الجمهورية المرتبطة بتقلده لمنصبه ؟ وكيف نفسّر أن رئيس الحكومة سيستفيد في منصبه في ذات الوقت الذي لا يستفيد فيه رئيس الجمهورية من منصبه ؟
والواضح أن شركات سبر الآراء انتقلت إلى مرحلة جديدة في محاولة توجيه الرأي العام تعتمد على الإيهام بتقدم كبير لأحد المرشحين واختيار منافسيه في الدور الثاني بشكل يزيد من استبعاد المرشّح الأكثر منافسة لمرشّح هذه الشركات. إذ من الواضح أنه في صورة ترشح كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية فإن التنافس سوف ينحصر بينهما بشكل يمنع تصور غيابهما عن الدور الثاني في الانتخابات. لكن شركات سبر الآراء زادت في تضخيم نتائج مرشحين من الصف الثاني فارتفعت نوايا التصويت لفائدة أحدهم بأكثر من ثماني نقاط في شهر واحد. والسبب في ذلك واضح جلي وهو الإيهام بأن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة هي نتائج محسومة سلفا وفي ذلك تشجيع مبطن للناخبين على التصويت للمرشح الأوفر حظا حتى لا تضيع أصواتهم.
وإن كانت من الذين يأملون بشدة في أن يمتنع رئيس الجمهورية عن الترشّح لولاية ثانية لاعتبارات عديدة قد يطول شرحها ، فإن ّ التوقف عند جانب الانتخابات الرئاسية في نتائج سبر الآراء الذي نشر في غضون هذا الأسبوع مرده النزعة الواضحة في الإيهام بحقيقة تحتاج إلى تأكيد وفي محاولة سافرة لتوجيه الرأي العام وفي الانخراط الجلي في حملة لفائدة مرشح بعينه بل وفي التنافس بين شركات سبر الآراء فيما بينهما لكسب ود هذا المرشّح الذي تعتبره الأوفر حظا في انتظار كسب المغانم منه.
والاعتقاد راسخ لدي بأن ما ينشر من نتائج لسبر آراء مفترضة للتونسيين يبرر إلى حدّ بعيد الانتقادات التي ما انفكّت أطراف عديدة توجهها لشركات سبر الآراء والاتهامات التي تطالها وكذلك الحاجة إلى قانون ينظم سبر الآراء والعاملين فيه يمنع أو يحدّ من التلاعب بتوجهات الرأي العام والتأثير فيها في أي اتجاه كان.
ولئنن كانت الانتقادات الموجهة لشركات سبر الآراء في تونس تمس في معظمها بحياديتها وأخلاقيات تعاملها مع المواضيع فإن هذه الانتقادات تنضاف إلى انتقادات تتقاسمها مع شركات سبر الآراء في العالم وتتعلق بجوانب تقنية وأخرى جوهرية.
فأما الانتقادات التقنية التي توجه لعمليات سبر الآراء فتركز على طريقة اختيار العينة المستجوبة وتحضير الأسئلة المكوّنة للاستجواب وطريقة طرحها وغيرها من العناصر التقنية الأخرى.
وأما فيما يتعلّق بالجوهر فإن ما يعاب على تقنية سبر الآراء هو الإيهام بأن الأرقام المعلنة هي نتيجة لتوجه نهائي للرأي العام تمّ التعرّف عليه بطريقة منهجية علمية في حين أن منهجية سبر الآراء هي أبعد ما يكون عن الحقيقة العلمية لأنها ترتكز على ثلاثة فرضيات كلّها تفتقر للدقة العلمية كما بيّنه ذلك عالم الاجتماع الفرنسي "بيار بورديو" في مقال شهير نشر منذ سبعينات القرن الماضي تحت عنوان "لا يوجد رأي عام".
وتدفع شركات سبر الآراء التهم الموجّهة لها لاسيما شركات سبر الآراء في بلادنا بقدرتها على تقديم أرقام مطابقة لنتائج الانتخابات وهذا افتراء. فبمناسبة الانتخابات البلدية الماضية فشلت شركات سبر الآراء في توقع تصدّر القائمات المستقلة لنتائج التصويت فأتحفتنا بتبريرات واهية وحاولت تطويع الأرقام لقراءتها الخاصة.
كما تدفع هذه الشركات بنجاحها في تقديم أرقام مطابقة للنتائج النهائية خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية وهذه مغالطة أخرى لأنّ الأرقام المعلنة حينها كانت أرقام لسبر الآراء عند الخروج من مكاتب الاقتراع أي تعنى بفعل حصل بالفعل وليس بتوقعات لممارسة قد تنفّذ أو لا تنفّذ.
تعليقك
Commentaires