نجلاء بودن رئيسة الحكومة التي تسمع ولا تتكلّم
سنة وبعض الأيام مرّت على تسلّمها منصبها رسميا يوم 11 أكتوبر 2021، ولم تتوجّه إلى حدّ اللحظة رئيسة الحكومة نجلاء بودن بأيّ خطاب رسمي وجادّ للشعب التونسي ، لم تُصارح التونسيّين بمدى عُمق الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية التي تُعاني منها البلاد ولم تُكلّف نفسها العناء لتُطمئنهم بإعلانها عن الإصلاحات التي يُقال أنّ حكومتها قد أعدّتها وتعمل على تنفيذها.
نجلاء بودن ، أوّل إمرأة في تونس تتحمّل وِزر منصب رئيسةٍ للحكومة، خطوة إيجابية رحّب بها التونسيون وخاصّة النساء التونسيات بما في ذلك من تعزيز وتكريس لمبدأ الإعتراف بمكانة المرأة التونسية وقدرتها على تحمّل المسؤوليات في المناصب العُليا بالبلاد.
هذه الخطوة الإيجابية سُرعان ما خيّبت آمال التونسيين ، ذلك أنّ نجلاء بودن أهانت حقيقة كما صرّحت عدّة جمعيات نسوية ، صورة المرأة التونسية وحطّت من كرامتها ومكانتها وكرّست بودن في نظرهن صورة المرأة الضعيفة الغير قادرة على تحمّل المسؤوليات والتي لا تملك حتى الشجاعة لتتكلّم.
على امتداد سنة ، كانت نجلاء بودن تعمل تحت جناح رئيس الجمهورية قيس سعيد ولا يحقّ لها أن تتكلّم ولا أن تتخذ قرارا دون أن تعود إليه بالنظر، وكانت بودن تظهر للتونسيين من خلال لقاءاتها الثنائية مع قيس سعيد بقصر قرطاج.
لقاءات متتالية ومتشابهة خلقت رتابة وبات مضمونها لا يعني التونسيين ، نفس البلاغات التي تتكرّر على صفحة رئاسة الجمهورية فقط الصور تتغيّر وبالطبع بلاغات تضمّ رسائل قيس سعيد المُبهمة ومواقفه السياسية بعيدا عن مشاغل الشعب وفي غياب تام لأيّ موقف أو قرار أو حلول إصلاحية من وزيرته الأولى المكلّفة نجلاء بودن.
نجلاء بودن التزمت بدورها الإستشاري والتنفيذي لقرارات قيس سعيد وذلك بعد أن ألزمها بذلك في دستوره الجديد الذي صاغه بطريقة انفرادية.
بمجرّد تصفّح الباب الخاصّ بالحكومة في الدستور الجديد وفي الفصل المائة وإحدى عشر نجد أنّ دور الحكومة يتمثل في '' تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهوّرية''،
ويتضح دورها أكثر في الفصل المائة واثنا عشر والذي ينصّ كالآتي '' الحكومة مسؤولة عن تصرّفها أمام رئيس الجمهورية".
رئيس الجمهورية قيّد وحدّد مهام رئيسة الحكومة وشلّ حركتها ولم يترك لها المجال لإتخاذ قرارات بطريقة فردية ، كما لم يعطها المجال لمصافحة الشعب التونسي والتوجّه لهم بخطاب طمأنة في الأزمات.
قيس سعيد و وزيرته الأولى من دورهما الأساسي طمأنة الشعب التونسي في كلّ الأزمات والتوجّه لهم بخطاب يوضّح حقيقة وضعية البلاد ، هو من واجبهما.
عاش التونسيون في ظلّ الأشهر الأخيرة أزمة حادة تتعلق بأمنهم الغذائي، مساحات تجارية كبرى باتت تشكو فقدان المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن التونسي بطريقة يومية ، وعلى سبيل الذكر لا الحصر ''السكر، الأرز، الحليب ، المياه المعدنية، الفرينة، الزيت النباتي ..'' وغيرهم من المواد الحياتية.
الفضاءات التجارية الكبرى والدكاكين باتت تفرض على المواطن اقتناء قارورة ماء فقط وشراء علبة حليب واحدة وباتت سياسة التقشف هي السائدة.
وبات توفّر الحليب أو الفرينة أو السكر في المساحات التجارية الكبرى يدفع بالتونسيين للتدافع والفوضى للحصول على أكثر ما يمكن من تلك المواد.
رئيسة الحكومة نجلاء بودن لم تواجه التونسيين ولم تتحمّل مسؤولية إيضاح الأسباب التي تقف وراء هذا النقص الفادح بل تجاهلت مشاغلهم وقضاياهم الحياتية واكتفت بزيارات متكرّرة لقصر قرطاج لتستمع للرئيس قيس سعيد الذي كان يُكرّر مرارا أنّ المضاربة والإحتكار هما أساس النقص في المواد الأساسية الغذائية ويتهم أطراف بالوقوف وراء حالة غليان الشعب.
إضافة إلى الأزمة الغذائية ونقص المواد الأساسية الحياتية، نجلاء بودن وقفت تُشاهد مجزرة ''فاجعة جرجيس '' في هدوء ولم تتكبّد عناء التحوّل إلى مدينة جرجيس بولاية مدنين للتحدّث والإستماع لمصائب أبناء الجهة الذين خسروا أفلاذ أكبادهم في عرض البحر جراء الهجرة غير النظامية.
مرّت بودن مرور الكرام على هذه النكبة التي تحدّث عنها كلّ العالم، جثث التونسيين تُدفن بطريقة غير قانونية ودون التثبت من هوياتهم أو القيام بالتحليل الجيني لمعرفتهم في تجاهل تامّ لمعاناة عائلاتهم. وبعد قرابة شهر، استفاق رئيس الدولة ودعا إلى ضرورة فتح تحقيق وتحميل المسؤوليات.
إضافة إلى ما سلف ذكره، عاشت تونس ولا تزال أزمة كبيرة في المحروقات، محطات الوقود أُغلقت تماما والتونسيين فقدوا صوابهم وباتوا يتحوّلون لمحطات ضخ الوقود حاملين قوارير لملئها تحسُبا لأيّ انقطاع فجئي للتزوّد.
ولم يحرّك هذا أيضا شيئا في رئيسة الحكومة التي لم تنبس بكلمة في علاقة بملف المحروقات ولم تكشف حقيقة عجز تونس على خلاص مزوّديها أو أسباب تأخر الخلاص.
منذ مباشرتها لمهمّتها في منصب رئيسة حكومة ، لم تتوجّه نجلاء بودن بكلمة للشعب التونسي في كلّ الأزمات الغذائية والطاقية والمالية واكتفت بالصمت والإختفاء وراء لقاءاتها الفضفاضة مع رئيس الجمهورية الذي لم يتجرّأ هو كذلك على مخاطبة التونسيين بخطاب صادق ومُقنع ليكشف فيه بعيدا عن الشعبوية ، مدى الخطورة التي تعيشها تونس على كلّ الأصعدة والحلول التي تمّ اتخاذها إن وُجدت.
تعليقك
Commentaires