alexametrics
آراء

ملامح وخصال المترشح الذي ستدعمه "بيزنس نيوز" في الرئاسية

مدّة القراءة : 5 دقيقة
ملامح وخصال المترشح الذي ستدعمه

 

عقد صحفيو "بيزنس نيوز" يوم الإثنين 26 أوت 2019 اجتماع مجلسهم التحريري الأسبوعي وقد توجّه لنا نزار بهلول، مدير التحرير بالسؤال التالي: "إذن من سندعم في الإنتخابات الرئاسية ؟" .. فورا ساد الصمت القاعة لبضع ثوان لينطلق بعدها سيل من الأفكار حول أسامي المرشّحين والحجج ذات الصلة.

 

فأفراد الفريق الصحفي العامل في "بيزنس نيوز"، مثلهم مثل زملائهم في وسائل الإعلام الأخرى، هم مواطنون قبل كل شيء وما زالوا لم يتّخذوا خيارا واضحا في هذا الشأن. كما أنهم واعون وبعمق بدرجة الإنحطاط والفراغ الذي تتخبّط فيه جملة الطبقة السياسية التونسية.

 

وقد تداول الصحفيون فردا فردا على أخذ الكلمة ليقترح كل واحد منهم إسم المترشّح الذي يعتقد أنه مؤهّل لنيل دعم ومساندة صحيفة "بيزنس نيوز" .. كل استعرض حججه وقراءته للوضع السياسي الراهن، مع الأخذ في الإعتبار بالأساس المصلحة العليا للوطن.

 

ولكن قبل ذلك كان علينا أن نفسّر ونوضّح للصحفي الشاب المتربص لدينا لماذا على "بيزنس نيوز" أن تختار أحد المترشّحين ولماذا لا يمكننا الإكتفاء بعدم اختيار مترشّح بعينه ورفع شعار الحياد الذي هو أقرب منه للنفاق؟.

 

أوّلا إذا أمعنا النظر في ما يجري حولنا في العالم فإنّك لن تجد صحيفة سياسية واحدة تحترم اختصاصها تكتفي بدور الملاحظ خلال محطة بهذه الأهمية ألا وهي الإنتخابات الرئاسية.. وهو ما حصل حين انتخاب إيمانويل ماكرون في فرنسا أو دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية. هل كان خيارات صائبا أم سيئا؟ هذا أمر يمكن مناقشته والخوض فيه ولكن لا شك في أنه تم اتخاذ  خيار مع أو ضد في مجالس التحرير الأمريكية والفرنسية.

 

هناك مدرستان مختلفتان في الصحافة السياسية الدولية: المدرسة الأنقلوسكسونية التي تدعم بشكل واضح وصريح أحد المترشحين أو مشروعا مجتمعيا (البريكست في المملكة المتحدة مثلا) والمدرسة اللاتينية التي تقوم بذلك لكن ليس بشكل صريح ومُعلن، إلا في بعض الحالات الدقيقة، عندما تكون القيم والمبادئ الجمهورية مهدّدة.. وهو ما جرى في فرنسا خلال الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية والتي تأهّل لها كل من إيمانيول ماكرون ومارين لوبان أو قبل ذلك بين جاك شيراك وجون ماري لوبان. فحين نرى السلوك العدائي الذي تعاملت به الصحافة الأمريكية مع دونالد ترامب في إنتخابات 2016، يحق لنا أن نتساءل: لماذا لا نتصرّف بهذا الشكل؟ .. حتى الصحافة اللاتينية بدأت تأخذ موقفها خلال المواعيد الوطنية الكبرى، على غرار ما حصل في فرنسا ولكن أيضا في إسبانيا وإيطاليا.

 

بالنسبة إلينا في تونس وبصفة خاصة "بيزنس نيوز" لا يمكننا أن ننشر مقالات رأي مطوّلة طيلة خمس سنوات، للتحليل والتعليق والإدانة وحتى إطلاق صيحات غضب أحيانا، للتذرّع بعد ذلك بمبدإ الحياد والكذب على قرّائنا. فمن غير المنطقي ولا المعقول أن يكون لنا رأي حول حيثيات الساحة السياسية التونسية، طوال خمسة أعوام، ثم نحرم قراءنا من ذلك الرأي أو الموقف في مثل محطة إنتخابية بهذا الحجم والأهمية.

