أصحاب المقاهي والمطاعم ضحية تداعيات فيروس كورونا بدرجة أولى
الثلاثاء يكون أوّل أيام شهر رمضان الذي تعوّد من خلاله التونسيين أن يقوموا بزيارة بعضهم البعض ويحلو لهم السهر في المقاهي والتجوّل في المُدن وخاصّة في قلب العاصمة شارع الحبيب بورقيبة ويمتدّ ذلك غالبا إلى غاية موعد الإمساك، ولكنّ شهر رمضان هذه السنة لن يكون كالسنوات الفارطة في طقوسه بل سيكون مثل السنة الفارطة فقط، سنة 2020، سنة الكورونا وحظر التجوّل والحجر الصحي.
اعتقد التونسيون أنّ كورونا التي أقعدتهم وألزمتهم بيوتهم السنة الفارطة خلال شهر رمضان وحرمتهم من الخروج والتمتّع بنكهة ذلك الشهر قد تلاشت تدريجيا هذه السنة واعتقدوا أنّ حريّتهم في الخروج والإستمتاع بشهر رمضان هذه السنة ستكون مؤكّدة، لكن هيهات بين ما اعتقدوا وبين ماهو على أرض الواقع. فيروس كورونا بعد أن تراجع قليلا في سبتمبر الفارط، عاد في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2021، في الإنتشار بقوة بالإضافة إلى دخول السلالة البريطانية المتحوّرة إلى تونس والتي أخذت تتسارع في الإنتشار وساهمت في خلق بؤر وبائية في العديد من الولايات.
المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، الأستاذة نصاف بن علية، كشفت أنّه خلال الأسبوع الثالث عشر لسنة 2021، تمّ تسجيل زيادة ملحوظة في عدد الحالات المكتشفة، ومعدل الإيجابية 22 فاصل 9 بالمائة، كما تمّ تصنيف 17 ولاية و95 معتمدية ذات مستوى اختطار "مرتفع إلى مرتفع للغاية". كما أنّ معدل الوفيات الإجمالي يساوي 75 فاصل 3 بالمائة لكل 100.000 نسمة، كما تمّ تسجيل نسبة متزايدة في حالات مشتبهة للسلالة البريطانية وتأكد فعلي من انتشارها محليا.
''طاقة استيعاب أقسام الإنعاش بلغت 80 بالمائة وطاقة استيعاب أقسام الأجسجين بلغت 50 بالمائة، يجب أنّ ينقص عدد المرضى والحالة الوبائية لا تسمح في التخفيف من الإجراءات'' كان هذا تصريح وزير الصحة فوزي مهدي يوم الأربعاء الفارط والذي أكّد من خلاله أنّ الوضع الوبائي أصبح خطيرا في تونس ولا مجال للمزيد من التراخي في تطبيق الإجراءات الوقائية الصحية.
هذه المؤشرات الوبائية الخطيرة، دفعت باللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا إلى أن رفعت مجموعة توصيات لرئاسة الحكومة للحدّ من انتشار الجائحة، وعلى ضوء تلك التوصيات اتخذت الحكومة قرارات جعلت من التونسيين يُلازمون منازلهم من جديد وكأنّهم في حجر صحي وسيكون شهر رمضان مخصص للعائلة فقط. مساء يوم الأربعاء الفارط، أعلنت حسناء بن سليمان الناطقة الرسمية باسم الحكومة والوزيرة المكلفة بالوظيفة العمومية عن الإجراءات الوقائية التي أقرّتها الحكومة والتي انطلق الشعب التونسي في تطبيقها يوم الجمعة 9 أفريل الجاري، وهو مطالب بأن يلتزم بها إلى آخر نهاية الشهر الجاري.
الإجراءات المُعلن عنها لم تتسّم بأي شيء جديد أو تغيّير مقارنة بالإجراءات الوقائية السابقة مثل التشديد على تطبيق وسائل الحماية الفردية والبروتوكولات الصحية والرقابة عليها بكل صرامة ومنع التجمعات الخاصة والعامة مع غلق الأسواق الأسبوعية، في حين أنّ من بين الإجراءات المُعلن عنها هناك قرار أثار موجة غضب وسخط من قبل التونسيين وخاصّة غضب واستنكار أصحاب المهن الحرة وقطاعات المقاهي والمطاعم الذين سينعاد عليهم ذلك القرار بالمضرّة التامّة. رئاسة الحكومة كانت قد قرّرت إعلان حظر التجوّل في كلّ الولايات من الساعة 7 مساء إلى 5 صباحا.
حظر التجوّل من الساعة السابعة مساء أكّد أنّ جائحة كورونا دمّرت أصحاب المهن الحرة وأصحاب المقاهي والمطاعم خاصّة وأنّ الحكومة لم تُعلن عن إجراءات مصاحبة لقرار حظر التجوّل، موجة من الغضب عقبت ذلك القرار واستنكره اتحاد الشغل إذ أكد أمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي أنّ قرار حظر التجول خلال شهر رمضان يحتاج إلى التعديل، واعتبره قرار غير صائب لم يأخذ بعين الإعتبار خصوصية عدة فئات في المجتمع مثل عمال المقاهي والفئات الفقيرة.
أصحاب المقاهي والمطاعم هدّدوا بالدخول في عصيان مدني إن لم يتمّ تعديل توقيت حظر التجوّل واعتبرت الغرفة النقابية أنّ ذلك القرار ليس مدروس ولم يُراعي الظروف الصعبة التي عاشتها تلك القطاعات خلال فترة فاقت السنة دون أن تتمتع بأي امتياز من الدولة في حين تكبدت مصاريف كبيرة على غرار خلاص الكراء وأجور العملة والأداءات والضمان الإجتماعي ومصاريف عامة التي جعلتها تشرف على الإفلاس.
أمام هذا الرفض الكبير لتوقيت حظر التجوّل، قرّر رئيس الحكومة هشام المشيشي تعديل توقيت حظر التجوّل وذلك بطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيد، وأصبح من الساعة العاشرة ليلا إلى غاية الخامسة صباحا. على الرّغم من هذا التمديد لمدّة ثلاثة ساعات إلاّ أنّ هذا ليس كافيا بالنسبة لأصحاب المهن الحرة وأصحاب المقاهي والمطاعم بل على العكس ساهم في خلق مشاكل على مستوى طريقة خلاص العملة لمدة ثلاثة ساعات يوميا. صدري بن عزوز نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي، أكّد اليوم أنّ الغرفة طالبت بإلغاء حظر التجوّل خلال شهر رمضان أو تأخير توقيت الحظر إلى منتصف الليل مشيرا أنّ 80 بالمائة من أصحاب المقاهي والمطاعم في حالة إفلاس.
وكشف صدري بن عزوز أنّ قطاع المقاهي والمطاعم في حالة كارثية، كما أنّ قرابة 2000 مقهى قد أغلقوا أبوابهم نهائيا بسبب الإجراءات المتخذة لمكافحة كورونا، وقرابة 50 ألف عامل أحيلوا على البطالة. واعتبر أنّ قرار رفع الكراسي من المقاهي هو قرار كارثي مبيّنا أنّ النادل بالمقهى يتقاضى شهريا مرتّبا ما يُقارب 450 دينارا و 500 دينار بالنسبة للمحاسب بالمقهى. من جهته، أكّد وزير الشؤون الإجتماعية، محمد الطرابلسي يوم 9 أفريل الجاري، أنّه تم اقتراحُ توزيع منحة بقيمة 200 دينار على العاملين في المقاهي والمطاعم وقطاع السياحة كعمل بتوصيات الهيئة الوطنية للمجابهة انتشار فيروس كورونا، وسيتم اعتماد قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالتشارك مع اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة ورجّح الوزير أنه سيتم لسماح لأصحاب المطاعم استئناف أنشطتهم الخاصة بتسليم الطلبات المحمولة وخدمات التوصيل ليلا.
أصحاب المقاهي والمطاعم وأصحاب المهن الحرة هم حقيقة أكثر تضررا بقرار حظر التجوّل ومساندتهم أمر ضروري ومطالبتهم بتأخير توقيت حظر التجوّل أمر بديهي في حين أنّ الأرقام المسجلّة لعدد الإصابات بالوباء يوميا تزيد ارتفاعا ورئيسة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية أكّدت اليوم أنّ الوضع الوبائي في تونس خطيرا جدا نظرا لكلّ المؤشرات المسجّلة وشدّدت على أنّ الإلتزام بتطبيق الإجراءات الوقائية الصحية بكلّ حذافيرها هي الحلّ لتفادي تفاقم العدوى بالوباء.
قرار حظر التجوّل للحدّ من انتشار فيروس كورونا خلال شهر رمضان لم يكُن مدروسا بطريقة كافية وشافية لتسمح لأصحاب المهن الحرة وأصحاب المقاهي والمطاعم بممارسة أنشطتهم في إطار تطبيق البروتوكولات الصحية. قرار أكّد أنّ جائحة كورونا أعدمت مواطن شغل آلاف العائلات التي تسترزق من قطاع المقاهي والمطاعم، كما أثبت أنّ كورونا أتت تداعياتها على 80 بالمائة من أصحاب تلك القطاعات وأحالتهم على البطالة والجوع أمام عجز الحكومة عن مساعدتهم.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires