قليل من التفاؤل، كثير من الحذر
نتطلع جميعا مع مطلع كل سنة جديدة الى تحقيق الأمانى وانجاز البرامج التى بقينا أياما ولربما أشهر طويلة لوضعها. ولن تكون هذه السنة استثناءا لذلك فلنا من الامنيات والأحلام لهذه السنة ما يجعلنا نفيق هذا الصباح ورؤوسنا ملئى بما يعتمل فيها حتى الصداع بسبب كثرة الأماني المتلاطمة وكذلك بسبب ما أسرفنا فى أكله وشربه الليلة البارحة.
والواقع ان هذا التفاؤل ينبع من الطبيعة الانسانية التى تتطلع دائما الى ما هو أفضل والتى لا ينتهى حلم لديها حتى يولد حلم أكبر. ولولا هذا التفاؤل الذى جبلنا عليه لما كانت لنا القدرة في أيام كثيرة على مغادرة الفراش في الصباح. وكما يقول الطغرائي الأصفهاني فى لاميته "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".
لكن الواقع يدعونا أيضا الى الحيطة والحذر بسب تراكم التجارب المريرة التي مرت بها البلاد السنة المنقضية وما نتج عنها من تحولات لا تشير الى حد اللحظة ان ما هو آت سيكون أفضل مما مضى.
ولقد استمعت بالأمس الى كلمة الرئيس قيس سعيد الى التونسيين بمناسبة العام الجديد. وأعترف انى كنت من الكافرين لأني بهت كما بهت الكثيرون غيرى أمام رئيس لم يخرج بعد مرور أكثر من شهرين على انتخابه بأغلبية واسعة من جلباب المرشح الذى ما زال يسعى لاستمالة الناخبين والدخول في جبة رئيس كل التونسيين. وبهت أمام عربية ركيكة ربما كانت قد فعلت فعلها في السابق في جمهور واسع من المواطنين لكنها فقدت الكثير من بريقها الآن وقد أصبحت الانتظارات من صاحب الخطاب أكبر من مجرد تنميق للمفردات وتصفيف للقوافي. كما بهت أمام ضعف هيكلة خطاب الرئيس وتفككه وافتقاده الى مقومات الخطاب السياسي وتجاهله للسياق الذي يتنزل فيه. ولست أدرى ما الذي حدا به حتى يعلن في خطابه أنه كان يشد على الجمر عند امضائه أمر التمديد في قانون الطوارئ. ولماذا لم يستغل فترة وجوده السابقة في قرطاج ليجسد اقتراحه بتعويض قانون الطوارئ بتنقيح بسيط في قانون الارهاب. وسوف ننتظر منه خلال الشهر المقبل أن يستخدم صلاحياته الدستورية لتمرير مبادرة تشريعية تتعلق بتنقيح قانون مكافحة الارهاب وغسيل الأموال وإضافة فصل وحيد لهذا لقانون يتعلق بوضع المشتبه بهم في قضايا ارهابية تحت الرقابة الادارية او الاقامة الجبرية.
والحيطة تجد ما يبررها أيضا عندما نتابع حالة التذبذب التي ترافق تشكيل الحكومة الجديدة. ولعل الرئيس المكلف لهذه الحكومة التي طال انتظارها هو من الأسباب الرئيسية للحيطة والتوجس لما أظهره من ضعف وتذبذب في التوجهات وتناقض في التصريحات واهتزاز في المواقف. وقد شهد الذين شاركوا في اجتماعات رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بممثلي الأحزاب السياسية على سطوة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وسلطته القوية على رئيس الحكومة المكلف بشكل لا يطمئن على مآل الحكومة المقبلة وقدرتها على مواجهة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يستجيب لمقتضيات الوضع وليس بما يتواءم مع رغبات الاسلاميين وزعيمهم. وسيان ان كانت الحكومة المقبلة حكومة محاصة بين الأحزاب السياسية أو حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وهي كلمة مبهمة لم تعد تعني الكثير في تونس اليوم، فانها ستكون حكومة حزب حركة النهضة تأتمر بأوامرها وتنفذ سياساتها وهو ما ينذر بالخطر اعتمادا على التجارب السابقة ويستدعى اليقظة والتأهب لكل طارئ.
أما الخطر الأكبر الذى يتربص بالبلاد خلال هذا العام الذى هلت بوادره فسوف يأتي بكل تأكيد من البرلمان حيث يجتمع نواب هم أقرب بالنسبة للعديدين منهم الى نوائب الدهر منهم الى ممثلي الشعب. وقد أظهرت الجلسات القليلة التى عقدها مجلس نواب الشعب حتى الآن انه لا يجب انتظار الكثير من مجلس ينذر بالانفجار في كل لحظة وينفق جل وقته وجهده في التشابك والعراك والتناحر لأسباب لا تهم في أغلب الأحيان من وكلوهم لتمثيلهم. كما لا يجب انتظار ان يقوم رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي بدور فى رأب الصدع وتقريب وجهات النظر والوساطة بين الفرقاء. فقد أظهر تحيزا مفرطا لعشيرته من خلال اختيار أعضاء ديوانه. وأبدى ضعفا كبيرا في ادارة أول ازمة واجهته داخل البرلمان بين كتلتي حركة النهضة والحزب الدستوري الحر. والخشية أن يكون سببا مباشرا في ازمة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة التشريعية، وهي ازمة بدأت بوادرها تظهر بعد.
تعليقك
Commentaires