 

لذلك نقرّ ونعترف بأننا لسنا محايدين، حين يتعلّق الأمر بمصلحة الوطن كما نعتبر أنه من واجبنا الدفاع عما نعتبره توجّها سليما وصائبا.. وهذا التوجّه القويم تمليه علينا القيم التي نؤمن بها والتي سندافع عنها في كل المناسبات والظروف.

 

تلك القيم التي نتمسّك بالدفاع عنها هي إرساء جمهورية ديمقراطية والتوجّه العلماني ومبادئ الحرية والعدالة. فهذه القيم والمبادئ هي بوصلتنا الوحيدة في عملنا اليومي الدؤوب في كل ما نتولّى نشره وإصداره من مقالات. وخلافا لما يدّعيه البعض من نخبتنا فإننا لن ننقلب على أعقابنا ونغيّر قناعاتنا كما أننا لن نكون لعبة بين يدي أي شخص كان ونحن ندفع ضريبة هذا الخيار باهضا أحيانا.

 

فنحن نعترض دوما، من منطلق الدفاع عن الجمهورية، على تدمير الدولة كما أننا وحرصا منا على احترام مبادئ العلمانية، نعترض على تطبيق الشريعة. واحتراما لمبدإ الحرية، كانت "بيزنس نيوز" في طليعة الصحف التي أعطت الكلمة للمثليين المضطهدين. ودفاعا عن العدل والعدالة عبرنا عن استنكارنا واستهجاننا إزاء عملية إيقاف نبيل القروي .. فمن منطلق احترام كل هذه القيم والمبادئ دافعنا أيضا وبكل شراسة عن المساواة في الميراث.

 

تواصل النقاش وتبادل الأراء بين صحفيي "بيزنس نيوز" وقد استغربنا نحن رؤساء التحرير من تنوّع وجهات النظر واختلافها،  وقد كان دافعها جميعا حب تونس .. وقد ذهبنا بالنقاش بعيدا ليشمل إدارة التحرير وتدارسنا جيدا المترشحين المتقدّمين لهذه الإنتخابات.. مختلف ردود الأفعال حول تقرير لجنة الحريات والمساواة التي ترأسها بشرى بلحاج حميدة ومسألة المساواة في الميراث، فرضت نفسها وكان عنصرا حاسما ومحدّدا بخصوص اختيار المترشح الذي سندعمه، باعتبار أن ذلك كان متماهيا مع القيم والمبادئ التي ندافع عنها وبالتالي لا يمكن لبيزنس نيوز أن تدعم وتساند مترشحا لم يعلن موقفه بصراحة ووضوح من إرساء مبدإ المساواة في الإرث مثلما نص على ذلك تقرير لجنة الحريات والمساواة.

 

إثر ذلك كان علينا تحديد مقاييس ومعايير أخرى لاتخاذ موقف واضح من المترشحين وهنا تحوّل النقاش إلى قيم العدل والعدالة واحترام استقلالية القضاة وقد كنا مجمعين على ضرورة إرساء قضاء محايد وصارم لا يأتمر بأوامر أي شخص أو طرف ويكون رافضا لكل أشكال وممارسات الضغط.. وهذا المعيار أسقط من غربال خياراتنا كل من استغلّ القضاء حين كان في سدّة الحكم وكل من لا يقاسمنا رؤيتنا إزاء قضاء مدني وعادل. 

 

المقياس الآخر الذي اتبعناه هو الفلسفة الإقتصادية لمختلف المترشحين.. فنحن ندافع عن اقتصاد ليبرالي يميني يكون محافظا على طابعه الإنساني مع إعطاء كل واحد ما يستحق في إطار حلقة الإنتاج وتقاسم ثروات البلاد.. نحن مع نموذج إقتصادي يحقق العدل ويمكّن الجميع من بلوغ الإزدهار بفضل عمله، حيث لا تتدخّل الدولة وإنما تكتفي بالتخطيط.

 

وقد اعترضتنا خلال النقاش صعوبة إضافية تتمثل في هل أننا سنراهن على مترشّح دون الأخذ في الإعتبار حظوظه الحقيقية في الفوز؟ .. الخيار الأول كان بلا شك الأكثر أريحية لكنه قد يساهم في تضليل قرائنا وإيهامهم بأن مترشحا ما هو الأفضل في حين أننا ندرك مسبقا أنه لن يفوز أبدا.. فهذا ينطوي على نفاق مُبطّن نرفضه شكلا ومضمونا. كما أن ذلك قد يخيّب آمال قرائنا حين يرون صحيفتهم أخطأت قراءتها للمشهد السياسي في البلاد.

 

ومع ذلك وبالنظر إلى الرباعي الذي يتصدّر نتائج سبر الآراء والتي تمنعنا الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات من نشرها أو حتى التعليق عليها، بما فسح المجال أمام نتائج مغلوطة وكاذبة يتم تداولها في مواقع التواصل الإجتماعي، فإنه بات من الواضح أن القيم والمبادئ التي ذكرناها آنفا أضحت في وضعية حرجة وبالتالي يصعب على المترشحين الخروج سالمين من غربال قيمنا التي ندافع عنها.

 

وهنا اتضح لنا جليا أن اختيار إسم مترشّح واحد صار أمرا مستحيلا، فلا يوجد مترشح فقط تجتمع فيه كل هذه المقاييس ويكون محلّ إجماع ووفاق صلب مجلس التحرير لصحيفة "بيزنس نيوز".

 

بإمكاننا فرز بعض الأسماء (ثلاثة على أقصى تقدير) من بين جملة  المقترحين.. مترشحون تتوفّر فيهم القيم والمبادئ التي تؤمن بها "بيزنس نيوز"، من خلال المواقف التي يدافعون عنها ومسيرتهم السياسية وحججهم وبرامجهم وحظوظهم في المرور إلى الدور الثاني من الإنتخابات، ومدى انسجامهم وتطابقهم مع رؤيتنا لتونس أفضل ومزدهرة. فقد يجسّمون كل بطريقته الخاصة سياسة سلسة وناجعة وتحترم الأخلاقيات المتعارف عليها. كما يمثّلون أسلويا معيّنا في ممارسة السياسة بعيدا عن الإثارة ودغدغة الأحاسيس. الأهم بالنسبة إلينا هو أن يتحلّوا بقدر عال من الوطنية وأن يكونوا قد قدّموا الكثير لهذا الوطن.. ولا يعني هذا أن الآخرين لا يتحلّون بهذه الخصال ولكن الحس الوطني لديهم عكسته أفعالهم وممارساتهم حين شغلوا مناصب المسؤولية.

 

كما ذكرت سابقا في هذا المقال فإن البوصلة الوحيدة التي تهتدي بها وتتّبعها "بيزنس نيوز" هي مصلحة تونس وشعبها.. فالشفافية كانت دوما ديدننا في التعامل مع قرائنا ولذلك كشفنا لهم عن تركيبة شركائنا وأسماء أعضاء مجلس إدارتنا .. ومن هذا المنطلق واحتراما لمبدإ الشفافية تجاه أعزائنا القراء أردنا أن نعلن لهم وبكل وضوح عن ملامح المترشحين الذين سندعمهم في هذه الإنتخابات الرئاسية، عوضا عن تقديم دعنا لهم بطريقة خبيثة وخفيّة.

 

لكن بقي أمران لا بد لنا من تقديم الإيضاحات اللازمة بشأنهما: وهو أن دعم هذا أو ذلك من المترشّحين، لا يعني البتّة أننا سنهاجم ونتجنّى على باقي المترشحين. ثم إن كونهم الأقرب إلى قيمنا ومبادئنا، لا يعطيهم حصانة ضد نقدنا أو انتقادنا لهم كلما ارتأينا أن ذلك صار ضروريا، وبطبيعة الحال مع الإبقاء على احترامنا لمبادئنا وقيمنا التي نتقاسمها مع قرائنا المستهدفين.

 

لكن هل يتوجّب علينا تقديم أسماء هؤلاء المترشّحين والإعلان عن دعمنا لهم، مثلما يقوم بذلك أي محلّل متابع للحياة السياسية في المشهد الإعلامي الأنقلوسكسوني، أم علينا أن نصمت ونترك الخيار للقارئ مثلما هو الشأن عند المدرسة اللاتينية حتى وإن بدأ هذا التوجّه يخفت خلال الإنتخابات الأخيرة في كل من فرنسا وإيطاليا. بملاحظتنا للساحة السياسية الحالية والأسماء الثلاثة التي وقع عليها الإختيار انطلاقا من المقاييس التي حددناها، خيّرنا أن نبقي النقاش مفتوحا إلى غاية بلوغ الدور الثاني من الإنتخابات. ومما لا شك فيه أن غاية أمانينا هو أن تستعيد بلادنا أنفاسها وأن نواصل ونحرص بكل ما أوتينا من جهد على تقديم منتوج إعلامي ذي جودة عالية ويستحقّ ثقتكم فينا.

 

  (ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0