التلاعب بقضيّة الفهري يُعيد قطاع الإعلام إلى مربّع التضيّيق والترهيب
يبدو أنّ كلّ من يقف ضدّ التحرّكات المشبوهة للحركة الإسلامية ويحاول فضح تجاوزاتها، تتمّ هرسلته بشتى أنواع الطرق إما لإخضاعه لإرادتهم أو إسكاته بالقوة وإنّ خير دليل على هذا ما حدث في الإعلامي سامي الفهري وقناته الحوار التونسي من ضغط وترهيب إلى أن انتهى المطاف بالفهري في السّجن.
بمجرّد إعلان سامي الفهري في قناته الحوار التونسي أنّه سيبث حلقات تكشف أسرار حركة النهضة ومصادر تمويلها بعنوان ''كشف أسرار حركة النهضة''، تحرّكت كلّ بيادق النهضة في السلطة وتمّ تحجير السفر عن سامي الفهري يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2019، وقدّمت في شأنه شكوى من قبل وزارة المالية بتعلّة سوء إدارة الممتلكات المصادرة من قبل الفهري، بما في ذلك شركة Cactus Prod وغيرها من الشركات. كما أنّ الحركة الإسلاميّة وجّهت برقيّة تهديد للفهري وأعلمته أنها ستلجأ في صورة إصراره على بث أو إعادة ما وصفته بهذا النوع من البرامج أو اللقطات الاشهارية، إلى التقاضي الجزائي والمدني وتحميله وتحميل قناة الحوار التونسي كل المسؤولية الجزائية والمطالبة بالتعويضات المدنية الكاملة عن كلّ نشر لإشاعة في حقها أو سعي لتشويه صورتها، وتمّ بعدها حذف الفيديو الترويجي لكشف أسرار حركة النهضة ولم يتمّ بثها أبدا.
قضيّة الإعلامي سامي الفهري كشفت مدى ضعف أجهزة الدولة على غرار أهمّ سلطة وهي السلطة القضائيّة التي لم تكن عادلة في ملف الفهري بعد أن تمّ إيقافه بطريقة بشعة يوم 5 نوفمبر، رفقة المتصرّفة القضائيّة وكذلك وكيل الشركة، لمدّة خمسة أيام وبعد 13 ساعة من التحقيق المتواصل في الليلة الفاصلة بين 5 و 6 نوفمبر 2019 معه في ظروف سيّئة، وتمّت مداهمة منزله حيث لا يوجد سوى ابنتيه القاصرتين، كما تمّت مداهمة مقرّ القناة ومقر شركة الإنتاج prod وفق ما أكّده محامي الفهري عبد العزيز الصيد الذي وصف الحادثة بأنها خارج المسار القضائي دون قضية منشورة أو قاضي تحقيق مكلف بالملف واعتبر أنّ المداهمات قد تكون للبحث عن الشريط الوثائقي الذي يكشف مصادر تمويل الحركة الاسلامية، وهي الفرضية التي يشترك فيها محامي الفهري مع العديد من المحللين ليأذن قاضي التحقيق بالقطب القضائي والمالي يوم 15 نوفمبر بإطلاق سراح كل من الفهري وكلّ المتهمين والإبقاء عليهم في حالة سراح.
لم يهدأ للحركة الإسلاميّة بال طالما الفهري حرّ طليق، ليتمّ إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضدّه وضدّ المتصرّفة القضائية لشركة كاكتيس والوكيل لقناة الحوار التونسي وقام الفهري يوم 17 ديسمبر 2019، بتسليم نفسه للسلطات ومثل أمام محكمة الاستئناف بتونس. التحيّل والتلاعب بالسلطة القضائية من قبل أطراف قويّة سياسيّة بان بالكاشف عندما قرّرت محكمة التعقيب في 29 جانفي إطلاق سراح الفهري، وأبتْ النيابة العمومية تنفيذ القرار بسبب صدور بطاقة ثانية تقضي بالإبقاء عليه بالسجن يوم 30 جانفي. بعد قرار محكمة التعقيب كان من المفترض أن يتمّ الإفراج عن الفهري ولكنّ النيابة العموميّة لم تحترم القانون ولم تتعامل بنزاهة مع قرار محكمة التعقيب وبالتالي فإنّ الفهري محتجز دون موجب قانوني. أهل الإختصاص اعترفوا أنّ ملف الفهري به تلاعب على غرار الهيئة الوطنيّة للمحامين في بيان لها يوم الخميس 13 فيفري، نبّهت فيه من خطورة الممارسات التي تنمّ عن محاولات توظيف القضاء والتلاعب بالإجراءات خرقا للقانون وهضما لحقوق الدفاع وذلك خدمة لحسابات سياسيّة وصراعات مراكز نفوذ مؤكّدة أنّ ما حصل في ملف الفهري هو سابقة قضائيّة تبيّن بوضوح تعمّد إبقاءه في وضعيّة احتجاز غير قانونيّة بعد صدور قرار عن محكمة التعقيب يقضي بالإفراج عنه، معتبرة ذلك تصفية حسابات باستعمال السلطة القضائيّة بقطع النظر عن معطيات الملف في الأصل.
بمجرّد إدخال سامي الفهري للسجن، تمّ إعلان الحرب على قناته الأولى في تونس من حيث نسب المشاهدة ''الحوار التونسي'' وشهدت موجة شتم ونقد لاذع من قبل الذباب الأزرق الذي شهّر بها وببرامجها واعتبروها منافية للأخلاق وتشجّع على الإنحلال الأخلاقي، بالإضافة إلى شتم وهتك عرض صحفيّيها والدعوة للتحريض عليهم بشتى أنواع الطرق ونتيجة لكلّ سبل الضغط على القناة. قضيّة الفهري زادت تعقّدا وغرابة بعد أن أعلنت الإعلاميّة مريم بلقاضي عن إيقاف برنامجها السياسي المعروف يوم الأربعاء 27 ماي ''تونس اليوم'' نظرا لصعوبات ماديّة، بلقاضي بيّنت أنّ إدارة القناة قرّرت إيقاف البرنامج نظرا لصعوبات ماديّة ولكنّ هذا العذر لم ينطلي على الرّأي العام الذي شدّد على أنّ سامي الفهري أصبح مستهدفا في شخصه وقناته. وكما أشار نزار بهلول فإن قضيّة سامي الفهري أصبحت فضيحة، فقد صارت الشكوك تحوم حول ظروف وأسباب الزج به في السجن وباتت قضيّته هي قضية صحافة.
جمعيّة القضاة التونسيين، في 30 ماي، طالبت الدائرة التعقيبية المتعهدة بقضيّة الإعلامي سامي الفهري بالتخلي عن القضية، وإرجاعها إلى الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، وذلك لإحالتها على نظر الدوائر المجتمعة، تفعيلا لآليات توحيد الاجتهادات القضائية مشيرة أنّ "الغاية من ذلك هو التوصل إلى مواقف وآراء تكون مؤسسة تأسيسا قانونيا وفقهيا متينا يساعد على مقبوليتها وعلى تحقيق توحيد تطبيق القانون وعلى استقرار النظام العام الإجرائي، ويمكّن من استعادة الثقة في القضاء، وسد جميع منافذ التشكيك فيه". وانتقدت إحالة الرئيس الأوّل لمحكمة التعقيب القضيّة إلى إحدى الدوائر الجزائيّة بالمحكمة للنظر في الطعن المقدّم في شأنها يوم 2 جوان، وعدم استجابته للآراء والمواقف المتعددة والمؤسَسة المطالبة بتعهيد الدوائر المجتمعة للمحكمة بالنظر في ذلك الطعن طبق ما تخوله أحكام الفصل 275 من مجلة الإجراءات الجزائية. وعلى الرّغم من كلّ الدعوات من السلط القضائيّة للنأي بقضية سامي الفهري عن كلّ التجاذبات السياسيّة، إلاّ أنّ محكمة التعقيب قرّرت اليوم الثلاثاء تعقيب قرار دائرة الإتهام بمحكمة الإستئناف بتونس القاضي بإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقّ الفهري وحق المتصرفة القضائية للقناة حول القضية المتعلقة بشبهة تجاوزات إدارية ومالية بمؤسسة "كاكتوس".
قضيّة سامي الفهري التي أثبتت التلاعب بالسلط القضائيّة من قبل أطراف سياسيّة وامتدّ هذا التلاعب إلى تشويه قناته الحوار التونسي، يُحيل إلى أنّ قطاع الإعلام في خطر ومُهدّد وأصبحت وسائل الإعلام رهينة للخضوع والتركيع أو سيتمّ هرسلتها بكلّ الطرق لتكميم الأفواه والتحكم في السلطة الرابعة.
تعليقك
Commentaires