alexametrics
آراء

كيف نساند شخصا يسير في العتمة الظلماء ؟

مدّة القراءة : 4 دقيقة
كيف نساند شخصا يسير في العتمة الظلماء ؟

 

الإثنين 29 نوفمبر 2021 .. مرت أربعة أشهر وأربعة أيام منذ أن استحوذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد على كل السلطات.

 

حصيلة ما حدث طوال هذه المدة: الوزراء السابقون، مهدي بن غربية وشكري بلحسن وسمير الطيّب يقبعون في السجن من أجل ملفات يبدو أنها فارغة حسب محاميهم وهيئات الدفاع عنهم .. وقد نخطئ إذا لم نصدّق رواياتهم حين نعلم أن قاضي التحقيق الذي يتولّى النظر في ملف سمير الطيّب، قد ختم الأبحاث وقرر الإفراج عنه الوزير الأسبق وهو ما لم يرُق للنيابة العمومية (التابعة للسلطة التنفيذية) والتي قررت استئناف قرارات الإفراج المؤقت والإحتفاظ بسمير الطيب سجينا. كما لو أن النيابة العمومية تقول لنا فلتذهب إلى الحجيم أبحاث قاضي التحقيق وقرينة البراءة والمبدإ القائم على أن السجن يجب أن يكون هو الإستثناء والحرية هي القاعدة. ما حدث مع سمير الطيب يمكن أن يحدث مع مهدي بن غربية الذي دخل في الأسبوع الرابع من إضراب الجوع خلف القضبان.

 

ما تبقى من حصيلة الأشهر الأربعة الماضية: مازلنا بلا دستور ولا برلمان، حتى قضاؤنا متذبذب وحرياتنا مهدّدة ويتم التعامل معنا كرعايا وليس كمواطنين. على بعد شهر من انتهاء السنة الحالية، ما زلنا نجهل فحوى وتفاصيل قانون المالية لسنة 2022 كما أننا نجهل كذلك الوجهة التي يسير بنا نحوها قيس سعيّد .. خلاصة القول نحن في العتمة الظلماء.

 

هذا التشخيص الموضوعي والواقعي لا يتّفق معه قيس سعيّد ومئات الآلاف من أنصاره، الذين يواصلون مساندة الرئيس رغم شتائمه وعدم إيفائه بوعوده وغياب برنامج واضح ودقيق .. هم مستمرون في بث الشتائم عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتهديد وتشويه كل من يتعارض مع أفكار زعيمهم وقائدهم الفذ.

 

حين تسأل قيس سعيّد وأنصاره عن تشخيصهم لما يحدث سيجيبنك مباشرة وآليا بأن تونس لها ما يكفي من المال ولكنها أموال نهبها الفاسدون .. حسب رأيهم يكفي استرجاع كل تلك الأموال المنهوبة ليعود الوضع إلى طبيعته .. لكن هذا غير مؤكد بالمرة. حكاية الأموال المنهوبة من طرف الفاسدين هي كذبة كبرى ما انفك البعض يعيد ترديدها على أسمعانا منذ 2011 .. حتى وإن كانت هناك أموال منهوبة بالفعل فإنها إذا أحصيناها لن تكون بحساب مليارات الدنانير .. ومهما كان حجمها فلن تمكننا من استيعاب وتغطية عجز ميزانية الدولة .. أي أنه لا يحق لنا التعويل على تلك الأموال لتصفية كل مشاكلنا .. السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة (وهي أزمة هيكلية بالأساس) يتلخّص في عبارة واحدة هي: العمل.

 

الطريقة الوحيدة للخروج من عنق الزجاجة هو التقليص من بعض المصاريف الزائدة عن حاجة الدولة التي تصرف أكثر مما تنتج وتكسب، فضلا عن إعادة توجيه الدعم وخوصصة ما يلزم التفويت فيه للقطاع الخاص من المؤسسات العمومية المفلسة والتي تعرف صعوبات مالية كبرى، إلى جانب التشجيع على الإستثمار الخاص، وهو القطاع الوحيد القادر على خلق وإحداث مواطن الشغل وإنتاج الثروة وتحقيق النمو.

 

طالما أن قيس سعيّد لم يقتنع بعد بهذا التشخيص الواقعي لما آلت إليه البلاد والحلول المناسبة لذلك فإننا سنبقى في العتمة الظلماء.

 

كل الوقائع والأحداث تثبت لنا أسبوعا بعد آخر أن الرئيس يجهل تماما كل ما يتعلق بالتصرف في شؤون الدولة وفي الإقتصاد .. فقد استقبل خلال الأسبوع المنقضي وزيرة التجارة ليحدثها مجددا عن المضاربة التي يعتبرها السبب الأصلي في ارتفاع الأسعار .. الوزيرة ظلت صامتة أمامه ولم تجرؤ على أن تقول له إن الأسعار ترتفع وفقا لقاعدة العرض والطلب في الأسواق الدولية ولقيمة الدينار والنمو الإقتصادي العالمي وارتفاع تكاليف النقل وغيرها من العوامل الأخرى غير المضاربة.

 

أن يكون رجل قانون جاهلا لعالم السياسة والإقتصاد، هذا يحدث أحيانا وبإمكانه أن يتعلّم مع الوقت ..

غير أن قيس سعيّد يرفض أن يتعلّم أشياء جديدة وهو متمسّك بالمعارف التي تلقاها منذ سنين في الكلية .. يوم استقبل الوزيرة قال لها إنه كان يقرأ في الصباح لابن خلدون  !لا أحد يشكك في وجاهة كتاباته ولكن كان على قيس سعيّد أن يطالع ذلك الكتاب في فترة مراهقته .. فلو كان فعل لما اضطر إلى قراءته الآن من جديد .. عليه أن يخصص وقته الثمين لشؤون الدولة وقراءة المؤلفات الحديثة والمعاصرة التي تفسّر له كيف هو العالم اليوم .. الكتب القديمة، مهما كانت قيمتها الأدبية، لن تنفعه أبدا في إيجاد حلول لمشاكل القرن الحادي والعشرين.

 

تواصلا مع سيره في الظلام الحالك وفي انتهاج التجارب الفاشلة السابقة، تولّى قيس سعيّد خلال الأسبوع الفارط تسمية عدد من الولاة .. لكن ماذا عن سيرهم الذاتية ؟ لقد ارتأى عدم مدّنا بها .. فقط علمنا أن أحدهم يهوى رياضة كمال الأجسام وركوب الدراجات النارية الكبيرة وأن جميعهم من بين أعضاء حملته التفسيرية.

 

من خلال هذه التسميات، يواصل قيس سعيّد السياسة ذاتها التي انتهجها سابقوه .. السياسة المتمثلة في اختيار الأشخاص على أساس الولاء وليس الكفاءة .. وبإمكاننا التأكيد على أن الولاة الجدد نكرات وغير معروفين في عالم السياسة والإقتصاد ولا في الإدارة .. وكما يقول المثل الشعب "يتعلّموا الحجامة في روس اليتامى".

 

وسط كل هذا السواد، هناك شيء إيجابي .. في السياسة يقال إن غياب الجاوب هو في حد ذاته جواب .. وبالتالي فإن هذا السواد  هو في حد ذاته سياسة.

 

سابقا كنا نجهل شكل السياسة التي سيتوخاها قيس سعيّد .. أما الآن فصرنا على علم بذلك .. سياسته تتمثّل في إبقائنا في الضباب واتخاذ القرارات بمفرده كما لو أن البلاد ملك له.

 

تأسيسا على كل هذا، أعدّ المجتمع المدني وعالم الإقتصاد والنقابيون ردود فعلهم وعدّلوا منها. 

 

خلال الأسبوع الماضي، صرّح نور الدين الطبربي، الأمين العام للمركزية النقابية أنه ليس بمقدوره مساندة شخص يسير في الظلام .. وهذا في حد ذاته تطوّر كبير في موقف هذا المسؤول النقابي الذي أحجم إلى حد الآن عن إبداء معارضته تجاه الرئيس.

 

نقابة الصحفيين أصدرت بدورها بيانا نبّهت فيه إلى مختلف الخروقات الصادرة عن السلطة القائمة.

 

رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، أكد استقلاليته في أكثر من مناسبة ورفضه المطلق لأي إصلاح للمجلس خلال هذه الفترة الإنتقالية.

هذه الإستقلالية كلّفته سخط طائفة من رواد شبكات التواصل الإجتماعي.

 

المعارضة، الصامتة، في معظمها، عبّرت عن رفضها القطعي لسياسة الرئيس.

سيذكر التاريخ أن حمّة الهمامي وفاضل عبد الكافي ومحمد عبّو، هم فقط تجرؤوا دون حسابات، على الإعتراض على أوامر الرئيس ونبرته الازدرائية طوال هذه الفترة السوداء.

تصريحات راشد الغنوشي (وتوابعه من جماعة ائتلاف الكرامة) وكذلك منصف المرزوقي أو عبير موسي، كلها موظّفة وتعكس تموقعهم السياسي.

 

فقط منظمة الأعراف تميّزت بجُبنها وصمتها المتواطئ .. رغم أن لديها من الأسلحة ما يكفي لإجبار الرئيس على أن يستيقظ من سباته وينظر إلى الواقع أمامه .. كان على هذه المنظمة أن تلوّح بإيقاف الإستثمارات أو الدعوة إلى العصيان الجبائي لمدة شهر واحد، حينها سيصاب رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة بالهلع وسيتعاملون معنا كمواطنين وليس كرعايا مطالبين فقط بدفع الضرائب والتزام الصمت.

 

مع ذلك ورغم صمت أصحاب رؤوس المال، فإن بقية فئات المجتمع بصدد التحرك ليعلنوا للرئيس أن البلاد ليست ملكا له وأنه ليس هكذا تسيّر الدولة.

 

هذه التحركات تمثّل بصيصا من الأمل لأن القوى الحية في البلاد، قادرة لو اجتمعت وتوحّدت، على كنس الدكتاتور .. مثلما أثبتوا ذلك في الماضي.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0