الشاهد والعزابي يريدان الذهاب في ''خبر كان'' في سن الأربعين
شبابنا والمسكوت عنه
بعد مرور مدة طويلة نسبيا لم يلتق فيها بالصحفيين وبأصحاب المؤسسات الإعلامية، استقبل رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، يوم الخميس 3 جانفي 2019، أعضاء الهيئة المديرة للجامعة التونسيّة لمديري الصحف .. لقاء دام ساعة من الزمن، استعاد خلالها الحضور وكنت من بينهم، قايد السبسي الذي عهدناه في الفترة من 2011 إلى 2016، ذلك الرجل الحريص على الإحترام التام للدستور وللمؤسسات بقدر احترامه أيضا لمهنة الصحافة ولحرية التعبير وللصحفيين عامة ولرسالتهم.
قال لنا رئيس الدولة في هذا اللقاء: "وجود صحفيين يخطئون عند ممارسة عملهم ويقوم ببعض التجاوزات، أفضل من غياب صحافة حرة .. تلك هي الديمقراطية وقناعتي راسخة بضرورة تكريس حرية الصحافة وهو أمر مازلت متمسكا بالدفاع عنه، حتى وإن دفعت ثمن ذلك. فأنا لم أرفع يوما قضية ضد أي من الصحفيين كما لم أستدع أحدا منهم لانتقاده من أجل مقال ما" .. مثل هذه الأفكار والقناعات كان صرّح بها الباجي قايد السبسي في بداية مدته الرئاسية في 2015 وكنا آنذاك ننتظر مدى صدقيّتها .. اليوم وبعد انقضاء أربع سنوات لاحظنا أنها لم تكن مجرد شعارات جوفاء مثل تلك التي أطلقها َسلفُه منصف المرزوقي الذي يقول الشيء ويأتي نقيضه خاصة في ما يتصل بعلاقته الصاخبة والمتوترة مع وسائل الإعلام التي كانت تخالفه الرأي.
هذا الأمر قد يُطمئن كل من ساورته الشكوك إزاء علاقة الباجي قايد السبسي بالسلطة الرابعة، رغم بعض الاستثناءات التي كانت أثارت جدلا ونقاشا مُطوّلين وهنا استحضر بالخصوص المدون صبحي العمري والمسؤولين الإعلاميين ناعم الحاج منصور ونبيل الرابحي. وبالطبع لسنا في حاجة للتذكير بأنه لولا السلطة الرابعة لما أمكن الحديث عن ديمقراطية .. غير ان المشكل لم يكن ابدا في علاقة بالباجي قائد السبسي شخصيا وإنما بالمقربين منه .. فقد كان الاشكال في الأول مع نجله حافظ الذي اختار مؤخرا أن يتوارى ولو مؤقتا قبل ان يصبح الازعاج صادرا عن الديوان الرئاسي الجديد الذي تترأسه سلمى اللومي والتي تشكل خطرا حقيقيا على الصحافة وعلى حرية التعبير.
فلا احد يشكك اليوم في صدق الباجي قايد السبسي حين يؤكد حرصه على احترام الصحافة وحرية التعبير وهذا طبعا ليس حال مديرة ديوانه .. فليس من المستبعد ابدا مغالطة رئيس الجمهورية سواء بالتصريح أو التلميح من خلال ايهامه بان فلانا من رجال يوسف الشاهد أو ان علانا له أجندة مشبوهة .. فمثل هذه النمائم لا تخفى على السيدة اللومي.
قال لي رئيس الدولة وهو يصافحني انه يعرفني جيدا لكني لا اعرفه بالقدر الكافي والأكيد انه محق في ذلك لكن كل ما نرجوه هو ان لا يتم التغرير به من قبل حاشيته التي قد لا تكون تتصرف عن سوء نية وإنما بدافع الغباء.
خلال لقائه بنا اثار الباجي قايد السبسي عديد المسائل الهامة التي يجب علينا نحن كصحفيين احترامها جيدا وفي طليعتها احترام ميثاق شرف المهنة والذي من ابرز نقاطه ان الصحفي يلتزم بقول الحقيقة من خلال الامتناع عن نشر أي خبر وهمي .. وفي هذا الصدد قال لنا رئيس الجمهورية "الصحفي لا يكذب" مذكرا ايانا بما كان يقوله الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بان الخبر اذا نشر على أعمدة جريدة الصباح فهو قطعا صحيح.
للأسف الشديد تغيرت الأوضاع اليوم وتزايد عدد الصحفيين الذين لا يتوانون عن تزوير الحقائق ولعل اخر مثال على ذلك كلاس ريلوتيوس، الذي يعمل لفائدة الصحيفة الألمانية العريقة "دير شبيغل" .. للأسف الشديد امثاله كثيرون في تونس لكن هل هذا وحده كاف لإطلاق الأحكام جزافا وتعميمها على القاصي والداني ؟ . ولعله يجدر بنا تذكير سلمى اللومي والعاملين معها بانه يمكن التغرير باي صحفي ومغالطته مهما كانت خبرته وبالتالي فانه معرض للخطأ ومن ورائه يقع القارئ في الفخ .. غير ان أي صحفي يحترم مهنته لا يجرؤ على الكذب حتى وان كان ضحية تلك الأخطاء الانف ذكرها والتي تعد مجرد عثرات في بلد هو اليوم بصدد التعلم من جديد في كل المجالات .. لذلك اذا كان علي الاحتفاظ برسالة واحدة من لقائنا برئيس الجمهورية فهي بلا شك ان الصحفي لا يكذب وعليه ان يمتنع عن ذلك .. على السيدة اللومي ان تأخذ عن رئيسها احترامه لمهنة الصحافة وامتناعه عن مكالمة الصحفيين أو أسرهم أو مسؤوليهم أو شركائهم وعن ممارسة أي شكل من أشكال الضغط عليهم .. وهو أمر لست على يقين من انها ستلتزم به.
