alexametrics
آراء

نجلاء بودن في عين العاصفة "سعيّد"

مدّة القراءة : 4 دقيقة
نجلاء بودن في عين العاصفة

 

 

يوم الجمعة 17 ديسمبر 2021 وافق الذكرى الحادية عشرة للثورة التي مرت دون أي احتفالات رسمية تُذكر .. للسنة الثانية على التوالي لم يتحوّل قائدنا المفدّى لجهة سيدي بوزيد مثلما كان متوقّعا .. لكن ما الذي كان يجبره على التنقّل ؟ فقد نال مبتغاه أي السلطة المطلقة .. وما عاد بحاجة لأهالي سيدي بوزيد فقد صار بإمكانه تجاهلهم وأن يلقي بهم مثل المناديل الورقية وكذلك سيكون مصير أنصار الرئيس قيس سعيّد.

 

كانت الإحتفالات بالثورة في تونس العاصمة في شكل مجموعات متفرقة .. كل له مربّعه الخاص به وإمكانياته الذاتية .. أي بعيدا كل البعد عمّا شهدته البلاد يوم 14 جانفي 2011 حيث كان التونسيون يدا واحدة، متحدين في مواجهة الدكتاتورية.

 

يوم الجمعة الماضي شاهدنا بعض الأحزاب القديمة والصغيرة من حيث الوزن السياسي، المحسوبة على المعارضة الكرتونية مثل حزب التكتل والحزب الجمهوري اللذين اصطفا وراء التيار الديمقراطي للتظاهر والإحتجاج ضد الحُكم المطلق لقيس سعيّد.

 

الأحزاب العلمانية والحداثية والتقدمية والليبرالية والإجتماعية الديمقراطية اصطفت وراء شاشات التلفزيون أو شاشات هواتفهم للاكتفاء بمشاهدة الآخرين "يعملون".

 

الحزب الدستوري الحر بما أنه يرى نفسه غير معني بالثورة، واصل في شن اعتصامه في هذه الأجواء الباردة، للإحتجاج على وجود مقر لاتحاد علماء المسلمين بتونس وهي منظمة إرهابية حسب رئيسة الحزب عبير موسي.

 

أما الإسلاميون وما تبقّى من حزب المؤتمر والذين اصطفوا وراء ثنائي من المهرّجين للتظاهر أمام عدسات الكاميرا ضد "الطاغية" .. أعلنوا في البداية عن تنظيم اعتصام لكنهم أدركوا بعد 24 ساعة فقط أنهم لم يكونوا سوى حفنة من الجبناء العاجزين عن الوقوف طويلا في البرد ومقاومة ضغط الوحدات الأمنية.

 

وأخيرا كان هناك في مكان آخر من الشارع الرمز مجموعة من أنصار الرئيس وقفوا بالعشرات ليصفقوا لقرارات "المنقذ" قيس سعيّد .. هؤلاء أعدّت لهم وزارة الداخلية استقبالا يليق بهم وخصصت لهم المكان الأمثل في شارع الحبيب بورقيبة أي قبالة المسرح البلدي.

 

 لحوصلة هذا المشهد السياسي التونسي التعيس، لم يبق سوى الدستوري الحر للمارسة السياسة الحقيقية ومعارضة الحكم الفردي بكل شجاعة.

 

صحيح أن الإسلاميين يصدرون الكثير من الضجة لكنهم يتقوقعون في الصفوف الخلفية، عاجزين عن حشد أنصارهم.

 

العائلة الوسطية تراوح مكانها من خلال ردود فعل محتشمة عبر وسائل الإعلام، على غرار ما قامت به أحزاب آفاق تونس والتيار أو من خلال الإختفاء كليا مثل أحزاب تحيا تونس والمشروع، في انتظار مرور العاصفة "قيس سعيّد".

 

لقد صار بديهيا للجميع أن قيس سعيّد لا يفقه شيئا في السياسة ولا في لإقتصاد ولا في المجتمع أيضا .. ورغم ذلك مازال منذ أكثر من أربعة أشهر يفعل ما يشاء في غياب معارض حقيقي يواجهه .. رغم قصر قامة الرئيس من الناحية السياسية فإن أحزاب المعارضة مجتمعة لم تفلح في الوصول إليه.

 

قيس سعيّد لم يستمر لأنه قوي أو لأن الجيش والأمن يأتمران بأوامره، لقد استمر سعيّد في ما هو عليه لأن الآخرين منقسمون وضعفاء ليس لهم سوى الأنا المتضخّمة.

 

في الوقت الذي تتخبّط فيه الطبقة السياسية، تواصل حكومة نجلاء بودن عملها .. هذه السيدة تعمل على انفراد في ركنها الخاص دون أن تشركنا في ما هي بصدد التحضير له .. هكذا تعمل الدكتاتوريات التي لا تكون عادة بحاجة للكشف عن تفاصيل ما تعمل أمام الشعب.

 

بالنسبة إلى نجلاء بودن (وكذلك قيس سعيّد) نحن لسنا سوى رعايا يقتصر دورهم على دفع الضرائب والأداءات.

 

لأخذ فكرة عما ينتظرنا في 2022 علينا أن ننتظر قانون المالية الذي يتم إعداده عادة في شهر سبتمر .. وها نحن اليوم في 20 ديسمبر ولا شيء يلوح في الأفق.

 

لمعرفة ماهي الخطة التي ستعتمدها السيدة بودن لضخ الأموال في خزينة الدولة وماهي خطتها الإصلاحية، علينا اللجوء للإشاعات وبعض التصريحات المقتضبة هنا وهناك.

 

يوم السبت 11 ديسمبر قالت رئيسة الحكومة (أو بالأحرى الوزيرة الأولى) لدى استقبالها الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل إنها تعتزم التقليص في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية بنسبة 10 بالمئة وتجميد الزيادات في الرواتب لمدة خمس سنوات، فضلا عن رفع الدعم والتفويت في بعض المؤسسات العمومية.

يوم الخميس 16 ديسمبر، استقبلت نجلاء بودن، رئيس منظمة الأعراف سمير ماجول وقدّمت له برنامجها الإصلاحي.

 

لكن أي نحن من كل هذا سيدتي نجلاء بودن ؟ نجن معشر الشعب، نحن دافعو الضرائب، نحن المعنيون الأوائل بما تتخذون من قرارات .. هل من أحد يفسّر لنا ما أنتم بصدد التحضير له ؟

أما بخصوص الإعلام، فقد خيّرت بودن تجاهلها بل إنها فرضت على وزرائها شروط التدخل في الوسائل الإعلامية.  

 

حتى في أسوأ الدكتاتوريات، يتوجّه الحكّام بالكلمة لشعوبهم ويفسّرون لهم الأشياء .. في تونس لا تتحدّث رئيسة الحكومة إلا مع النقابات ومنظمة الأعراف وحتى هذا لم يعد مضمونا. فقد يتم إقصاء النقابات من اللقاءات الثنائية .. بما أن نور الدين الطبوبي خرق سرية اللقاء الذي جمعه بها .. إذ أنها حدّدت في منشور شروط وضوابط التفاوض مع النقابات مع التنسيق المسبق مع رئاسة الحكومة.

 

رئيس الدولة من جهته ورغم أن يدّعي الإصغاء إلى ما يريده الشعب فإن الواقع مغاير تماما لذلك.

 

نجلاء بودن تُعادي اتحاد الشغل والإعلام  

رغم عنجهيتها واحتقارها لوسائل الإعلام وللشعب عامة، فإننا نفهم سلوك نجلاء بودن، فهي بين المطرقة والسندان .. فمن جهة لديها واجباتها كرئيسة للحكومة والتي تقرض عليها أن تكشف عما تقوم به للمعنيين بالأمر (أي عامة الشعب) ومن جهة ثانية هي أمام تعليمات وأوامر رئيسها، قيس سعيّد الذي يمنعها من الظهور في وسائل الإعلام وقد فرض عليها خلال الاسبوع الماضي عدم السكوت على وقاحة نور الدين الطبوبي.

 

لذلك فإن نجلاء بودن بين نارين وسينتهي بها الأمر بالإحتراق بإحداهما .. فبخضوعها لأوامر الرئيس، هي تضمن راحة بالها على المدى القريب .. لكن في وقت ما ستكون مجبرة على الكشف والإعلان عن قراراتها وفي تلك اللحظة ستواجه الغضب الشعبي.

 

بل أسوأ من ذلك فإنها تعادي اليوم الإتحاد العام التونسي للشغل بمنشورها عدد 20 .. سامي الطاهري بصفته الناطق الرسمي للمركزية النقابية، طالبت بالسحب الفوري لهذا المنشور حتى لا تتوتّر وتتسمّم الأجواء أكثر .. بطبيعة الحال تجاهلت بودن الأمر فهي لا تتلقى الأوامر إلا من قيس سعيّد.

 

لكن باختيارها ازدراء الشعب ووسائل الإعلام والمنظمة الشغيلة، فإن نجلاء بودن بصدد اللعب بالنار .. لماذا ؟

لأنها تفتقر للمال في خزينة الدولة وهي بالتالي مجبرة على اتخاذ قرارات موجعة وضد إرادة الشعب .. لذلك عليها أن تهيئ الرأي العام لهذه القرارات ولا يمكن تهيئة هذا الرأي العام إلا عن طريق وسائل الإعلام واتحاد الشغل. لا وجود لأي حل آخر إذا كانت تريد تفادي هذا الغضب الشعبي.   

 

نجلاء بودن خضعت للرئيس وتحصّلت على فترة إمهال، لكن الرئيس لن ينفعها في شيء، يوم يعلن الإتحاد عن تنظيم إضرابات وحين تنتقد وسائل الإعلام سوء تصرّفها في التعامل السياسي مع الملفات الحارقة.

 

في تلك اللحظة سيرمي بها قيس سعيّد مثل منديل ورقي، مثلما يفعل كل الملوك والسلاطين.

 

بطبيعة الحال لا تستحق نجلاء بودن مثل هذا المصير وأن يتم التضحية بها فالمعلومات الشحيحة التي تسرّبت عن خطتها الإصلاحية تفيد بأن تلك الإصلاحات من شأنها إنقاذ البلاد، لكن هذه الخطة بحاجة إلى المساندة والدعم، بل كثير من الدعم خاصة من وسائل الإعلام ومن الأطراف النقابية. يكفي أنها تطّلع على تاريخ تونس لتدرك ما كان مصير الحكام الذين وقفوا في وجه الإتحاد العام التونسي للشغل .. يكفي أن تنظر إلى ما يجري في العالم لتعرف ما الذي حصل لمن يعادون الإعلام.

 

باللعب بالنار على واجهتين أي وسائل الإعلام والنقابات فإن نجلاء بودن سينتهي بها المطاف بالإحتراق.  

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0