هل يعرف الهاروني المثل " آش يشبّع الجمل من التّفاف"
طلع علينا السيد الهاروني ، "حكيم الخوانجية" كما ينعته البعض مزبدا ومزمجرا .. مندّدا ومحذّرا.. نيران تنبعث من لسانه وشرار يطير من لسانه.. في الحقيقة يجب أن نعدّل الملاحظات قليلا: فالرجل يتحدّث إلى أتباعه والحمّى تنفضه نفضا، وإن كان غاضبا فهو غضب الحماس وغضب من عيل صبره، صبر المتأنّي في معالجة المشاكل، وصبر الآمل في تجاوز عقبات هي ثانوية إذا ما قورنت بغيرها من العقبات.. وعلينا الانتباه أيضا إلى انّ غضب فتى الإخوان مقصود به الشاهد رأسا، ومن ورائه كلّ من اعتبروا أصلا في خلق هذا المشكل المتكلّف. وإن كان الهاروني على هذه الدرجة من الغضب فلأنّ الشاهد لم يكن حصان طروادة الذي تصوّروه، وقد نُصّب للتعجيل بإنجاز كلّ منافع الإخوان ومكتسباتهم، أي بعبارة أخرى " ضرب العروسة بيد القطوسة" ؛ وإلاّ لما كان معنى للمحافظة عليه وقطع حبال العشق والغرام مع الباجي لأجله ..
في إيجاز هذا ما يقرأه السامع عندما يتابع مقالة الفتى المغوار الشجاع الذي لا تُردّ له كلمة في تنظيم الإخوان. غيره أنّه في مقالته تلك اختزل التاريخ القريب اختزالا على المنوال الإخواني، ودفع بالسامع إلى أن يتأثّر بكلامه وتصديقه والدعاء معه بالوبال على كلّ من ألحق اذى بمريدي التنظيم. ولذا تعالوا نحيي ما بقي راسخا في ذاكرتنا.. لا ننفكّ نستحضره في كلّ مصيبة تنقضّ على رؤوسنا، ونرفعه في وجه كلّ رؤساء الحكومات الذين توافدوا علينا طيلة تسع سنوات.
على كلّ حال نحن نعمل بقول مقاتل" فذكّر وقد نفعت الذكرى". وإن كنّا نشكّ في أنّ التذكير ينفعكم، لأنّنا وببساطة لم ننفكّ عن تذكيركم طيلة هذه السنوات بإنجازاتكم السوداء وتجاريبكم التي أسقطتموها علينا وتفننتم في تطبيقها على هذا المجتمع.. لأنّنا نصرخ كلّ يوم تقريبا، ونعلم جيدا أنّنا لو سكتنا يوما لأتيتم على الأخضر واليابس، خصوصا أنّنا نواجهكم أنتم ومن اخترناهم رجالا ونساء واقتنعنا للحظة أنّهم سيقفون في وجه مشروعكم التخريبي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فإذا بكم قد روّضتموهم مثلما تروّض الخيول الجامحة، وحوّلتموهم سهاما نحو صدورنا:
صار واضحا وجليا جدا أنّكم شغوفون بالمال شغفا لا يقارن، وينطبق عليكم قوله تعالى" تحبّون المال حبّا جمّا".. بل كان المال أوّل كلمة نطقتم بها بعيد "الثورة"، ولم يمض شهر على قيام الانتفاضة حتى أجبرتم محمد الغنوشي على إصدار المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 والمتعلق بالعفو العام، بل فرضتم عليه أن يمنحكم تسبقات إلى حين وضع الإطار القانوني الخاص بالتعويض .. كلّ ذلك والشعب منشغل في التحوّلات السياسية التي يمرّ بها، أمّا أنتم فكنتم أشبه بمن أصيب بحمّى الغنم والسلب، وليس غريبا أنّكم كنتم تقرأون تلك التحوّلات من منظور أنّ تونس في تلك الفترة أرض حرب يستباح فيها الغنيمة والسلب ، وأنّكم أصحاب دعوة ولكم أن تختاروا الطريقة التي ندفع بها الخراج إمّا صلحا أو عنوة.. ويبدو أيضا أنّكم اتفقتم مع محمد الغنوشي على ان يكون صلحا، وهذا ما نفهمه من عبارة" إلى حين وضع الإطار القانوني الخاص بالتعويض".
أعترف أنّنا كنّا في غفلة تلك الأيام الأولى، ونحمد الله أنّكم كنتم معتدلين في المطالبة بمستحقّاتكم لأنّ من قوانين الأراضي المفتوحة تحليل النساء، ليصرن سبايا وافتكاك المال والبنين... و قد تكونوا ذهبتم في تأويل هذه الأحكام مذاهب أخرى تفرضها التزاماتكم مع أمريكا التي فرضت علينا أن نجرّب الإسلام السياسي؟؟؟؟ على كلّ فهذا ملفّ آخر جدير بالدراسة...
لهفتكم ازدادت فما أن انتصب حمادي الجبالي رئيس حكومة حتى أصدر الأمر عدد 833 لسنة 2012 المؤرخ في 20 جويلية 2012 المتعلق بضبط كيفية تطبيق أحكام القانون عدد 4 لسنة 2012 و المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي.. ويقدّم لنا هذا "الأمر" فكرة عن تصوّركم لطبيعة العقلية التي اندمجتم بها بيننا ، إنّها عقلية الفتوحات لا غير، عقلية التسلّل إلى بنية المؤسسات لإحكام وثاقها ونخرها من الداخل حتى يتيسّر تهديمها، وقد وفّقتم في ذلك بفضل من عينتموهم أمراء علينا:
فلولا الأحداث الدموية التي شهدناها بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي لصرنا عبيدا لكم، فجُمّدَت هذه الأوامر في عهد مهدي جمعة. وبما أنّكم قوم لا تضيعون أيّة شاردة توصلكم إلى المال فقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة مع أوّل حكومة شكّلتموها بعد أن لبستم جبّة النداء مع حكومة الحبيب الصيد الذي أصدر الامر عدد 446 لسنة 2016 المؤرخ في 08 أفريل 2016 وتم بموجبه تنقيح الامر عدد 2799 لسنة 2013 ؛ فانتقلت اللجنة الاستشارية التي تعنى بالتعويضات من وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية الى وزارة الشؤون الاجتماعية. وأمكن استيعاب ما يقارب 200 الف عون بالوظيفة العمومية سواء عن طريق الانتداب أو إعادة الإدماج دون وال أو رقيب... ولا فائدة من ذكر الانعكاسات المالية السلبية التي انعكست على الصناديق الاجتماعية نتيجة هذا النهب ، والتي تحوّلت إلى عبء ثقيل يعاني منه المتقاعدون إلى يومنا هذا . ومنذ تلك الفترة انتشرت المزايدات فيمن تمتع بمال خزينتنا، وفي قيمة المنهوب من مدخراتنا ، وكثرت التصريحات التي تقول إنّ قيمة التعويضات التي تمتعت بها حركة النهضة هي 2300 مليار من المالية العمومية. و أنّ الانتدابات بلغت 130 الف أبناء التنظيم، و يكلفون الدولة سنويا 11 مليار.
واليوم، وبعد أن قصمتم ظهرنا أحسستم أنّ الجسد التونسي مازال فيه نفس حياة، فانتفضتم منادين بقطع رؤوسنا ... فعلا قديما قالوا إذا لم تستح فاعل ما شئت، وقديما قال التونسيون " واحد لسانو يدلدل والآخر يقلّلو أعطيني طريف للقطوسة"..
قد تكونون في انتفاضتكم هذه أشبه بانتفاضة الديك المذبوح.. وقد تكون لديكم إشارات تنبّهكم إلى أنّ الأمور لن تدار بالحكمة التي ترون، وأنّ من غرّرتم بهم عن طريق غريزة حبّ المال حبّا جمّا يتهمونكم بإخلاف الوعد، فتهرّأ جسمكم الانتخابي.. لذا لم يعد للمماطلة معنى والوقت يسري بكم سريعا، وحتما سينفضّ من حولكم من ألصقتموهم بعسل الطمع والفاقة الكبرى..
كلمة أخيرة اقولها لكم: من حقّكم أن تهدّدوا الشاهد فهذا أمر لا يعنينا، لكن هو أيضا في أزمة، فمن أين يأتي لكم بهذه الثروة كلّها؟؟؟؟يفرغ الخزينة؟؟ هي فارغة... يطلب القروض؟؟ لكن آش يشبع الجمل من التفاف؟؟؟؟ وحتما فالقادم من الأيام سيكشف ما بقي مستترا، وعندئذ لكلّ حادث حديث.
تعليقك
Commentaires