ولئن استوعب الحاضرون في الاجتماع جيدا كل الرسائل التي وجهها اليهم رئيس الجمهورية فان الشأن كان مختلفا تماما في ما يخص علاقته برئيس الحكومة يوسف الشاهد.
طالما اكد قايد السبسي في مناسبات عدة انه "يحترم رئيس الحكومة الذي اختاره هو بنفسه لهذا المنصب وانه يحترم الأصوات التي حظيت بها حكومته خلال جلسة نيل الثقة في البرلمان وعددها 132 صوتا كما انه يحترم قرار مجلس نواب الشعب ويحترم الدستور التونسي" .. بدت لنا هذه العبارات اقل صدقا من سابقتها إذ ان الباجي قايد السبسي فعل كل ما بوسعه لتنحية الشاهد واخراجه من القصبة .. وحسب معلوماتنا وبالرغم من الكلمات الجميلة واللطيفة التي استمعنا اليها في اجتماع 3 جانفي فان قايد السبسي لم يقل بعد كلمته الأخيرة .. دائما ما كان يقول ان مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب .. غير انه اظهر عكس ذلك في خلافه الأخير مع يوسف الشاهد والذي طال أكثر مما يلزم .. خلاف بين راسي الجهاز التنفيذي دفع ثمنه الوطن والحزب على حد سواء.
صحيح ان فضل قايد السبسي كبير على الشاهد فلولاه لما أصبح رئيسا للحكومة لكن ان يزعم هذا الأخير بانه لم يعد محتاجا لرئيس الدولة فهذا مجانب الصواب فمن الأفضل ان يكون رئيس الجمهورية سندا له على ان يكون خصمه.
الباجي قائد السبسي خسر نقاطا عدة في خلافه مع يوسف الشاهد وقد يخسر المزيد في قادم الأيام .. كان عليه ان يترفع ولا ينزل بنفسه الى حلبة الصراع ...
اقل من 10 اشهر تفصل البلاد عن الانتخابات المقبلة .. وفي الأثناء يبدو ان يوسف الشاهد يستعد لتكوين حزب سياسي جديد بواسطة سليم العزابي الذي يضع ساقا في نداء تونس والأخرى في الحزب الجديد وسيدخل بالتالي في صراع مباشر مع الحزب الذي اسسه رئيس الجمهورية وهو حزبه السابق أيضا .. وهي معركة سيهدر فيها الشاهد الكثير من الطاقة والوقت والمال في حين كان يجدر به محاولة اكتساح النداء مجددا أو ابرام اتفاق الشجعان مع الباجي وحافظ قايد السبسي عوضا عن تبديد جهوده في تكوين حزب جديد.
فالرجلان أي الباجي قايد السبسي ويوسف الشاهد في حاجة الى طاقتها ووقتهما لمحاربة أعدائهما المشتركين وهم كثر .. فمن الغباء اهدار جهودهما في محاربة غير عدوهم المشترك.
الاجتماعات الأخيرة التي عقدت الأسبوع الماضي استعدادا للإعلان عن هذا الحزب السياسي الجديد لم تخرج عن السائد والمألوف ولم ينقصها سوى الطبال والزكار وذبح الخرفان .. كما علمنا انه يجري التباحث حلول اختيار تاريخ له رمزيته مثل 27 جانفي أو 2 مارس أو 20 مارس .. أي ان الجماعة عاجزون حتى عن ابتكار موعد جديد يرسخ في التاريخ .. وهو ما يعيد لاذهاننا مصطفى بن جعفر حين كان يفضل المصادقة على الدستور اما يوم غرة جوان أو يوم 26 جانفي نظرا لرمزية التاريخين فاذا بالمجلس الوطني التأسيسي يصادق على الدستور بعد منتصف الليل أي يوم 27 جانفي في نهاية المطاف.
يبدو واضحا ان الحزب السياسي الجديد ليوسف الشاهد سيكون "نداء" اخر والذي هو بدوره نسخة معدلة من التجمع الدستوري الديمقراطي وهو كذلك نسخة غير مطابقة للأصل من الحزب الدستوري من خلال التعويل على بعض الوجوه الشابة وغير المستهلكة سياسيا والذين يمثلون شباب تونس القرن الحادي والعشرين.
الباجي قايد السبسي نجح في ابرام السلم مع العدو الفعلي لبورقيبة ولبن علي من بعده وهم الإسلاميون وزعيمهم راشد الغنوشي .. لكنه فشل في ذلك مع يوسف الشاهد .. صحيح ان السلام لا يصنع الا مع الأعداء .. فهل يعني هذا ان الشاهد ليس بعد عدوا حقيقيا لقائد السبسي الاب والابن حتى يعاهدوه السلام ؟ في هذه الحالة فليجلسوا جميعا حول طاولة واحدة ويتصارحون بالمكشوف بعيدا عن النفاق السياسي .. مهما كان مصير نزاعهما فسيكونان الخاسرين وسيكون الفائز حينها الإسلاميون وحزب المؤتمر وغيرهم ممن باعوا ضمائرهم للسفارات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية .. من حق قايد السبسي والشاهد ان يغامرا بمستقبلهما السياسي لكن ليس من حقهما البتة المغامرة بمستقبلنا نحن ..
(ترجمة للنص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires