10 أيام وتنتهي آجال التدابير الإستثنائية - تونس دون حكومة وبرلمان مُجمّد
عشرون يوما مرت عن إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد لتفعيله للفصل 80 من الدستور التونسي يوم 25 جويلية 2021، متخذا بذلك عدّة إجراءات تأتي تحت سقف حماية البلاد من خطر داهم و تهدف إلى إرجاع البلاد لحالتها الطبيعية وضمان السير العادي لمؤسسات الدولة وذلك وفقا لتأويله الخاص للفصل 80 من الدستور في إطار غياب المحكمة الدستورية.
ويأتي هذا التفعيل للفصل 80 من الدستور من قبل رئيس الجمهورية بعد عدّة دعوات طيلة الأشهر الفارطة من قبل ناشطين سياسيين ومدوّنين على مواقع التواصل الإجتماعي للخروج إلى الشارع مُطالبين بإسقاط منظومة 2011 والتأسيس لجمهورية ثالثة جديدة.
البداية كانت بتجميد عمل البرلمان لمدّة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب وترأسه للنيابة العمومية و اقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه. قرارات تاريخية حوّلت الغضب الجماهيري إلى فرحة شعبية عارمة. لتتواصل من بعدها القرارات و الأوامر الرئاسية المتتالية على مرّ العشرين يوما التي مضت، تمثلت في إعفاء وزراء وولاة ومسؤولين حكوميين من مناصبهم، دعوة التجار والمصنعين لمختلف المواد كالأدوية و المياه و الطاقة و المواد الغذائية للتخفيض في الأسعار، القيام بزيارات ميدانية عدة، التمديد في حالة الطوارئ وضبط توقيت حظر الجولان، إرساء غرفة عمليات حول الكوفيد، الدعوة لأيام تلقيح مُكثّف لاقت نجاحا باهرا وحقّقت أرقاما قياسية وغيرها من التدابير التي أعادت تدريجيا السير العادي لمؤسسات الدولة وفق استراتيجية قيس سعيد.
وطنيا، كانت المواقف الرسمية من قبل الأحزاب والمنظمات الوطنية متباينة بين مؤيد للإجراءات وداعما مطلقا لها، و آخر مؤيد شرط توفير خارطة طريق واضحة، و آخر رافض تامّ للإجراءات واصفا إياها بالإنقلاب على الشرعية الإنتخابية وعلى مسار الإنتقال الديمقراطي. و في هذا السياق كرّر رئيس الدولة مرارا أنّ ما حصل لا يُعدّ إنقلاب على الدستور أو عودة إلى الوراء بل هو إستجابة لمطالب الشعب التونسي في إرساء دولة القانون والمؤسسات وتطبيق لمبادئ المسار الثوري لما قبل منظومة 2011 رافعا شعار ''شغل حرية كرامة وطنية''، و قد خاض قيس سعيد سلسلة لقاءات عدة مع ممثلين عن المنظمات والهيئات الوطنية في إطار طمئنتهم بالحفاظ على الحقوق والحريات وعدم الخروج عن الإطار الديمقراطي.
دوليا، أعربت دُول عديدة على تفهمها للتغيّير الحاصل يوم 25 جويلية 2021 و دعمها المطلق للرئيس قيس سعيد و مطالب الشعب التونسي داعين لعدم التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي التونسي. ولعلّ من أبرز هذه الدُول هي الجزائر و مصر و السعودية و البحرين و فلسطين و فرنسا. في حين أعربت دُول أخرى عن دعمها لتونس في هذا الظرف الدقيق و تفهمها التام لقرارات رئاسة الجمهورية مُطالبين بضرورة ضبط خارطة طريق في أقرب الآجال و إستكمال بناء أسس الديمقراطية في تونس على غرار دُول الإتحاد الأوروبي و اليونان و إيطاليا و إسبانيا.
الإستثناء كان مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد لعبت مجموعات الضغط و اللوبيينغ الممولة من قبل حركة النهضة دورا في التأثير على مواقف بعض المسؤولين الأمريكيين بُغية تصوير ما يحصل في تونس على أنه إنقلاب دستوري على الديمقراطية. فقد أعرب بعض الساسة خاصّة من الحزب الديمقراطي بالكونغرس الأمريكي عن ضرورة عودة البرلمان إلى نشاطه وإلغاء قرارات الفصل 80 من الدستور والقيام بحوار وطني شامل من أجل إستكمال البناء الديمقراطي. وكان البيت الأبيض بتاريخ 31 جويلية الفارط، قد أعلن أنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قد اتّصل هاتفيا بالرئيس التونسي قيس سعيد، وفي نقاش دام ساعة، دعا سوليفان الرئيس قيس سعيد إلى ضرورة رسم الخطوط العريضة للعودة السريعة إلى المسار الديمقراطي في تونس مؤكّدا أنّ ذلك سيتطلب تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، بقيادة رئيس وزراء قادر على تحقيق الاستقرار في تونس فضلاً عن ضمان عودة البرلمان التونسي في الوقت المناسب لنشاطه.
وكان قيس سعيّد قد استقبل أمس السبت، وفدا رسميا أمريكيا ترأسّه جوناثان فاينر، مساعد مستشار الأمن القومي، الذي كان محمّلا برسالة خطية من قبل جوزيف روبينيت بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. خلال اللّقاء، أكّد سعيّد أنّ التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، وحذّر من محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس. وبذلك ، أفاد جوناثان فاينر أنّ الرئيس الأمريكي يتابع تطور الأوضاع في تونس وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية متمسّكة بصداقتها الاستراتيجية مع تونس وتدعم المسار الديمقراطي فيها، وتتطلّع إلى الخطوات المقبلة التي سيتخذها رئيس الجمهورية على المستويين الحكومي والسياسي.
بين مؤيّد ورافضٍ للتدابير الإستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أبدى الكثيرون منهم قلقهم الحادّ من تأخّر اختيار سعيّد لرئيس الحكومة وعبّروا عن استغرابهم من سياسة تعيّينه للوزراء قبل تعيّين رئيس للحكومة حتى أنّ ملامح وصفات هذه الشخصية منعدمة المعالم بالكامل وكلّ الأسماء التي تمّ تداولها في كواليس قصر قرطاج لم يتمّ التأكيد على أيّ أحد منها إلى حدّ هذه الساعة.
عشرون يوما مرّت على 25 من شهر جويلية الفارط، وتونس تعيش في تدابير استثنائية تاريخية، وفي إطارها لا تزال مؤسسات الدولة تعمل بشكل طبيعي وخاصّة استراتيجية رئيس الجمهورية في مكافحة جائحة كورونا نالت إحسان الكثيرين ولكن هذا لا يُعدّ كافيا في ظلّ عدم استكمال تركيز مؤسسات الدولة - الحكومة- ولا أحد يعلم إن كان سيعود البرلمان لنشاطه بعد إنقضاء ثلاثين يوما عن تجميد صلاحياته.
لا أحد يعلم ما يجول في ذهن رئيس الجمهورية قيس سعيّد أو ما ينوي فعله في العشرة الأيام المتبقية من الثلاثين يوما للتدابير الاستثنائية، مما لا شكّ فيه أنّ مستشاريه بقصر قرطاج على دراية في ما إن كان سيتمّ التمديد في فترة تجميد صلاحيات البرلمان والتدابير الاستثنائية ولكن السياسة الإتصالية الضعيفة وحجب المعلومة عن وسائل الإعلام، جعلت الشعب التونسي في حالة حيرة وتشنّج عن مصير هذا المسار بعد انتهاء المدّة المحدّدة للتدابير الإستشثناية
لازالت فقط عشرة أيام، وتدخُل تونس في مُفترق طرق جديد، إما التمديد لما هُو عليه الوضع الآن في إنتظار تعيّين مُكلف بتسيير الحكومة وإما الإعلان عن خارطة طريق واضحة المعالم مُرفقة بجدول زمني مضبوط للمرحلة القادمة. أما بالنسبة لعودة الوضع لما هو عليه قبل 25 جويلية، فالأمر بات من المُستحيل- رغم كل الضغوط الخارجية على تونس- في ظل تأكيد الرئيس قيس سعيد على ذلك وفي ظل الدعوات المستمرة والمتواصلة يوميا من أجل المحاسبة والقطع التام مع منظومة 2011 والتأسيس للبناء الديمقراطي الجديد.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires